أوكرانيا بالعربية | فلاديمير بوتين.. من المخابرات إلى زعامة القوة العظمى ... بقلم هيام محي الدين
كييف/أوكرانيا بالعربية/كان انهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي في تسعينات القرن الماضي نذيراً بتحول العالم إلى كوكب تحكمه قوة عظمى منفردة هي الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد مارست أمريكا قرابة عقدين من الزمان هذا الدور بشكل أساء لعلاقاتها بالعالم كله فشنت الكثير من الحروب ؛ في أفغانستان والعراق ، والبلقان ؛ كما استخدمت أجهزتها المخابراتية وقدراتها الاقتصادية ، وحلفاءها الأوربيين الذين عاملتهم كدول تابعة في تكريس سلطانها وهيمنتها على العالم أجمع دون مراعاة لكرامة الدول أو حقوق الشعوب ، ووضعت خططا لإضعاف أي قوى عالمية أخرى ، يمكن أن تنافسها في المستقبل فحجمت التفوق الاقتصادي الياباني ؛ وحاربت بشراسة النجاح الصيني في زيادة نسبة النمو الاقتصادي والتجاري ، وحتى حلفائها في الاتحاد الأوربي مارست عليهم التجسس ، ووضعت الخطط لتأكيد تبعيتهم الاقتصادية والعسكرية والسياسية لها ؛ وبالنسبة لروسيا الاتحادية فقد نزعت الولايات المتحدة جمهوريات البلطيق " لتفيا واستونيا وليتوانيا " إلى جانب جمهورية فنلندا ذات الموقع المتميز على بحر البلطيق وألحقتهم بالاتحاد الأوربي محجمة بذلك السواحل الروسية على هذا البحر الذي يصلها بشمال غرب أوربا فكادت تتحول إلى دولة آسيوية ، ثم تحولت إلى جمهورية أوكرانيا في الجنوب الشرقي لتنتزع من روسيا حقول القمح الشاسعة والموقع البحري الباقي في المياه الدافئة على البحر الأسود والذي تعد القاعدة البحرية في شبه جزيرة القرم أكبر وأهم قواعد الأسطول الروسي ؛ وقد غامر الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة بمحاولة تقليم أظافر روسيا الاتحادية إلى درجة الإذلال معتمدة على حالة الانهيار التي أعقبت تفكك الاتحاد السوفيتي ، ولعلها لم تتابع الجهود الأسطورية التي قامت بها روسيا الاتحادية لتستعيد مكانتها كقوة عظمى ، كما أن غرور القوة جعلها تتجاهل ظهور شخصية تملك كل عناصر الزعامة الوطنية وخبرات تراكمت عبر سنوات مارست هذه الشخصية فيها أعمال المخابرات ودخلت دهاليز السياسة الدولية إلى جانب امتلاكها لكاريزما شعبية وشعور وطني عميق تلك هي شخصية فلاديمير بوتين رئيس جمهورية روسيا الاتحادية ؛ ورغم أن بوتين كشف عن شخصيته القوية داخليا بالحفاظ على سلطته وتوفيق وجوده في أعلى مراتبها مع نصوص الدستور وخارجيا في فترته الرئاسية الحالية حين وقف بحزم ضد ضربة عسكرية أمريكية لسوريا ؛ وتأكيد القوة الاقتصادية لروسيا بعقود الغاز مع الاتحاد الأوربي ؛ وارتفاع نسبة التجارة بين روسيا وأوربا خاصة ألمانيا ، فإن الغرب اندفع في المغامرة الأوكرانية ومحاولة ضم أوكرانيا إلى اتفاقات اقتصادية مع الاتحاد الأوربي تهدد بوضوح أمن روسيا القومي واستخدموا المال والدعاية الإعلامية لتمكين نظام حكم موال لهم ومعاد لروسيا في أوكرانيا.
