أوكرانيا بالعربية | هويدي .. و .. آخر الشامخين... بقلم حسن زايد
كييف/أوكرانيا بالعربية/يبدو لي أن الأوصاف والنعوت التي يطلقها الإخوان علي بعضهم البعض تصدر من معين واحد ، أو تنضح من إناء واحد. إناء الإستعلاء والكبر والغطرسة ، وكأنهم المصطفين الأخيار ، إذ غالباً ما يلجأون في وصف لأنفسهم إلي صيغة أفعل التفضيل . وأفعل التفضيل هو إسم التفضيل، وهو الصفة التي تدل على مشاركة صاحبها لغيره، في اصل الفعل ، وزيادة صاحبها على غيره فيه .
والأستاذ فهمي هويدي في معرض دفاعه عن حركة قضاة من أجل مصر استخدم هذه الصيغة حين قال في مقال له تحت عنوان : "آخر الشامخين" بجريدة الشروق التي أصبحت تجمع كل الشامخين من الكتاب المصريين: "أتحدث عن قرار قاضى التحقيق المنتدب من استئناف القاهرة باستدعاء مجموعة من أشرف وأنظف القضاة الوطنيين، الذين اتهموا بأنهم «قضاة من أجل مصر»" وهو بذلك يستبق التحقيقات ونتائجها ويقفز فوقها مصادراً لحق قانوني في الإستدعاء ، متناسياً أن المصريين أمام القانون سواء . كما أن استخدام لفظي "أشرف وأنظف" أمر لا يليق لأنه يشي بالحط من قدر الآخرين حال مقارنتهم بـ: " قضاة من أجل مصر " .
ثم يستدعي من الذاكرة وقائع تاريخية لقضاة كانوا يدافعون عن حرية الوطن والمواطن واستقلال القضاء، وهذا حق لا ينكره أحد ، ثم يذهب في استخلاصاته إلي القول بأن هناك أحد عشر قاضياً ممن يمثلون الإمتداد الطبيعي لشيوخ القضاة الشوامخ ـ لهم مني كل الإحترام ـ قد تم استدعائهم للتحقيق . وكأن الإستدعاء للتحقيق نقيصة أو سُبّة ، أو أن تاريخ المرء في خدمة الوطن يمثل حصانة له تعفيه من المساءلة ، فلو أن الأمر كذلك لجري إعفاء مبارك وهو رئيس الجمهورية من المحاكمة استناداً إلي تاريخه المشرف في حرب اكتوبر المجيدة . وبلد حوكم فيه رئيس جمهورية ـ وهو المنصب الأرفع فيها ـ لا يصح فيه أن يستنكف أي أحد آخر عن المثول للتحقيق أمام جهاته المختصة . وهو الإجراء الأرفع والأسمي لتبرئة الساحة من الشبهات إذا حلت بها .
أما استياء السيد هويدي فمرجعه إلي الأسلوب ـ الذي لم يستطع افتراض البراءة فيه ـ غير اللائق الذي عولج به الموضوع سواء من حيث النشر أو أسلوب الإستدعاء . فمن حيث النشر فقد عرضت الصحف تقريريا صحفياً أوردت فيه : " كان مستشار التحقيق قد تلقى معلومات موثقة تفيد بأن المستشارين المذكورين اشتركوا فى تأسيس جماعة على خلاف القانون تسمى قضاه من أجل مصر. التى قامت بإذاعة البيانات المتعلقة بإعلان نتيجة جولة الإعادة فى انتخابات رئاسة الجمهورية، وإعلان نتيجتها من جانبهم قبل إعلانها رسميا من لجنة الانتخابات الرئاسية المشرفة على اجراء الانتخابات، وذلك تأييدا من جانبهم لذات النتيجة التى أعلنها حزب الحرية والعدالة بفوز مرشحهم عن الانتخابات محمد مرسى " .
دعك من حق المعرفة وتداول المعلومات المقرر للمواطن المصري فهو أمر مقدور عليه . ولكن ماذا نفعل في الرسالة التي وصلت لهذا المواطن من جراء هذه الأفعال ؟ . كيف لنا أن نصحح له المفاهيم المغلوطة التي ترتبت علي مثل هذه التصرفات ؟ . ليس ذلك هو مبرر النشر في الصحف علي ما أظن ولكن من سعي إلي تسريب الأمر للصحف هم القضاة أنفسهم ، مما اضطر قاضي التحقيق إلي كشف الحقيقة أمام الرأي العام في ظل حالة التحدي التي أبداها بعضهم في مواجهة سلطة التحقيق . ومن هنا فلا محل لما قاله الاستاذ هويدي حيث قال : "ان التحقيق معهم إذا كان ضروريا فإن الاعراف المتبعة تقضى باجرائه بصورة سرية وفى جلسات مغلقة الأمر الذى جعل المسارعة إلى النشر فيه تصنف باعتبارها تشهيرا متجاوزا لحدود اللياقة، إلى جانب ذلك فإن احدا من الشخصيات التى تلقت الاستدعاء لم يعرف إذا كان التحقيق معه باعتباره شاهدا أو متهما، فضلا عن ان الاستدعاء المرسل لم يحدد ما هى القضية التى سوف يسأل فيها " .
ثم يذهب الأستاذ هويدي مذهباً غريباً إذ يقول : "من المفارقات المدهشة انه لا يوجد كيان او تجمع باسم قضاة من أجل مصر" ثم ينقلب علي نفسه في الجملة التالية بقوله : "وأن المصطلح اطلقته وسائل الإعلام على اللجنة التى شكلها نادى القضاة اثناء انتخابات عام 2005 لمتابعة وحماية القضاة الذين يشرفون على الانتخابات، بعدما تعرض أحدهم للاعتداء عليه من جانب ضابط شرطة فى الاسكندرية. وتلك شهادة المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس نادى القضاه السابق، وهو احد الذين تم استدعاؤهم للتحقيق معهم " . وهذا يعني وجود تجمع وسمِّهِ بعد ذلك ما شئت . وفي معرض دفاعه عن الشامخين ، نسي أن الشامخين درجات ، والكل ينضوي تحت لواء القضاء الشامخ ، وأنه لا يستقيم هدم الكل دفاعاً عن البعض . واندفع إلي القول بأن استدعاء أعضاء الحركة للتحقيق يمثل مذبحة جديدة للقضاء ، وأن المسألة لا تتعدي كونها عملية تصفية حسابات داخل المحيط القضائي لأنه من الأساس لا توجد قضية . وأنها حملة لتجريح رؤوس القضاء تحسباً لدورهم في الإستحقاقات الإنتخابية المقبلة . وإقحام القضاء طرفاً في تصفية الحسابت السياسية . إذن هذا هو الهدف الأسمي للسيد / هويدي .. الوصول إلي تلك النتيجة ، ضرب مؤسسة القضاء وتشويه صورتها قبل الإستحقاقات الإنتخابية المقبلة حتي يسهل الترويج فيما بعد لما سيذهب إليه الإخوان من وصم تلك الإستحقاقات بالتزوير . وهو يقصد إلي ذلك ويتعمده . ولو كان الأستاذ / هويدي يقصد إلي غير ذلك لذهب إلي ذكر الحقيقة علي نحو مباشر كما وردت علي ألسنة القضاة المحالين للتحقيق ، وعلي رأسهم المستشار مكي الذي أدلي بتصريحات في معرض دفاعه عن الحركة لقناة العربية مؤداها : "جميعهم من الصالحين الذين أتمنى أن أحشر معهم يوم القيامة" . وأن المستشار وليد شرابي ـ رئيس الحركة شوهد وهو يدخل مكتب الإرشاد ، وشوهد أعضائها علي منصة رابعة العدوية . وأن الحركة قد أعلنت نتيجة الإنتخابات الرئاسية قبل موعدها بـ 48 ساعة ، وأن الرئيس المعزول قد عزل النائب العام بالمخالفة للقانون ،وعين المستشار طلعت عبد الله مكانه ، وأن قاضي التحقيق قد رفع الحصانة عن قضاة الحركة بعد أن أثبتت التحريات ضلوعهم في تزوير الإنتخابات الرئاسية لصالح مرسي . كما أننا لم نر تلك الحماسة في الدفاع عن القضاة والقضاء أيام الهجوم الضاري عليهم في مجلس الشعب المنحل ، وإقتحام الإخوان لقاعات المحاكم فضلاً عن محاصرة المحكمة الدستورية العليا . أم أن الدفاع فقط لا يكون إلا عن الشامخين دون غيرهم . والدفاع ليس لمجرد الدفاع فقط ، وإنما دفاع عنهم وتشويه لغيرهم ممن سيشاركون في الإستحقاقت الإنتخابية المقبلة ." فرح جنب طهور " كما يقول المثل.إنه السم في العسل يا سيد/ هويدي .
حسن زايد
كاتب عربي ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية