أوكرانيا بالعربية | مـصـر بـــين قـــــوتـين... بقلم حسن زايد

18.02.2014 - 02:00 #حسن زايد
تمخضت الحرب العالمية الثانية ، بعد أن وضعت أوزارها ، عن نتيجتين غيرتا خريطة العالم في النصف الثاني من القرن العشرين ، هما : تراجع وانحسار وأفول وسقوط دول وامبراطوريات كانت تتسيد العالم لقرون،وعلي رأسها المملكة المتحدةـ انجلتراـ الإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس . وبزوغ وتصاعد قوي أخري لتحل محلها ، وعلي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، والإتحاد السوفيتي قطبي العالم فيما بعد . وقد سعت كل من القوتين إلي استقطاب مناطق نفوذ لكل منها بطول خريطة العالم وعرضها ، إلي أن وصل التنافس فيما بينهما علي الفضاء الخارجي .

كييف/أوكرانيا بالعربية/تمخضت الحرب العالمية الثانية ، بعد أن وضعت أوزارها ، عن نتيجتين غيرتا خريطة العالم في النصف الثاني من القرن العشرين ، هما : تراجع وانحسار وأفول وسقوط دول وامبراطوريات كانت تتسيد العالم لقرون،وعلي رأسها المملكة المتحدةـ انجلتراـ الإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس . وبزوغ وتصاعد قوي أخري لتحل محلها ، وعلي رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، والإتحاد السوفيتي قطبي العالم فيما بعد . وقد سعت كل من القوتين إلي استقطاب مناطق نفوذ لكل منها بطول خريطة العالم وعرضها ، إلي أن وصل التنافس فيما بينهما علي الفضاء الخارجي .

وقد تواكب مع ذلك بزوغ فجر ثورة 23 يوليو 1952 م . وقد كان من بين الأهداف الستة لهذه الثورة بناء جيش وطني قوي . وبناء الجيش يستلزم بالضرورة توفير السلاح اللازم له ، فتوجهت مصر إلي الولايات المتحدة طلباً للسلاح ، إلا أن أمريكا امتنعت عن بيع السلاح لمصر بشروط عبد الناصر . فولي الزعيم الشاب وجهه شطر الشرق معلناً تعاقده علي صفقة أسلحة مع الكتلة الشرقية ، فأثار النبأ قلقاً عميقاً واضطراباً شديداً بواشنطون ، إلي حد عدم التصديق رغم توقع المخابرات المركزية لإتمامها ، وقد أرسل دالاس وزير الخارجية جورج ألن مساعده لشئون الشرق الأدني برسالة تحذير لناصر من أن هذه الصفقة قد تسلم مصر للشيوعيين ، وقد طيرت وكالات الأنباء الأمريكية أنه يحمل إنذاراً لعبد الناصر . وقد روي عبد الناصر تفاصيل تلك الزيارة في خطابه الذي أعلن فيه تأميمه لقناة السويس يوم 26 يوليه 1956م ، قال ناصر : " ... وبعد إعلان صفقة الأسلحة أرسلت واشنطون مندوباً إلي مصر هو مستر ألن ، ثم إتصل بي أحد الأمريكيين الرسميين وطلب مقابلة خاصة ، فقابلته . وقال لي : إنه متأسف جداً لما وصلت إليه الحالة بين أمريكا ومصر ، وإن مع "ألن" رسالة شديدة من حكومة أمريكا قد تمس القومية المصرية والعزة المصرية ، وإني أطمئنك بهذا الخصوص أنك ستستطيع أن تقضي علي أثر هذه الرسالة ، وأنا أنصحك أن تقبل هذه الرسالة " .. ومضي ناصر يقول : " وسألته : رسالة بها إهانة للقومية المصرية ... ما معني إهانة العزة المصرية والقومية المصرية ؟ . فقال : هذه رسالة من مستر دالاس .. رسالة شديدة اللهجة جداً ، ونحن متعجبون كيف أرسلت هذه الرسالة ، ونحن نطلب منك أن تكون هاديء الأعصاب ، وأنت طول حياتك هاديء الأعصاب ، وتتقبل هذه الرسالة بأعصاب هادئة . فقلت له : كيف أقبل رسالة بها جرح للعزة المصرية ؟ . فقال : لن تترتب علي هذه الرسالة أية نتائج عملية ، وأنا أضمن هذا لك ، وستجرح العزة المصرية في الرسالة وإنما في العمل  لن تجرح العزة المصرية . قلت له : اسمع .. إذا جاء إليّ مندوبكم في المكتب  سأطرده من المكتب " . وقد تمت المقابلة بين ناصر وجورج ألن ، ولم يطرده ناصر من مكتبه . وقد قال ألن لناصر أن الولايات المتحدة تعترف بحق مصر في شراء الأسلحة من أي مكان تختاره ، وأوضح أن رفض واشنطون بيع الأسلحة لمصر قد جاء نتيجة رفضها بيع طائرات نفاثة لإسرائيل  ، حرصاً علي ألا يشتد سباق التسلح في منطقة الشرق الأوسط  . فرد عليه ناصر قائلاً : " لقد رفضتم أن تبيعوا أسلحة لي ، فرأيت لزاماً علي أن أشتريها من حيث استطعت " . وطبعاً كانت خطيئة استراتيجية لواشنطون أن ترفض بيع الأسلحة لمصر لأن موسكو قد اهتبلت الفرصة التي انتظرتها طويلاً حتي تتجاوز حدودها المغلقة وصولاً إلي المياه الدافئة .

وبينما كانت العلاقات بين مصر/ناصر وواشنطون تتدهور بسرعة كانت الأسلحة السوفيتية تتدفق إلي مصر . وبينا كانت واشنطون تعتقد خطأً أنها تعاقب ناصر بسحب عرضها لتمويل بناء السد العالي ، رد ناصر بتأميم شركة قناة السويس ، وأسرع السوفيت إلي الإضطلاع بمهمة تمويل بناء السد العالي . فجاء الرد علي تأميم القناة بالعدوان الثلاثي علي مصر، وبينما اكتفت واشنطون باستنكار الغزو مع نفي علمها به علي غير الحقيقة ، أسرعت موسكو إلي التهديد بإمطار لندن وباريس بوابل من الصواريخ ، فتوقف العدوان وانسحبت القوات المهاجمة مرغمة . ودخلت مصر مرحلة النهضة الشاملة بمساعدة الكتلة الشرقية بما في ذلك النهضة الصناعية . إلا أن الغرب كما وقف بالمرصاد أمام طموحات محمد علي في بناء مصر الحديثة ، وقيدته باتفاقية لندن سنة 1948م ، فإنه وقف ضد مشروع عبدالناصر وطموحاته المحلية والإقليمية ، فكانت هزيمة يونية 1967م التي قوضت أركان أحلام ناصر وجعلته ينكفيء علي هدف تحرير الأرض . إلي حد أن أحدهم قد ذهب إلي القول أن ناصر لم يمت في سبتمبر 1970 م ، وإنما مات في يونيه 1967 م . وقد سنحت الفرصة للأمريكان مرة أخري بعد أن طرد الرئيس السادات الخبراء الروس عام 1972م ، وانتصار مصر في اكتوبر 1973 م . بعدها أعلن السادات أن 99% من أوراق اللعبة في الشرق الأوسط في يد أمريكا . ويممت مصر وجهها شطر أمريكا والغرب ، حتي ارتمت في أحضان واشنطون بالكلية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك ، حتي وصل الأمر إلي أن بعض القرارات المصرية كانت تتخذ في واشنطون .

وبعد ثلاثة عقود تفجرت ينابيع الثورة المصرية في يناير 2011م حتي أصبحت طوفاناً جرف في طريقه كل مظاهر الفساد الي خلفها هذا النظام . وقد اختطفت الثورة من قبل الإخوان بمساندة فاعلة من أمريكا ، إيماناً من الأخيرة بأن الجماعات الإسلامية وفي القلب منها جماعة الإخوان هي خير ضمان لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الكبير . فلما قام الشعب بثورته في يونيه فإذا به من حيث لا يقصد يطيح بالمخطط الأمريكي ، ويطيح بأحلام تركيا ، وقطر ، واسرائيل ، وغيرها . ومن هنا جاءت مواقف هذه الدول مضافاً إليها موقف الإتحاد الأوروبي من الثورة المصرية . وإذا بأمريكا تتخذ نفس الموقف الخاطيء الذي قد يصل إلي حد الخطيئة الإستراتيجية من ثورة يونيه . فأعلنت وقف مناورات النجم الساطع ، ووقف المساعدات الأمريكية بما يعني عدم توريد الأسلحة اللازمة لمصر ، فضلا عن الصيانة وقطع الغيار ، أي ضرب مكمن القوة الضاربة للشعب المصري متمثلة في قواته المسلحة ، لدفع مصر إلي الركوع والإستجداء وتقديم فروض الطاعة والولاء وإعادة حلفائهم من الإخوان إلي سدة الحكم كرة أخري لاستكمال مخطط تقسيم مصر وتفتيتها . وهنا برزت روسيا من جديد لتمد يدها لحليفها القديم مصر ، فاعترفت بثورة يونية ، وأبدت استعدادها الكامل لمد يد التعاون إلي مصر . وقد ارسلت وزير خارجيتها ووزير دفاعها في زيارة إلي مصر لبحث أوجه التعاون والتنسيق بين البلدين . ومؤخراً جري عقد صفقة أسلحة مع روسيا تعيد إلي الأذهان العلاقات الدافئة بين مصر والاتحاد السوفيتي . ونردد مع ناصر : " لقد رفضتم أن تبيعوا أسلحة لي ، فرأيت لزاماً علي أن أشتريها من حيث استطعت " . وقد تكون المساعدات الروسية أحد العوامل الفاصلة في الإفلات من القبضة الأمريكية ، وكسر الطوق الأمريكي حول مصر حتي تتحلل مصر من الأغلال التي تقيدها وتحول بينها وبين الإنطلاق ، وتحول دون استكمال مخطط إفشال الدولة وتقسيمها . خاصة وأن التحول المصري إلي التعاون الوثيق مع روسيا والصين والهند باعتبارها قوي صاعدة في عالم اليوم مع الإستمرار في علاقة متكافئة مع أمريكا سيضمن لمصر عدم الوقوع في أسر علاقة أحادية خانقة في ظل عالم متعدد الأقطاب . وسيعيد مصر إلي مكانتها الإقليمية والدولية من جديد .


حسن زايد

كاتب عربي ومدير عام


المصدر: أوكرانيا بالعربية


مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
ليتوانيا تقدم مساعدات عسكرية جديدة إلى أوكرانيا
سياسة
بيربوك: أوكرانيا تحتاج إلى أسلحة بعيدة المدى للدفاع عن خاركيف
رياضة
زيلينسكي: أوكرانيا فعلت كل ما يلزم للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.