أوكرانيا بالعربية | هل يستطيع حلف الأطلسي الاضطلاع بمهمته في مواجهة روسيا؟.... بقلم جوناثان ماركوس
"كييف/أوكرانيا بالعربية/دعونا نكون واضحين منذ البداية. فالحرب الباردة لن تعود، وروسيا بكل قوتها العسكرية ومواقفها ليست الاتحاد السوفييتي. ولن يعيد هذا المعركة الأيديولوجية التي قسمت العالم معظم فترات القرن الماضي".
كان هذا باختصار رأي دبلوماسي بارز في حلف شمال الأطلسي "الناتو" تحدثت معه في الآونة الأخيرة.
ولكن شيئا ما قد تغير في أعقاب ضم روسيا شبه جزيرة القرم واستمرار تهديداتها العسكرية في شرق أوكرانيا.
فقد أنهت موسكو نمطا سلوكيا ميز الدبلوماسية في أوروبا منذ نهاية الحرب الباردة، وربما هو النمط الذي ساد في أوروبا الغربية منذ انهيار ألمانيا النازية.
ويكمن هذا النمط السلوكي في الفكرة القائمة على أن تسوية النزاعات تتم عن طريق الدبلوماسية وليس القوة، وأن المحرك الأساسي للسلطة والقوة هو الأداء الاقتصادي وليس القوة العسكرية.
والأسوأ من ذلك أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أشار في خطابه أمام الكرملين قبل عشرة أيام إلى أن الأمر قد لا يتوقف عند هذا الحد. قد يقول المتحدثون الرسميون الروس إنه ليس لديهم رغبة في نقل قوات إلى أوكرانيا، لكن انتشارهم يظهر عكس ذلك – وهذا هو بالضبط ما يعتزمون القيام به.
إلى أي مدى سيذهب بوتين؟
كان خطاب بوتين هاما لأسباب ليس أقلها أنه كان يعني ما يقوله. ويعبر الفرنسيون عن ذلك بمصطلح "الثأر بعد الهزيمة"؛ مثل ما شهدته فرنسا على يد بروسيا عام 1870، وكذلك مثل ما يرى كثير من الروس - وبالتأكيد اولئك المقربون من بوتين - أن روسيا عانت منه على يد الغرب مع انهيار الاتحاد السوفييتي.
وأشار بوتين إلى أن روسيا عائدة وأنها تعتزم فرض نفسها في فنائها الخلفي. وبالنسبة للكثيرين في روسيا، فإن أوكرانيا هي الفناء الخلفي الأكبر.
ومن غير الواضح تماما إلى أي مدى سيذهب بوتين، ولكن التهديد واضح – إلى أوكرانيا، وإلى مولدوفا (حيث هناك إمكانية لسعي روسيا لإضفاء الطابع الرسمي على ضم منطقة ترانسنيستريا). ولكن ماذا بعد مولدوفا؟
هذا هو السبب في شعور دول مثل جمهوريات البلطيق الثلاث بالراحة للانضمام لحلف شمال الاطلسي منذ 10 سنوات. وهذا هو السبب في وضع الناتو أولوية لحماية وطمأنة أعضائه فجأة.
لا يمكن للحلف أن يعرف نوايا الكرملين، ولكن يمكنه فقط النظر في القدرات واستقراء الإشارات والإجراءات حتى الآن.
فما الذي يمكن لحلف شمال الاطلسي القيام به؟ الخطوة الأولى هي طمأنة حلفائه الذين يشعرون بعدم الارتياح في شمال أوروبا.
في المقام الأول، قد يكون هناك سلسلة من عمليات الانتشار العسكرية المحدودة، لتعزيز وجود الناتو في دول البلطيق وبولندا. وربما تمنح بعض المناورات العسكرية القصيرة في تلك الدول وجودا شبه دائم للناتو في المستقبل القريب، بشرط أن يقرر قادة التحالف ذلك.
وهناك أيضا مزيد من سبل الدعم لأوكرانيا. وليس منها ضم كييف إلى حظيرة الناتو، فالحكومة الأوكرانية الحالية تبدو غير راغبة في هذا الخيار.
وعلى الرغم من ذلك، فإن أوكرانيا شريك حقيقي للناتو، إذ ساهم الأخير في تحسين سيطرة المدنيين على مؤسسة أوكرانيا العسكرية والتخطيط الدفاعي وغيرها من أشكال المساعدة.
غير أن الناتو يكرر دوما أن سياسته في التوسع لن تتغير، إذ أشار مراقبون إلى أن تلك السياسة التي بدأها الحلف منذ نهاية الحرب الباردة دفعت - في بعض الأحيان - روسيا إلى تصرفها هذا في أوكرانيا، وشعور موسكو بأنها محاصرة.
من جهتهم، ينفي دبلوماسيون في الناتو ذلك بصورة قاطعة. وشدد الأمين العام للحلف، أندرس فوغ راسموسن، على أن سياسة التوسع في الناتو في صالح أوروبا والحلف نفسه والدول حديثة الانضمام.
وأكد راسموسن، في مقال نُشر الثلاثاء الماضي في صُحف 12 دولة انضمت إلى الحلف منذ انتهاء الحرب الباردة، أن عملية التوسع ستستمر، وأن قرار الدول التي تتصرف بشكل منفرد في تحديد تحالفاتها يرجع إليها وحدها.
ويحيي الناتو، في اجتماعه هذا الأسبوع، ذكرى مرور ثلاث مناسبات، وهي مرور 15 عاما على انضمام بولندا والمجر وجمهورية التشيك إلى الحلف، و10 سنوات على انضمام بلغاريا وإستوانيا ولاتفيا ولتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفانيا، و5 سنوات على انضمام ألبانيا وكرواتيا.
ويحتفل وزراء الدول الأعضاء بهذه المناسبات في مراسم محدودة، والتي لن تمر رمزيتها على موسكو مرور الكرام.
وعلى الرغم من ذلك، فإن وزراء الدول الأعضاء بحاجة إلى خطة مستقبلية للحلف. وهي كيف سيرد الحلف على التحدي الجديد الذي تشكله موسكو؟
وسيتم تدشين العمل على تحديد الخطوط العريضة التي سيناقشها الحلف في مؤتمره القادم في ويلز في سبتمبر/ أيلول القادم.
ومن شأن هذا إتاحة التوجيه والإرشاد لسلسة من الدراسات بشأن عدد من الموضوعات، مثل: كيف ستكون العلاقة المستقبيلة بين الناتو وروسيا؟ وهل حالة الفتور بينهما مؤقتة؟ أو كما قال لي أحد الدبلوماسيين في الحلف: "هل جميع المساعي التي تهدف لبناء شراكة مع موسكو معرضة للخطر؟"
ويتعين على الولايات المتحدة التأكيد على التزاماتها المستمرة تجاه أمن أوروبا من خلال طرق ملموسة. وقد يكون هناك حاجة إلى نهج مختلف في ممارساتها، بالإضافة إلى إعادة النظر في استخدام القوة.
وببساطة، لن يتم اللجوء إلى القوة كالعادة. لا لأن الحرب الباردة في طريقها للعودة. ولكن لأن الهدف الرئيسي للناتو، وهو الدفاع عن الأعضاء، أصبح أكثر أهمية مما كان عليه خلال الأسابيع القليلة الماضية.
جوناثان ماركوس
مراسل بي بي سي للشؤون الدبلوماسية
المصدر: بي بي سي