أوكرانيا بالعربية | قـــرارات فــوق صــفـيـح ســـاخــن... بقلم حسن زايد
كييف/أوكرانيا بالعربية/فوجئت بإحدي زميلاتي في العمل غاضبة أشد الغضب من قرار رفع أسعار غاز المنازل ، لأن أسعاره ستلتهم ما زاد في مرتبها مصاحباً لقرار الحد الأدني للأجور ، وحاولت تهدئة روعها بأن ذلك في صالح البلد التي تتحمل المليارات لتغطية تكلفة الدعم . فقالت في أسي : أين الأغنياء الذين يأكلون الدعم أضعافاً مضاعفة من هذه التكلفة ؟ . فقلت لها أنهم قد قسموا الإستهلاك إلي شرائح ، وكلما زاد معدل الإستهلاك ، كلما انتقلت من شريحة إلي شريحة في الأسعار ، أي أن هناك علاقة طردية بين معدل الإستهلاك والسعر ، وبالتالي فإن الأغنياء سيتحملون العبء الأكبر . فقالت : أين الدعم هنا ؟ .
فمعدلات الإستهلاك واحدة علي الجميع زادت أو نقصت ، وأن تقسيم معدلات الإستهلاك إلي شرائح سعرية لا علاقة له بالدعم من قريب أو بعيد . بل إن رفع الأسعار قد يؤدي بالضرورة إلي الحد من القوة الشرائية المتوفرة لمحدودي الدخل ، بل قد تؤدي إلي تعجيزه ، في حين أن الأغنياء يملكون ترف الإختيار بين زيادة معدل الإستهلاك أو إنقاصه . فهل يعقل أن يقال بعد ذلك أن الدولة تراعي محدودي الدخل ، وأنها حريصة علي وصول الدعم إلي مستحقيه ؟ . فقلت لها : هناك وجه آخر قد غاب عنك . أن هذا الإجراء قد يحدث أحد أثرين . الأول : أن يستهلك الأغنياء بمعدلات الإستهلاك المعتادة ، وبالتالي سيتحملون الشرائح العليا من الأسعار ، بما يزيد من حصيلة واردات بيع الغاز التي تدخل الخزينة العامة للدولة .
الثاني : أن يقلل الأغنياء من معدلات الإستهلاك تجنباً للتكلفة الأعلي ، وهذا يحقق وفورات في الكميات المستهلكة من الغاز يمكن توجيهها الوجهة التي تخدم مجال آخر من مجالات الإقتصاد القومي . قلت هذا وأنا أتصور أني أجبت الإجابة التي ستطفيء نار غضبها . فإذا بها تلقي في وجهي بسؤال محرج للغاية : تُري الحكومة ستتعامل مع اسرائيل والأردن بنفس الأسعار لنفس السلعة ؟ . فقلت لها لا أدري ، ولكن أتصور أنه يصعب عليها فعل ذلك ، لأن الإتفاقيات الموقعة بين مصر وهاتين الدولتين هي اتفاقيات دولية يصعب تجاوزها ، لأن تجاوزها يخضع مصر للتحكيم الدولي ، وأعتقد أن تكلفة التحكيم تفوق تكلفة إتمام الإتفاقيات إلي نهايتها . وهذا بالضرورة يدفع بأي حكومة رشيدة وفقاً للمعيار الإقتصادي أن تستوفي الإتفاقية إلي نهايتها . ومن هنا فإن السؤال لا محل له ، والقياس علي الدول قياس فاسد .
فهزت رأسها هزة غير المقتنع . والواقع أن إجاباتي كانت إجابات من وقع علي رأسه حجر رفع الأسعار ، ومع ذلك يحاول إيجاد مخرج للحكومة . وعندما توجهت إلي البيت ، وفتحت جرائد اليوم ، فوجئت بتصريحات المصادر المطلعة ، التي ألقت بكرة اللهب في وجهي ، باعتزام الحكومة تطبيق قرار رئيس الوزراء برفع أسعار الغاز والكهرباء علي فواتير الإستهلاك . وقبل أن أفيق عاجلتني تصريحات مصدر مسئول هذه المرة ، ولكن من وزارة البترول ، بزيادة سعر البنزين ، حيث يتم رفع البنزين 80 من 85 قرشاً إلي 185 قرشاً مع رفع كفاءته إلي 85 ، ومبرر الزيادة يدعو إلي العجب ، حيث ذهب المصدر إلي القول بأن زيادة سعر بنزين 92 وحده سيؤدي حتماً إلي خلل كبير بزيادة الطلب علي بنزين 80 ، وربما تظهر سوق سوداء لبيعه . إذن الدافع لرفع بنزين 80 هو في الأساس اعتزام الحكومة رفع بنزين 92 من 185 قرشاً إلي 285 قرشاً . كلام مقنع في الحقيقة يدفعنا إلي التساؤل عن الدافع وراء رفع أسعار بنزين 92 أصلاً .
هل لأنه البنزين الذي يستخدمه الأغنياء ؟ . لا أدري . ومع أنني لا أنتمي لشريحة الأغنياء فإنني أُمون سيارتي ببنزين 92 لأن ابني وصف بنزين 80 عندما رغبت في الإستفادة من رخص سعره بأنه " مية طرشي " . ولا أدري ما قيمة الكارت الذكي فيما يتعلق بمسألة الدعم ؟ . زد علي ذلك تصريح نفس المصدر المسئول بأنه من بين المقترحات زيادة سعر السولار من 110 قرش إلي 200 قرش ، لماذا ؟ . لمحاولة تخفيف الضغط عليه من ناحية ، ولأنه يستحوذ علي 50% من مخصصات الدعم سنوياً من ناحية أخري . وعندما تحدثت مع زوجتي في هذا الأمر ،قالت لي : " انتظر اشتعال أسعار كل شيء ، لأن تكلفة النقل تضاف حتماً إلي سعر السلعة ، وأخطر أنواع السلع التي ستتعرض للفح لهيب الأسعار المواد الغذائية ، وعلي الأخص الخضروات ، فكل السلع يجري نقلها من مقر تصنيعها إلي تاجر الجملة ، ومن تاجر الجملة إلي تاجر التجزئة ، والنقل يتم بسيارات تستهلك البنزين والسولار ، فكيف سيكون الوضع ؟ " .
فقلت في نفسي هل تم اتخاذ التدابير اللازمة للسيطرة علي الوضع في حال حدوث انفلات مجتمعي نتيجة انفلات الأسعار في ظل مستوي الأجور المتدني الذي تعاني منه الطبقتين الوسطي والدنيا ، وعجز الحكومة عن هيكلة الأجور علي نحو عادل ؟ . وهل تفجير الدمامل في الجسد المصري سيغطي علي اشتعال الأسعار؟ . فالنشر عن قضايا اغتصاب الأطفال ، وفضيحة بلدية المحلة ، وفيلم حلاوة روح ، وترك الإخوان يعيثون في الأرض فساداً ، والإعلان عن جيش مصر الحر ،هي نفس أدوات مبارك لتمرير السياسات والقرارت الكارثية التي كان يرغب في تمريرها في ظل انشغال الشعب ولحظات غفلته .
فهل عاد ذات المنطق ليحكم منظومة العمل الحكومي ؟ . وهل من المناسب حالياً اتخاذ إجراءات جراحية لمعالجة الإختلالات الهيكلية للإقتصاد المصري ؟ وهل ستمر سياسة الصدمات دون آثار جانبية في الوقت الراهن ؟ . وإن كانت الدولة تملك القدرة علي انتهاج سياسة الصدمات والتدخل الجراحي لمعالجة الإختلالات ، فلما لا تفعل ذلك حيال الطبقة الكادحة ومشاكلها المزمنة ؟ . بالمناسبة ، نفي مصدر حكومي ما صرح به المصدر المسئول . علي نفس طريقة مبارك في بالونات الإختبار .
حسن زايد
كاتب عربي ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية