أوكرانيا بالعربية | حمــدين ما قـبـل الســـقوط... بقلم حسن زايد

ليس هناك ما يدعو إلي الإستغراب والدهشة من موقف حمدين صباحي بشأن تصريحاته حول محاكمة المشير السيسي حال فوزه في الإنتخابات الرئاسية القادمة . غير أنه قد ارتقي بها مرتقاً صعباً هذه المرة، لا لأن المشير السيسي فوق رأسه ريشة تمنحه مسوغاً للتصرف دون محاسبة أو مساءلة ، فليس هناك أحد فوق المساءلة سوي المجنون ، وإنما لأن السيد حمدين صباحي مجرد مرشح للرئاسة من ناحية ، ولأنه حتي لو أصبح رئيساً فإنه لا يملك إصدار قراراً جمهورياً بمحاكمة أحد من ناحية أخري ، لأن هذا الحق هو اختصاص أصيل للنيابة العامة ، ومبدأ الفصل بين السلطات يحول دون السيد حمدين وبين ما صرح به ، وإلا عُد تصرفه تغولاً علي السلطة القضائية ، وانتقاصاً من استقلالها . والقول بمحاكمة المشير السيسي ، تصريحاً أو تلميحاً ، يلقي بظلال من المسئولية علي عاتقه ، عن جرائم لم

كييف/أوكرانيا بالعربية/ليس هناك ما يدعو إلي الإستغراب والدهشة من موقف حمدين صباحي بشأن تصريحاته حول محاكمة المشير السيسي حال فوزه في الإنتخابات الرئاسية القادمة . غير أنه قد ارتقي بها مرتقاً صعباً هذه المرة، لا لأن المشير السيسي فوق رأسه ريشة تمنحه مسوغاً للتصرف دون محاسبة أو مساءلة ، فليس هناك أحد فوق المساءلة سوي المجنون  ، وإنما لأن السيد حمدين صباحي مجرد مرشح للرئاسة من ناحية ، ولأنه حتي لو أصبح رئيساً فإنه لا يملك إصدار قراراً جمهورياً بمحاكمة أحد من ناحية أخري ، لأن هذا الحق هو اختصاص أصيل للنيابة العامة ، ومبدأ الفصل بين السلطات يحول دون السيد حمدين وبين ما صرح به ، وإلا عُد تصرفه تغولاً علي السلطة القضائية ، وانتقاصاً من استقلالها . والقول بمحاكمة المشير السيسي ، تصريحاً أو تلميحاً ، يلقي بظلال من المسئولية علي عاتقه ، عن جرائم لم يرتكبها ، ولم يشارك في ارتكابها ، ولم يحرض عليها ، لا باعتباره عضواً بالمجلس العسكري ، ولا باعتباره وزيراً للدفاع . وليس هذا من قبيل الدفاع عن المشير السيسي ، ولا من باب الذود عنه ، وإنما من باب استبيان المواقف ، وتحسس مواضع الأقدام . فأيام كان عضواً بالمجلس العسكري ، كان عضواً بصفته مديراً للمخابرات الحربية . صحيح أن المجلس يعد مسئولاً عن  تصرفاته مسئولية تضامنية ، إلا أن الجريمة تبقي شخصية كذلك وبنفس القدر . ليس معني ذلك إعفاء المجلس العسكري، من مسؤليته عما جري في عهده ، إن ثبت بحكم قضائي نهائي بات مسئوليته عن ذلك . ولكن معناه أن يدور الكلام في فلك التعميم إن كان للكلام ضرورة ، وأن يبقي في إطار التصرف القضائي ولا يتعداه إلي غيره . فما بالنا لو كان السيد صباحي يعلم كشأننا جميعاً ، وكما أُعلن في حينه ، أنه كان هناك طرفاً ثالثاً في المعادلة ، يمثل الطرف الفاعل في القضية ، هذا الطرف الثالث كان يتغيب عن مظاهرات الإخوان ، ومن عُرفوا اصطلاحاً بالتيار الإسلامي ، بينما كان ينشط في غيرها علي نحو لافت ودموي . ولا ريب أن محكمة الإسماعيلية في حكمها الذي أصدره المستشار الشجاع خالد المحجوب قد كشف جانباً من هذا الشق الغامض في المعادلة . . وما مذبحة رفح ، ومذبحة بورسعيد الأولي والثانية ، إلا دلالة واضحة علي أسلوب من أساليب الضغط الذي كان يمارسه طرف ما علي المجلس العسكري في حينه حتي يسلم السلطة . ولعل أحداث قصر الإتحادية ، وأحداث مكتب الإرشاد ، إبان عهد مرسي ، قد أزاحت الستار قليلاً ، عما كان يجري في الخفاء وراء الكواليس ، في الأيام الخوالي .  

