أوكرانيا بالعربية | صفعة روحاني المؤدبة لاوباما ولا عزاء للزعماء العرب... بقلم عبد الباري عطوان

اللافت ان الرئيس الايراني، سواء كان متطرفا مثل احمدي نجاد او معتدلا مثل روحاني، بات قادرا على خطف الاضواء من معظم نظرائه في العالم، ان لم يكن كلهم، بما في ذلك نظيره الامريكي باراك اوباما، ليس لانه يرتدي عمامه، ويطلق العنان للحيثه، وانما لانه يمثل دولة قالت وتقول “لا” كبيرة للولايات المتحدة الامريكية، ولا تخشى مطلقا اساطيلها وطائراتها وتهديداتها العلنية والمبطنة.

كييف/أوكرانيا بالعربية/اللافت ان الرئيس الايراني، سواء كان متطرفا مثل احمدي نجاد او معتدلا مثل روحاني، بات قادرا على خطف الاضواء من معظم نظرائه في العالم، ان لم يكن كلهم، بما في ذلك نظيره الامريكي باراك اوباما، ليس لانه يرتدي عمامه، ويطلق العنان للحيثه، وانما لانه يمثل دولة قالت وتقول “لا” كبيرة للولايات المتحدة الامريكية، ولا تخشى مطلقا اساطيلها وطائراتها وتهديداتها العلنية والمبطنة.

في الماضي القريب، كان لدينا زعماء عرب الهوية يرتقون الى هذه المرتبة مثل جمال عبد الناصر الذي امم قناة السويس، وهواري بوميدين الذي ساند حركات التحرر العربي والافريقي بعد ان لعب دورا بارزا وزملاؤه في طرد الاستعمار الفرنسي، والملك فيصل بن عبد العزيز الذي كان على رأس حركة حظر النفط العربي الى جانب الشيخ زايد بن سلطان عام 1973.

ولا ننسى الرئيس الراحل ياسر عرفات بكوفيته ومسدسه وهمه الفلسطيني العربي والعراقي صدام حسين الذي وقف شامخا امام المقصلة وانتقل الى المقاومة بعد احتلال بلاده رافضا الاستسلام.

نجم الدورة الحالية للجميعة العامة للامم المتحدة التي بدأت لتوها كان الرئيس حسن روحاني، الذي طاردته الكاميرات، وتهافت للقائه طابور من المسؤولين، وانتظر خطابه الجميع ابتداء من الرئيس اوباما وانتهاء بالوفد الاسرائيلي الذي انسحب من القاعة احتجاجا.

وهو الخطاب الذي عكف الخبراء الغربيين والاسرائيليين على تحليل كلماته وقراءة ما بين سطورها وفوقها، لبلورة استراتيجية تحرك سياسي ودبلوماسي وفق ما يتم استخلاصه من معان ونتائج.

الانتظار لم يقتصر على الخطاب، وانما ايضا لمصافحة تاريخية قيل انها ممكنة بين الرئيس الايراني ونظيره الامريكي، والابتسامة التي قد ترتسم، بشكل مصطنع، على وجهي الرجلين، ولكن الانتظار الثاني سيطول ربما لاشهر او اعوام لان الدهاء الايراني اراد ذلك بكبرياء عندما ادار ظهره لها.

مسؤول رفيع في البيت الابيض اعلن مساء الثلاثاء انه “عرض على المسؤولين الايرانيين عقد محادثات بين الرئيس اوباما ونظيره الايراني روحاني، غير ان الايرانيين اعتذروا قائلين بان تعقيدات الوضع الراهن تحول دون تنظيم اللقاء”.

ماذا يعني هذا التصريح؟ انه يعني، وبكل بساطة، ان الرئيس الايراني الذي يمثل بلدا محاصرا لا يريد اعطاء الشرف للرئيس الامريكي بمصافحته، تمسكا بهيبة بلده وكرامتها، واحتجاجا على سياساتها وحروبها الدموية في منطقة الشرق الاوسط.

 الرئيس الايراني التقى نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند لاكثر من اربعين دقيقية، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف التقى جميع نظرائه الاوروبيين في اطار حملة دبلوماسية ذكية تنطلق من القوة والثقة بالنفس وليس الاستجداء والضعف، وعقدة الخوف من الرجل الابيض.

ماذا عن الزعماء العرب الذين هرولوا الى الجميعة العامة للامم المتحدة وحدانا وزرافات، وتتصدر صورهم نشرات الاخبار في تلفزيونات بلادهم وصحفها مع تقارير تؤكد انهم صالوا وجالوا في الامم المتحدة وحققوا انتصارات سياسية ودبلوماسية كبيرة لبلادهم والامة؟

لا نبالغ اذا قلنا ان حصادهم السياسي والدبلوماسي كان اقرب الى الصفر المكعب، فحتى لقاء او مصافحة عابرة في كورودور الامم المتحدة وممراتها كانا بعيدي المنال بالنسبة الى اغلبهم بغض النظر عن حجم صادراتهم من النفط والغاز، او ارصدتهم المالية وضخامة صناديقهم الاستثمارية السيادية التي تقدر بعضها بالف مليار دولار.

الاسرائيليون كانوا الاكثر غضبا ورعبا من هذا النجاح الدبلوماسي الايراني الذي يعني ان امريكا باتت زاهدة في استخدام القوة لتدمير البرامج النووية الايرانية مثلما يتمنون ويحرضون، ووصف مكتب بنيامين نتنياهو خطاب الرئيس روحاني بأنه “خبيث” و”مراوغ” والسبب انه سحب منهم ورقة “المحرقة” الني طالما استغلوها، في زمن الرئيس السابق نجاد، لحشد الرأي العام العالمي لشيطنة ايران تمهيدا لضربها.

الرئيس روحاني قال في خطابه “ان اي جريمة ضد الانسانية، ومن بينها المحرقة، تستحق الاستنكار والتنديد”.

واكد في الوقت نفسه ان جرائم النازيين ضد مجموعة معينة من اليهود لا تبرر ما تفعله هذه المجموعة من سلب لاراضي اخرى، واكد ان الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية هو “ابارتهايد” او تمييز عنصري وانتهاك لحقوق الانسان والمواثيق الدولية.

نختلف مع الاراء التي تقول ان الرئيس اوباما كان ضعيفا عندما رفع الراية البيضاء لروحاني عندما اعطى الدبلوماسية فرصة للتعاطي مع ملف بلاده النووي، واصدر تعلمياته لوزير خارجيته جون كيري لفتح حوار مع نظيره الايراني، بل كان، اي اوباما، في قمة الحكمة والتبصر، فقد ادرك مبكرا ان امريكا لم تعد القوة الاعظم الوحيدة في العالم وشرطيه، مثلما ادرك ان اي حل عسكري للملف النووي الايراني استجابة لقارعي طبول الحرب الاسرائيليين سيكون مكلفا جدا لبلاده وله شخصيا فقد انتخب لولاية ثانية من اجل اطفاء نيران الحروب التي تورطت فيها بلاده لا لاشعال اخرى جديدة.

منظرنا كعرب في الجمعية العامة كان مخجلا، مثلما هو حالنا في الدورات السابقة، لا دور لنا، ولا احترام ولا قضية، اصبحنا كغثاء السيل، وتحولنا الى كم مهمل، وموضع تندر واحتقار الشعوب الاخرى.

ايران تكسب لانها دولة مؤسسات تتربع على قوة عسكرية هائلة، وتقيم علاقات استراتيجية مع القوى الناشئة المضادة لامريكا واستعمارها، وزعماؤها يعيشون حياة متواضعة مثل شعوبهم في غالب الاحيان، ولهذا حليفها السوري لم تعد ايامه معدودوة، مثلما قال اوباما وايهود باراك، بلا ايام خصومه العرب، اما حليفها الآخر في جنوب لبنان فشكل ويشكل قوة ردع لاسرائيل، والاعلام المحسوب عليها يتقدم بينما الاعلام المضاد يتراجع بطريقة متسارعة.

العرب يحاربون ايران بالكلام وكتائب الفيسبوك وجيوش التويتر لنصرتهم، وينفقون مئات المليارت لشراء صفقات الاسلحة، ثم يكتشفون في نهاية المطاف انهم ضحية المساومات الايرانية الامريكية التي تتم في الغالب على حسابهم وارضهم وسيادتهم.

الغزل الامريكي الايراني الذي سيترجم قريبا الى حوار قد يتمخض عن صفقة استراتيجية بين البلدين تعترف بايران قوة عظمى في المنطقة، وتقاسم النفوذ والمصالح بين البلدين، والضحية هم العرب، وعرب الخليج على وجه الخصوص للاسف الذين سيجدون انفسهم مضطرين للهرولة الى طهران، فطالما ان الحليف الامريكي تحلى بالواقعية ورفض الحرب مفضلا الحوار فماذا ينتظرون؟


عبد الباري عطوان

رئيس تحرير القدس العربي سابقا

رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية

محلل سياسي وكاتب عربي


مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
النفط يرتفع بعد هجمات أوكرانية على البنية التحتية النفطية الروسية
أوكرانيا إستهدفت خط أنابيب دروجبا النفطي في منطقة تامبوف بوسط روسيا
سياسة
إنتاج كازاخستان النفطي يتراجع 6 % بسبب تضرر خط أنابيب بحر قزوين
المسيرات الأوكرانية تلعب دور كبير في الإقتصاد الروسي، بسبب تجوالها بشكل يومي في العمق الروسي
سياسة
تركيا تستدعي سفير أوكرانيا والقائم بالأعمال الروسي بشأن الهجمات في البحر الأسود
النفط الروسي سيكون هدف للقوات المسلحة الأوكرانية أينما كان
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
خبراء غربيون يحددون الشرط الوحيد لإنهاء الحرب في أوكرانيا
يقول هيربست إن التنازلات التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية للكرملين من أجل تأمين اتفاق سلام لا تؤدي إلا إلى دفع بوتين إلى مزيد من الحرب
آراء ومقالات
خبير كندي: روسيا تختبر عمداً الخطوط الحمراء لحلف شمال الأطلسي
الخبير الكندي: موسكو تتحدى الحلف باختراق الأجواء البولندية لقياس رد فعله وتتحدى ضبط النفس لدى الحلف
آراء ومقالات
بوليتيكو: البيت الأبيض يدرس إمكانية عقد محادثات سلام بين زيلينسكي وبوتين في بودابست
يخطط البيت الأبيض لعقد اجتماع ثلاثي محتمل بين رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وأوكرانيا في بودابست. ويستعد جهاز الخدمة السرية الأمريكي للقمة، مع أن مكانها النهائي قد يتغير
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.