أوكرانيا بالعربية | مذيع "الجزيرة" احمد منصور واتهامات التعذيب ومطاردة الانتربول والامن المصري لاعتقاله... بقلم عبد الباري عطوان
كييف/أوكرانيا بالعربية/أن تتهم السلطات المصرية الزميل احمد منصور المذيع بقناة "الجزيرة" بطول اللسان، او الانتماء الى حركة "الاخوان المسلمين" او حتى تنظيم القاعدة و"جبهة النصرة"، او السب والقذف، فكل هذا يمكن توقعه، او حتى فبركته، ولكن ان توجه اليه اتهامات بالتعذيب وتطالب البوليس الدولي "الانتربول" باعتقاله وتسليمه، فهذا امر لا يقبله عقل ولا يستقيم مع اي منطق، حتى منطق شريعة الغاب.
السيد منصور يمارس التعذيب فعلا، وباشرس الادوات الحضارية، ولكن ضد "معظم" ضحاياه الذين يستضيفهم في برامجه، ويشويهم باسئلته المحرجة، ولذلك فان طلب النائب العام المصري من نظيره القطري، والشرطة الدولية (الانتربول) القبض عليه، للتحقيق معه، في اتهامات موجه اليه بتعذيب "محام" بوسط القاهرة خلال احداث ثورة 25 يناير عام 2011، امر مضحك، ويسخّف القضاء المصري واجراءاته، ويكشف عن طابع الثأرية والعقلية الانتقامية، لدى المجموعة التي تحكم مصر حاليا.
انتماء الزميل منصور للتيار الاسلامي، وربما لحركة "الاخوان المسلمين" ليس سرا، كما ان الرجل لم يخفيه مطلقا، رغيم لحيته "الخفيفة"، وجاهر بهذا الانتماء في مقالاته وبرامجه، ووقف خطيبا على منصة رابعة العدوية، ومنصات احتجاجية اخرى، وهاجم حكم العسكر بشراسة، وانتصر لشرعية الرئيس محمد مرسي وطالب، وما زال، بعودته الى قصر الرئاسة، وهذه هي جريمة الحقيقة في نظر حكام مصر الديمقراطيين الجدد التي يطاردونه من اجلها، ويقيمون "محاكم التفتيش" للتنكيل بمعتنقيها.
السلطات المصرية لا تطيق قناة "الجزيرة" وتتهمها بموالاة الاخوان المسلمين، وهي تهمة صحيحة في بعض جوانبها ولا تستطيع القناة التملص منها مهما تذاكت في ردودها، ولو استطاعت اي السلطات المصرية قصفها بصاروخ برأس نووي، اسوة بما فكر فيه الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش الابن في ذروة حرب العراق، لما ترددت عن ذلك مطلقا، ولكنها اكتفت باقتحام مكتبها في القاهرة ومحاولة حرقة، واوقفت بث قناتها المصرية المخصصة في الاساس لدعم حركة "الاخوان" في مواجهة خصومها من العسكر والليبراليين الدائرين في فلكهم.
بالامس اعتقلت قوات الامن 44 متظاهرا تجمعوا مع مئات آخرين امام مقر مجلس الشورى ضد هذا القانون المجحف، كما اصدرت نقابة الصحافيين، وهي ليست تابعة لحركة الاخوان بالمناسبة، ورئيسها ناصري علماني، اصدرت بيانا ادانت فيه بشدة "انتهاكات طالت اعضائها خلال تغطيتهم هذه المظاهرات، الى حد منعهم من العمل، والاعتداء عليهم وتحطيم كاميراتهم، علاوة على احتجاز عدد منهم في مكان الحدث، والتعدي عليهم بالضرب والسباب، واحتجاز صحافيات دون اي سند قانوني، وضربهن، ونقلهن بطرق غير قانونية في سيارات الترحيلات وتركهن في منتصف الليل في قلب الصحراء". انتهى نص البيان.
الغالبية العظمى من الذين تظاهروا ضد قانون منع التظاهر، ممن يطلقون على انفسهم التيار الثالث، اي من غير الاسلاميين، مثل شباب حركة السادس من ابريل "والاشتراكيين الثوريين" و"جبهة طريق الثورة" و"حزب مصر القوية" وغيرها، وقد تعاطف مع هؤلاء عشرة من اعضاء لجنة وضع الدستور (50 عضوا) تجميد عضويتهم فيها احتجاجا على القانون نفسه علاوة على اعتراضهم عن فقرات اخرى تقر انتهاكات حقوق الانسان، وتضع العسكر فوق اي مساءلة نيابية او دستورية.
المسألة ليست اعتقال السيد منصور وزملائه، وانما مسألة "تغيير ديمقراطي" انجزه الشعب المصري بدماء ضحاياه وارواحهم من خلال ثورة شعبية سلمية كانت وما زالت، الاعظم في تاريخه ضد حكم استبدادي مجرم، ثورة تتآكل بسرعة، ويحل مكانها حكم يريد اعادة عقارب الساعة الى الوراء، الى زمن الفساد وتغول الامن السياسي والاحكام العسكرية، والعقلية الثأرية الانتقامية، وهذا من الصعب ان يقبله الشعب المصري او اي شعب آخر.
عبد الباري عطوان
رئيس تحرير القدس العربي سابقا
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي