أوكرانيا بالعربية | مصر بحاجة الى غربلة ... بقلم د. فوزي الأسمر
كييف/أوكرانيا بالعربية/أكدت الأحداث التي جرت في كافة المحافظات المصرية، بما فيها العاصمة ومدن السويس ومحافظة الإسكندرية وحتى الصعيد ، أنه لا بدّ من عملية غربلة أساسية للنظام القائم. فقد حان الوقت للفصل بين القمح والزوان . وهذا الفصل ضروري كي تتمكن مصر العودة إلى مركزها القيادي في العالم العربي ، ومركزها الدولي الفّعال والمؤثر، خصوصا بما يحدث في منطقة الشرق الأوسط .
فقد برهن محمد مرسي ، الرئيس الحالي لمصر ، على عدم مقدرته القيادية ، وضعفه في اتخاذ القرارات الصعبة ،بما فيها التجاوب مع المطالب الشعبية لثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011 . فبدلا من العمل في هذا الإتجاه ، بدأ بتنفيذ إلتزاماته الحزبية ، الداعية إلى تثبيت أقدام هذا الحزب ، أي الإخوان المسلمين ، عن طريق التنسيق بينه وبين المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر محمد بديع . فأصدر قرارا يمنح الرئيس سلطة غير عادية ، بما فيها تنفيذ قراراته بدون مناقشتها أو معارضتها ، وهو أمر بعيد كل البعد عن الهدف الأساسي للثورة ، وهو التخلص أولا وقبل كل شيء من حكم الدكتاتورية .
فالمسار الذي سلكه مرسي لقي معارضة شعبية، ودفعه، بدلا من العمل على تضييق الهوة بين النظام والشعب ، للتصرف بإسلوب مجه الشعب المصري ،خصوصا تحت حكم حسني مبارك ، فأدى تصرفه إلى وقوع ضحايا خصوصا في المناطق التي صوتت بأكثريتها له بما فيها مدينة بورسعيد وغيرها من مدن السويس . ورُفعت شعارات تعرب عن أسف الشعب للتصويت له ، إلى جانب صور بعض الشهداء الذين سقطوا برصاص قواته.وشعارات تطالب برحيله .
وبسبب عدم وجود حساسية قومية لدى الرئيس مرسي تمشيا مع مرجعه الأيديولوجي للجماعة التي ينتمي إليها ، فقد تصرف بشكل أثار حفيظة الأكثرية ليس في مصر فحسب ، بل على مستوى الوطن العربي . فمدينة بور سعيد ، والمعروفة بكنية " المدينة الباسلة " ، كونها تصدت للقوات البريطانية والفرنسية الغازية إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ،على أثر قيام الزعيم جمال عبد الناصر بتأميم قنال السويس ، لهذا فإن لها وقع قومي خاص لدى الشعوب العربية .وقد ترجمت بسالتها في كثير من الأبحاث ، وتغنى الشعراء بها ومن جملة الأغاني التي أثارت الإنسان العربي كانت هذه الأبيات بالعامية المصرية :
كنا نار أكلت جنودهم نار تقول هل من مزيد
وانتصرنا ولسَ عارهم ذكرى في تراب بور سعيد .
أما الموضوع الآخر فهو قيام مرسي بإصادر أوامره برفع الحراسة عن ضريح الزعيم جمال عبد الناصر ، وإلغاء تبني الحكومة لعامل تنظيف الضريح ،ومصادرة بعض المقاعد التي كانت متواجدة في المكان . وظهرت هذه التصرفات وكأنها ليس فقط تحديا للمشاعر المصرية والعربية ، بل وكأنها إنتقام الإخوان من عبد الناصر نفسه . بل يمكن القول أن أحد أهداف الإخوان المسلمين كان ، ولا يزال ، العمل على تحطيم شخصية عبد الناصر في عقول الجماهير ، وهذا يعني ان الأخوان لا زالوا يهابون آرائه ، رغم مضي 42 سنة على وفاته . وكل من تابع خطب عبد الناصر وتحليلاته للإخوان يستطيع أن يفهم حملة الإخوان عليه .
فقد إستطاع الزعيم عبد الناصر من فضح مواقفهم وتعاملهم مع القوى الأجنبية ضدّ مصالح بلادهم . ورغم أنه كُتب الكثير عن هذا الموضوع ، إلا أن المقالات الثلاثة التي أطلعت عليها ، وكتبتها الشخصية التي لديها المعلومات المباشر تؤكد صحة هذه المواقف للإخوان .
فقد نشر الفريق سامي شرف ، وزير شؤون رئاسة الجمهورية الأسبق ، وسكرتير الرئيس جمال عبد الناصر للمعلومات ، ثلاث مقالات في غاية الأهمية وهي : تنظيم القطبين الذي حكم مصر . و سامي شرف يتذكر أحداث وحقائق القطبين سنة 1965 . و الأخوان المسلمين ورقة دائمة في يد الإستخبارات الأمريكية . ويكشف الفريق شرف في مقاله الأخير ، ما قام به الإخوان من عمليات إغتيال لقادة سياسيين ومثقفين ، منفذين بذلك مخططات أجنبية وذلك قبل ثورة عام 1952.(نشرت هذه المقالات على موقع : الفكر القومي العربي ) .
إن جماعة الإخوان المسلمين هو حزب سياسي محض ، له أيديوليجيته ، ومخططاته واهدافه السياسية ، مستغلا الدين لتنفيذ هذه الأهداف ، والسيطرة من خلاله على بعض نفوس الجماهير . وعندما يقرأ الإنسان تاريخ هذا الحزب ، وأهدافه وما قام به من عمليات القتل والإغتيالات يستطيع أن يرى الصورة واضحة ، ومدى خطورته على الشعب والوطن .
وبسبب الأوضاع التي كانت سائدة بعد الإطاحة الشعبية بحسني مبارك، وبسبب منافسه في الإنتخابات التي جرت ، أحمد شفيق، المعروف بولائه لحسني مبارك ، وصل محمد مرسي إلى كرسي الرئاسة في مصر ، بدون برنامج إقتصادي واجتماعي يساعد مصر على النهوض والتقدم . ولهذا تراجع عن كل تعهداته ، وبرهن عمليا أن الهدف الأساسي للإخوان هو فرض الهيمنة بدون تقديم أي شيء للشعب . و يحاول مرسي الآن جر قادة المعارضة للجلوس معه للحوار وإستغلال ذلك شعبيا وكأنه يناقش إقامة " وحدة وطنية " ، وإن رفضت المعارضة ذلك فسيحملهم مرسي المسؤولية .
ولكن " جبهة الإنقاذ الوطني " التي تمثل أحزاب المعارضة ،رفضت الوقوع في هذا الفخ ، ورفضت الحوار إلا بشروطها ، التي رفضها بدوره مرسي لأنها ستزيد من تعريه . واليوم أنضمت الجبهة إلى المطالبة برحيل مرسي وحاشيته .
إن ما يدور في مصر يهم ، ليس المصريين فقط ، بل شعوب المنطقة كلها ، فمصر تشكل الثقل السياسي والإجتماعي والقومي العربي ، وعودتها قائدة سيكون له أبعاد كثيرة على التحول التاريخي الجاري في منطقة الشرق الأوسط . لهذا فإن عملية الغربلة مهمة ، حتى يبقى القمح ، ويزول الزوان الذي قد يؤدي هلاك ما تبقى من الجسم السليم .
د. فوزي الأسمر
كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن.
المصدر : أوكرانيا بالعربية