أوكرانيا بالعربية | إنتخابات عادية في وقت غير عادي ... بقلم د. فوزي الأسمر

كانت الإنتخابات الأخيرة التي جرت في إسرائيل ( 22 كانون الثاني/يناير 2013 ) إنتخابات عادية ، ولكن الوقت الذي جرت فيه لم يكن وقتا عاديا إذا ما أخذنا بعين الإعتبار ، التوتر القائم في منطقة الشرق الأوسط ، وذلك القائم بين بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي ، باراك أوباما ، وعلى ضوء فوز أوباما بولاية ثانية ، والتي عمل نتنياهو كل ما في وسعه كي لا يفوز، مجندا شخصيات يهودية ثرية لها تأثيرها ، من أجل تحقيق هذا الهدف .

كييف/أوكرانيا بالعربية/كانت الإنتخابات الأخيرة التي جرت في إسرائيل ( 22 كانون الثاني/يناير 2013 ) إنتخابات عادية ، ولكن الوقت الذي جرت فيه لم يكن وقتا عاديا إذا ما أخذنا بعين الإعتبار ، التوتر القائم في منطقة الشرق الأوسط ، وذلك القائم بين بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي ، باراك أوباما ، وعلى ضوء فوز أوباما بولاية ثانية ، والتي عمل نتنياهو كل ما في وسعه كي لا يفوز، مجندا شخصيات يهودية ثرية لها تأثيرها ، من أجل تحقيق هذا الهدف .


وغرور نتنياهو دفعه للتفكير أن حزبه "الليكود" سيحصل على أغلبية ساحقة ، خصوصا بعد أن إتحد مع حزب " إسرائيل بيتنا " الذي يتزعمه شريكه الأيدولوجي ،أفيغدور ليبرمان . وفي هذه الحالة يستطيع أن يستمر في تحديه للرئيس الأمريكي باراك أوباما ، مع دعم من جانب أصدقاء إسرائيل في الكونغرس الأمريكي ، وفي وسائل الإعلام الأمريكية . 
ولكن الأمور لم تسر بهذا الإتجاه . فبدلا من فوز نتياهو / ليبرمان بأغلبية ساحقة ، خسر هذا الحزب إحدى عشر مقعدا في الكنيست ، مما جعل نتنياهو بحاجة إلى مزيد من الأحزاب للإئتلاف الحكومي الذي يريد أن يقيمه ، وهذا معناه تقديم المزيد من التنازلات لهذه الأحزاب ، الشيء الذي يقيد يديه ، ويمنعه من اتخاذ خطوات عشوائية .


وعندما اعتبرنا هذه الإنتخابات ، إنتخابات عادية لا جديد فيها ، كانت إشارة إلى مواقف الأحزاب الصهيونية من الصراع الفلسطيني ـــ الإسرائيلي ، ومن مواقف إسرائيل بما يدور من تطورات في العالم العربي ،الذي يمر بمرحلة إنتقالية صعبة ، تحاول إسرائيل التدخل فيها بشكل مباشر وبشكل غير مباشر . 
وفي أكثر من مقال ومحاضرة ، قلنا أن جميع الأحزاب الإسرائيلية ، متفقة بالنسبة للمشكلة الفلسطينية ، والقصد هنا الأحزاب اليمينية وأحزاب الوسط والأحزب اليسارية، كلها أحزاب صهيونية متفقة على تنفيذ الأبعاد الصهيونية ، وإن أختلفت لغة التخاطب بين فئة وأخرى .
فمثلا حتى عام 1977 ، أي عندما وصل اليمين الصهيوني إلى سدة الحكم في إسرائيل، كان اليسار الصهيوني هو الذي بادر في الحروب التي وقعت في المنطقة ، بما فيه حرب عام 1967، وكانت الحكومات اليسارية الصهيونية هي التي قامت بضم القدس الشرقية واعتبارالقدس " الموحدة " عاصمة إسرائيل الأبدية . ونفس هذه الحكومات هي التي قامت بمصادرة الأراضي في الضفة الغربية ، وهي التي بدأت عمليات بناء المستعمرات اليهودية ، وسرقة المياه العربية ، وعمليات هدم المنازل وتكسير العظام وتهجير السكان . ووجدت هذه الأحزاب دعما من الأحزاب الأخرى اليمينية والوسط .


وهناك معارضة كاملة بين جميع الأحزاب في ما يتعلق بالنسبة لحق العودة للاجئين الفلسطينيين ، وموافقة بالنسبة لضم القدس ، ومصادرة الأراضي في داخل إسرائيل وفي الضفة الغربية ، ومتفقون على أنه يجب تهويد كل الأراضي التي يمكن تهويدها بما في ذلك منطقة الجليل . كل هذه الأمور وغيرها ، موجودة ولا خلاف عليها بين الأحزاب الصهيونية والمباشر الأول في تنفيذها كانت الحكومات الصهيونية اليسارية العمالية ، ولم تواجه أية معارضة من أحزاب المعارضة اليمينية .


وقبل كل إنتخابات إسرائيلية ، يدور نقاش داخل المجتمع العربي من فلسطيني 1948 . فالفلسطينيون واعون لمواقف الأحزب الصهيونية وتطلعاتها ، ويعرفون أن هذه الأحزاب لن تقبل الوصول إلى حل ، يقوض التطرف الموجود، ومع ذلك يشاركون في الإنتخابات بهدف إيصال اصواتهم وعرض مشاكلهم المترسبة بشكل مستمر وهو من أضعف الأيمان.
وفي هذه الإنتخابات كان واضحا أن الأصوات العربية قد تلعب دورا مهما ، لإسقاط حكومة التطرف الموجودة في الحكم .ولكن ، وتمشيا مع السيناريو الذي عرضناه ، ظهر ما يؤكد صحة السيناريو . فلكي يقوم ما يسمى بالتحالف المانع ، والذي يضم اليسار الصهيوني وأحزاب الوسط كان لا بدّ وأن يصل القائمون عليه إلى إتفاق مع الأحزاب العربية ، بتأييد الإئتلاف الحكومي دون مشاركتها الفعلية له ، كما سبق وفعل إسحاق رابين عندما أقام حكومته التي جاءت في أعقاب حكومة إسحاق شامير ، والتي دفع حياته ثمنا لها ، لأسباب عنصرية .


وقد عبر عن ذلك موشه نغبي ( المحلل القانوني للإذاعة الإسرائيلية ) في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" ( 27 كانون الثاني/يناير 2013 ) حيث كتب يقول :
" كان واضحا منذ البداية ، أن محاولة إقامة تحالف يساري / وسط ، والذي يمكن أن تكون له قوة حقيقية لتغيير حكومة بنيامين نتنياهو ، سيفشل ، ليس فقط بسبب عدد أعضاء الكنيست غير الكافي لإقامته ، بل بسبب العنصرية المتطورة في هذا التجمع .... ومن هذا المنطلق لا يوجد فرق بين التجمع اليميني وتجمع اليسار والوسط فكليهما عنصريان لأنهما ترفضان التعاون السياسي مع الأحزاب التي تمثل المواطنين العرب (الفلسطينيين) في الدولة " . 


وكان كاتب المقال يشير إلى الموقف الذي إتخذه " النجم الصاعد " يائير لبيد ، والذي فاز حزبه ( يش عتيد ــ هناك مستقبل ) بتسعة عشر مقعدا ليضعه ثاني أكبر الأحزاب الإسرائيلية ، حيث أعلن في اليوم الثاني للإنتخابات أنه لن يشارك في أي تجمع تشارك فيه عضوة الكنيست , حنين زعبي ــ ز ، مضيفا الزين الثانية إشارة إلى الجمع ، أي جميع الأحزاب العربية . 


والواقع أن شخصا واحدا من القادة الإسرائيليين أنتقد هذا الموقف وهي زهافى غيلؤن ، رئيسة حزب " ميرتس" ، اما الباقون فقد أطبق الصمت عليهم، وكلنا يعرف أن الصمت في هذه الحالة معناه الرضى والموافقة . وبهذا ، كما تقول صحيفة " هآرتس " في إفتتـــاحيــتـها ( 25 كانون الثاني/يناير 2013 ) بدأ لبيد حياته السياسية برجله اليسرى .


والمراقبون عن كثب للتطورات في إسرائيل أجمعوا في أكثر من مرة على أن إسرائيل غير قادرة على الوصول إلى سلام مع جيرانها، متخذين من تصرفاتها مع الفلسطينيين، ونتيجة السلام الذي أبرم بين أنور السادات ومناحيم بغين ، والسلام القائم مع الأردن ، ليس سلاما حقيقيا بل عبارة عن هدنة طويلة الأمد . السبب في ذلك هو أن شعبي مصر والأردن يرفضان تطوير العلاقات وتطبيعها معتبرين أن إسرائيل دولة عدوة .
واعتقد الكثيرون أنه في أعقاب قبول فلسطين عضوة غير كاملة في الأمم المتحدة ، سيتغير الوضع ، ولكن تصرفات نتنياهو الإنتقامية من الفلسطينيين، وتحديه واستفزازه للرئيس الأمريكي باراك أوباما ،والتجاهل المتعمد للرأي العام العالمي ، قضت على هذه الفكرة . وكان الأمل أن تفوز في الإنتخابات الأخيرة قوى أكثر ليونة من الحكومة الحالية ، ولكن هذا لم يحدث ، فحتى فوز لبيد برهن على أن الأحزاب الصهيونية متجانسة في مواقفها بالنسبة للحل والسلام.

 ولهذا لم يكن غريبا أن لا يتلقى نتنياهو أية تهنئة بفوز حزبه في الإنتخابات ، وحتى تهنئة الرئيس أوباما جاءت بعد ستة أيام من هذا الفوز ، وهذا يدل على إستياء المجتمع الدولي من نتنياهو ومن نتائج الإنتخابات



د. فوزي الأسمر

كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في واشنطن.



المصدر : أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
دبلوماسية
تعزيز العلاقات الأوكرانية السعودية: تسليم أوراق اعتماد السفير الجديد
تعزيز الحوار بين أوكرانيا والمملكة العربية السعودية
سياسة
عملية إنقاذ أوكرانية ناجحة: عودة 31 مواطنًا إلى وطنهم بعد إجلائهم من سوريا
تحت إشراف زيلينسكي: أوكرانيا تنفذ عملية إنقاذ من سوريا
سياسة
كاللاس: الدعاية الروسية تهدد الديمقراطية العالمية
روسيا تستخدم المعلومات المضللة لتبرير عدوانها على أوكرانيا
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
التشيك تعترف بترحيل شعب تتار القرم باعتباره عملاً من أعمال الإبادة الجماعية
آراء ومقالات
مركز موارد تتار القرم يطلق حملة في الشبكات الاجتماعية بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان
آراء ومقالات
القمع في شبه جزيرة القرم المحتلة: وحشية بلا حدود
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.