أوكرانيا بالعربية | مـهــنـــة ضـــد الـرصـــاص... بقلم حسن زايد

16.04.2014 - 03:00 #مصر, #حسن زايد
في السابق كان يقال عن مهنة الصحافة أنها مهنة المتاعب . ومن كان يقول ذلك من شيوخ المهنة كان يقصد المتاعب العادية التي يلاقيها الصحفي في سبيل القيام بعمله . ونحن في حلّ من ذكر هذه المتاعب لأنها ليست خافية علي أحد . فما يقع من أحداث علي الأرض تجري متابعته من خلال آلة التصوير التي يستخدمها الصحفي ، ومن خلال عينيه يرصد البعد الإنساني الذي لا ترصده آلة التصوير . وهو بذلك يمثل المصدر الذي من خلاله نطل جميعاً علي العالم . فمن خلال الصحفي نري الصورة ونقرأ الخبر ونتعرف علي وجهات النظر في كل مناحي الحياة . فلو تصورنا ـ جدلاً ـ إضراب جميع الصحفيين في جميع أنحاء العالم عن العمل ، فلم تصدر جرائد ولا مجلات لا ورقية ولا الكترونية ، وتوقفت النشرات الإخبارية المتلفزة عن

كييف/أوكرانيا بالعربية/في السابق كان يقال عن مهنة الصحافة أنها مهنة المتاعب . ومن كان يقول ذلك من شيوخ المهنة كان يقصد المتاعب العادية التي يلاقيها الصحفي في سبيل القيام بعمله . ونحن في حلّ من ذكر هذه المتاعب لأنها ليست خافية علي أحد . فما يقع من أحداث علي الأرض تجري متابعته من خلال آلة التصوير التي يستخدمها الصحفي ، ومن خلال عينيه يرصد البعد الإنساني الذي لا ترصده آلة التصوير . 

وهو بذلك يمثل المصدر الذي من خلاله نطل جميعاً علي العالم . فمن خلال الصحفي نري الصورة ونقرأ الخبر ونتعرف علي وجهات النظر في كل مناحي الحياة . فلو تصورنا ـ جدلاً ـ إضراب جميع الصحفيين في جميع أنحاء العالم عن العمل ، فلم تصدر جرائد ولا مجلات لا ورقية ولا الكترونية ، وتوقفت النشرات الإخبارية المتلفزة عن الصدور ، فهل يمكن تصور شكل العالم علي هذا النحو ؟ . وهل يمكن تصور وجود علاقة من نوع ما بين الإنسان والعالم خارجه ؟ . أعتقد أنه يصعب في العصر الراهن تصور الحياة دون وجود تلك العلاقة الحية بين الإنسان وعالمه علي نحو فاعل عن طريق مهنة المتاعب . ومن يمتهن الكلمة يدرك أنها كماء البحر ، لا تروي ظمأً ولا تطفيء أواراً لعطش ، بل إنها تؤتي أثراً عكسياً ، كلما شربت منها كلما شعرت بمزيد من العطش ، الذي يدفعك إلي مزيد من الشرب . ومن هنا ستجد من فرسان الكلمة من يتجشم في سبيل آداء رسالته العناء ، لأن في ذلك محاولة لتحقيق الإرتواء الذي لا يتحقق . 

بل قد يصل الأمر إلي دفع الحياة ثمناً من أجل الواجب الذي حملوه علي عواتقهم . وقد كانت أخطر المتاعب التي يمكن أن يتعرض لها صحفي منذ أن عرف العالم الصحافة هي القتل . ولم يكن ذلك يحدث إلا مع المراسل الحربي علي جبهات القتال ، وغالباً ما كان يصاب الصحفي أو يقتل قدراً نتيجة تبادل إطلاق النار بين القوي المتحاربة . وفي الغالب يكون الصحفي في مأمن  إذا ما تبين لأحد جانبي التقاتل أنه صحفي من خلال شارة يرتديها علي صدره ، أو صديري يحمل إشارة الصحفي  من الأمام ومن الخلف معاً . ويرجع ذلك إلي أن طرفي النزاع كان مشغولاً بنقل الحقيقة إلي العالم ، ومحكوماً بمجموعة من المعايير والقيم الأخلاقية قبل أن يفقد العالم أخلاقه من قبل ، ويفتقدها اليوم . ليس معني ذلك أن الصحفي لم يكن مستهدفاً بالقتل علي هويته الصحفية ، لا . فقد جاءت فترات علي العالم فقد فيها عقله ورشده ، وعمد إلي فقأ عينه . فعلي مدي فترات الإحتلال الصهيوني لفلسطين سجل التاريخ اغتيالات لصحفيين عرب وأجانب . وإبان الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق عمدت قوات الإحتلال إلي تصفية الصحفيين ، وفي فترات الحروب الأهلية كذلك سواء في لبنان أو العراق كانت تحدث تصفية جسدية للصحفيين . وقد تعرض بعض الصحفيين والكتاب المصريين في فترة التسعينيات للإغتيال ، ومحاولات الإغتيال ، من جانب الجماعات الإرهابية التي حملت السلاح في مواجهة الدولة . 

ومنذ اندلاع ثورة يناير في مصر ، مروراً بثورة يونيه ، تعرض الصحفيين للإمتهان علي أيدي أعضاء جماعة الإخوان ، سواء أكان هذا في صورة تهديدات أو في صورة احتجاز ، أو احتجاز مصحوباً بإهانات وتعذيب وترهيب ، أو في صورة إصابات مباشرة في مناطق مُعجَزة ، أو في صورة قتل مباشر . وقد كان من أشهر الصحفيين الذين اغتيلوا مرتين ، الصحفي الحسيني أبو ضيف ، الذي جري اغتياله حياً  بإطلاق الرصاص علي رأسه ، وجري إغتياله ميتاً بزعم انتماءه للجماعة . وقد كان آخر الصحفيين الذين جري اغتيالهم مرتين كذلك ، الصحفية الشابة ميادة أشرف فقد جري اغتيالها قنصاً من جانب الجماعة ، ثم زعمت الجماعة أنها صحفية تنتمي للجماعة ، وقد افتضح أمر الجماعة في الحالتين . واليوم جري إطلاق الرصاص الحي علي اثنين من الصحفيين الشبان في مظاهرات طلاب الإرهابية في جامعة القاهرة ، وقد اختلفت الروايات حول من أطلق الرصاص ، وإن كان هناك شهود عيان يرجحون إن إطلاق هذه الرصاصات قد جاء من جانب قوات الداخلية ، الذي يعد إطلاق الرصاص من جانبها محسوباً عليها ويصب في صالح الجماعة الإرهابية  . وإن كان كل ذلك سابقاً علي تحقيقات النيابة . 

ما يشغلني في هذا الإطار هو الإجراءات الواجب اتخاذها من جانب الدولة ، ومن جانب النقابة ، ومن جانب رجال الأعمال المالكين للصحف التي يعمل بها هؤلاء الصحفيين لحمايتهم ضد مخاطر المهنة ، لأنه يستحيل القول بالإستغناء عن العمل الصحفي في تغطية الأحداث الراهنة ولو مؤقتاً ، خاصة في ظل إمتلاك الجماعة الإرهابية لجهاز اعلامي جبار لا يكل عن العمل ساعة واحدة من ليل أو نهار ، والدولة في حاجة ماسة إلي من يجابه هذا السيل العرم من الأكاذيب المتدفقة بالحقائق التي ينقلها الصحفيون من مواقع الأحداث . فليس من العسير علي رجال الأعمال توفير التمويل اللازم لشراء الأدوات اللازمة للوقاية من الرصاص من سترات ضد الرصاص وخوذ ونظارات خاصة لحماية منطقة الوجه . وليس من العسير علي الشرطة أو الجيش التعاقد علي هذه الأدوات . ويتعين علي النقابة قيد هؤلاء الصحفيين لديها حتي يتسني التأمين عليهم ضد مخاطر المهنة المحتملة . صحيح أن الكلمات لا يغتالها الرصاص ، وإنما يغتال قائلها . والمهنة لا يقتلها الرصاص وإنما يقتلها الإهمال . وقد آن الأوان أن يتم تقديم من يغتال الكلمة والحق في المعرفة والحق في التعبير عن الرأي إلي محاكمة عادلة ناجزة .


حسن زايد

كاتب عربي ومدير عام

المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
ليتوانيا تقدم مساعدات عسكرية جديدة إلى أوكرانيا
سياسة
بيربوك: أوكرانيا تحتاج إلى أسلحة بعيدة المدى للدفاع عن خاركيف
رياضة
زيلينسكي: أوكرانيا فعلت كل ما يلزم للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.