ولم يكن من الممكن أن تقف روسيا مكتوفة الأيدي أمام هذه المحاولات وفي ظل زعيم حقيقي يتمتع بالشعبية والخبرة والجسارة ويملك من عناصر القوة العسكرية والاقتصادية ما يكفل له الصمود والانتصار ؛ وكانت شبه جزيرة القرم وهي مقاطعة روسية عبر التاريخ منذ عصر القيصرة كاترين ، ودارت فيها وعليها حروب متعددة بين روسيا والإمبراطورية العثمانية وتحالفات للدول الأوربية مرات عديدة تمسكت فيها روسيا بشبه الجزيرة وقاتلت فيها ومن أجلها ؛ وحين ضمت إداريا لجمهورية أوكرانيا في ظل الاتحاد السوفيتي عام 1954 لم يكن هذا الضم أكثر من نقل تبعية إقليم ما من محافظة إلى أخرى داخل الدولة الواحدة ؛ ومعظم أهل شبه الجزيرة من الروس المتكلمين باللغة الروسية وقد اشترطت روسيا منح شبه الجزيرة حكما ذاتيا ، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي ؛ ولذا أسرع برلمان شبه الجزيرة بالاستفتاء على الانضمام لروسيا عندما نجح الغرب في تمكين نظام موال له ومعاد لروسيا في أوكرانيا ؛ وتسارعت خطى بوتين في ضم شبه الجزيرة ؛ رغم الجنون المثير للسخرية الذي مارسته دول الغرب وتهديداتها المضحكة بفرض عقوبات على روسيا الاتحادية مثل تجميد أموال بعض الأفراد ومنع سفر بعض رموز النظام الروسي إلى دول الغرب أما تهديداتهم بالمقاطعة التجارية والاقتصادية فهي هراء سوف يضر بهم أكثر مما يضر بالروس ؛ فمن الصعب الاستغناء عن الغاز الروسي ؛ ولو حدث فستجد روسيا أسواقا له في الشرق " الصين والهند " والاكتفاء الذاتي الروسي من المواد الأساسية لا يضاهيه اكتفاء ذاتي في أية دولة أخرى ؛ كما أن استعادة روسيا لدورها كقوة عظمى مواجهة للولايات المتحدة سيجمع حولها عشرات الدول من العالم الثالث التي عانت طوال العقدين الماضيين من طغيان وغباء قطب واحد ؛ كل ذلك استطاع زعيم تاريخي أن يحققه بصورة غير مسبوقة في التاريخ فلم يحدث أن استطاعت قوة إمبراطورية سقطت أن تستعيد عظمتها وتأثيرها بهذه القوة وتلك السرعة ؛ ولكنها شخصية الزعيم التي تعطي آثارها في تجميع قوة وقدرات الشعوب والتي لا يمكن إنكار دور الفرد المتميز في صناعة تقدم الأمم وحشد قدرات الشعوب وغرس روح الانتماء الوطني ؛ مهما تشدق أنصار الماركسية بتجمع القوى العاملة " البروليتاريا " أو تباهي الليبراليون بقدرات الأحزاب والتجمعات الفكرية والسياسية فبدون الزعيم المتميز تتفكك قدرات الجماعات ؛ وينفرط عقد الشعوب ؛ وقد عاشت البشرية عبر تاريخها كله هذه الحقيقة ، فقد حققت فرنسا أعظم انتصاراتها بقيادة بونابرت ، ولولا زعامة تشرشل لهزمت بريطانيا أمام هتلر ؛ وحققت مصر أعظم تقدم لها في العصر الحديث تحت زعامة عبد الناصر ، ووضعت الهند أسس تقدمها بزعامة نهرو ؛ وسوف تعود روسيا قوة عظمى موازية إن لم تكن قوة أعظم تحت زعامة " بوتين ".
هيام فوزى محى الدين كاتبة و صحفية وإعلامية مصرية
رئيسة تحرير جريدة شبكة أخبار المشاهد المصرى الإلكترونية
المصدر: أوكرانيا بالعربية