ولن نأخذ علي السيد حمدين وحزبه أنه قبل المشاركة في اللعبة رغم أنها مغموسة بدماء الشهداء ، سواء بالمشاركة في التحالف مع الإخوان لمجلس الشعب ، أو مشاركته في الإنتخابات الرئاسية . أما إذا كان كلام صباحي يتمحور حول الفترة ما بعد 30 يونية ، فإن السيسي خلال هذه الفترة لم يكن سوي مجرد وزيراً للدفاع من الناحية القانونية . وما قلناه بشأن وجوده في المجلس العسكري ، يصح أن يقال هنا كذلك . زد علي ذلك أن الدماء التي سالت في رابعة والنهضة ، بعد أن ثبت من خلال تقرير لجنة حقوق الإنسان ، أنها قد سالت في خروج فج علي السلطة الفعلية ، وأن هذا الإعتصام لم يكن سلمياً ،  وإنما مسلحاً  ، بل إنه كان نتوءاً صديدياً متقيحاً ، يستهدف خلق إمارة في قلب العاصمة ، تنازع السلطة القائمة شرعيتها ، حتي يتسني للخارج التدخل في الشأن الداخلي المصري . وأي سلطة عاقلة كان لابد لها من فتح هذه البؤرة ، وتصفيتها تمهيداً لتنظيفها ، فهل تتكافأ هنا الدماء ؟ . القدم السكرية علاجها بترها ، فهل نقتص ممن بترها بدعوي تكافؤ الدماء ؟ . حين نتحدث عن الدماء ، والعدالة الإنتقالية ، لا يصح أن نكافيء بين دمين ، دم سفك في سبيل الواجب والحق وحفظ كيان الدولة والمجتمع ، ودم قاطع طريق يروع المارة ويهدد السلم والأمن وكيان الدولة والمجتمع . ولا ندري كيف سيتصرف السيد صباحي لو جرت مقايضته علي تسليم شرعيته لشرعية مزعومة أسقطها الشعب وإلا تعرض هو والشعب لمخاطر الإرهاب وسفك الدماء ؟ . هل سيسكت حقناً للدماء ، ويسلم البلاد والعباد لعصابة تغتصب إرادته ، وتستلب عقله ، وتسوقه سوق الإبل في الفلاة ؟ . فأي محاكمة تلك التي يتحث عنها السيد صباحي ؟ . 

وأي دماء تلك التي  ينتصر لها ، والإنتصار لإحداها يعني الإهدار للأخري . وبالقطع فإن السيد حمدين قد أفصح عن الدماء التي ينحاز لها بالضرورة ، بإفصاحه عن محاكمته للمشير السيسي . فهو يتحدث وعينه علي الإخوان ، بدليل أنه لا يعارض المظاهرات مطلقاً ، بينما الدولة قد أقرت قانون لتنظيم التظاهرات ، سواء قبلناه أو اعترصنا عليه ، فهو قانون واجب النفاذ ، والطعن علي دستوريته مكفول . ولا يحل للسيد حمدين بصفته الحالية الإعتراض عليه ، والدعوة إلي عصيانه . كما أنه لا يعترض علي إشارة رابعة التي تعني فيما تعني أن ثورة يونيه تمثل انقلاباً علي شرعية الإخوان المزعومة ، بالإضافة إلي قبوله مشاركة الإخوان في الحياة السياسية ، بما يتصادم مع موقف ثورة يونية من الجماعة ، وموقف الدولة منها باعتبارها جماعة إرهابية . ولا أدري كيف يزعم أنه مرشح الثورة مع مواقفه المتناقضة مع ثورة يونيه . ولا كيف يزعم أنه ممثل الثورة في انتخابات الرياسة لمجرد التفاف شرذمة من الشباب حوله ، بينما منافسه تلتف حوله الملايين ابتداءً بمجرد دعوتهم للنزول وتفويضه في محاربة الإرهاب والعنف المحتمل ، ودعوة هذه الملايين له بالترشح للرياسة . وقد كان من اللافت أن السيد حمدين في البداية كانت تصريحاته إيجابية حيال المرشح المنافس ، احتراماً له ، أو تهيباً من شعبيته . ثم بدأ يطلق أفراد حملته كي يناوشوا المشير، ويشاغبوا عليه . وقد كان هذا في اطار المقبول والممكن ، حتي في ظل ما التزمه المشير وحملته من صمت حيال ذلك . إلي أن تفاجأنا به يزعم أن الإخوان سينحازون للسيسي ، وهو كلام لا ينطلي علي أحد ، لأن الجميع يدرك ما يكنه الإخوان للسيسي ، من بغض وكراهية وصلت إلي حد التخطيط لإغتياله . 

وما وجد صباحي من تخريج لتصريحه ، سوي الزعم أنهم سيفعلون ذلك ، لترسيخ مفهوم بأن ما حدث كان انقلاباً . ولا ريب أنه تخريج مضحك لو جري أخذه بحسن النية ، أما الخبثاء فيذهبون إلي اعتباره بالونة إختبار لإمكانية حشر الإخوان في جملة مفيدة ، تمهيداً لأمر ما . وسرعان ما تكشف هذا الأمر في تصريحاته الأخيرة ، وهي تصريحات تضعه في الجانب الآخر من ثورة يونية ، وما جري خلالها ، وبعدها ، من أحداث . والواقع أنني لم أكن أنتوي تناول تصريحاته بشأن محاكمته للمشير السيسي حال فوزه بالرئاسة ، لأنني إعتبرت ذلك يجري في إطار الحملات الإنتخابية ، التي يشوبها ما يشوبها ، دون أن ينتقص ذلك من قدر أي من المرشحين أو قيمته ، لا للإعتبار الشخصي وحسب ، وإنما لاعتبار أن أحد المرشحين لابد وحتماً أن يكون رئيساً للجمهورية . 

وبغض النظر عن اتفاقي أو إختلافي مع أي من المرشحين إلا أنني سعدت بترشحهما ، حتي لا تجري اول انتخابات رئاسية بعد ثورة يونية مجري الإستفتاءات ، لأن من شأن ذلك الإنتقاص من قيمة هذه الثورة ، والإنتحاء بها ناحية التأسيس لديكتاتورية وليدة ، وإن كانت بنت شرعية لها . وكنت أضع يدي علي قلبي من سلسلة الإنسحابات التي وقعت من معظم من أعلن عن ترشحه لهذه العلة . وقد ملأت نفسي الرغبة في استمرار حمدين في السباق ، حفاظاً علي الظل الديمقراطي ، وتأسيساً له ، في أول استحقاق انتخابي رئاسي بعد ثورة يونية ، وفي ظل الشعبية الجارفة التي كان يتمتع بها المشير السيسي ، والتي نادته بحتمية الترشح ، باعتباره رجل المرحلة ، الذي يحوز شبه التوافق الوطني ، ولديه القدرة ، والخبرة الإدارية ، وملامح القيادة ، التي تعبر بمصر تلك الحفرة التي تعثرت بها . وكان لابد لحمدين بقدر من الشجاعة ، التي تدفعه لركوب جواد هذه المخاطرة  ، وعبور الحاجز النفسي ، الذي صنعته رغبة الجماهير . وبغض النظر عن الموقف الذي اتخذته قلة من النخبة الإعلامية والسياسية من ترشح السيسي ، وقد كان موقفاً سلبياً ، مستنداً لدي البعض علي تفضيل بقاءه وزيراً للدفاع ، ولدي البعض الآخر من منطلق عدم الرغبة في عودة العسكريين إلي سدة الحكم ، ولدي بعض ثالث لأسباب متعلقة بتوجهاته الأيديولوجية ، وانتماءاته السياسية ، والأجندة التي يعمل وفقاً لها . إلا أن ذلك كله لا يحول دون رغبة الجماهير ، ولا يقف حائلاً دون ممارسة السيسي لحقه الدستوري امتثالاً لإرادة الشعب في معظمه ، وما دفعني للكتابه سوي انحياز حمدين البين للإخوان علي نحو يمثل خطورة داهمة علي المجتمع المصري ، حال العودة بهم إلي المشهد ، مع فرضية فوزه بالانتخابات . 

وهنا يحق لنا التساؤل : ما المقصود من استباق الأحداث ، واستباق المحاكمات علي نحو ما فعل السيد صباحي ولو علي سبيل التعريض ؟ . هل هي المتاجرة الرخيصة بالدماء من أجل مكاسب انتخابية محتملة ؟ . أم أنها مغازلة للإخوان وتوابعهم ، ودغدغة لمشاعر شباب الثورة من أجل ذات الهدف ؟ . أم كل ذلك جميعاً  ؟ .


حسن زايد

كاتب عربي ومدير عام

المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
كاميرون: سلاح الجو الملكي لن يساعد أوكرانيا مثلما ساعد إسرائيل
سياسة
ليتفينينكو: نهدف إلى إجبار بوتين على التوقف عن مهاجمة أوكرانيا
سياسة
وزير خارجية أوكرانيا: يجب أن يصبح البحر الأسود بحر الناتو والسلام والاستقرار
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.