أوكرانيا بالعربية | أزمــة الـعـقــل المـســلـم... بقلم حسن زايد

10.11.2014 - 20:58 #حسن زايد
أجدني حائرأ إزاء هذه القضية ، ولم أجد لها تفسيراً يريحني ، وهي قضية ما ألمَّ بنا كمسلمين في هذا العصر، ووصول الشطط ببعضنا إلي مداه . وصل الشطط إلي حد استحلال الدماء بشبهات عارضة لا تقوم إلا في ذهن أحدهم ، فيتصور أن القتل العشوائي للبشر في الشوارع هو الجهاد ، تصور خاطيء عن الجهاد يدفع بأصحابه إلي القتال في غير معركة . بل الأكثر من ذلك شططاً هو قيام أحدهم بتفجير نفسه بعبوة ناسفة ، وسط تجمع بشري، لإسقاط اكبر عدد ممكن من الضحايا ، وحصد أرواحهم حصداً ، دون تمييز بين طفل وطفلة ، بين شاب وشابة ، بين رجل وإمرأة ، بين شيخ وشيخة ، بين إنسان أو حيوان أو نبات أو جماد . وهو حين يفعل ذلك ، يمتليء ثقة ، بتصور وهمي ، جري زراعته بداخله ، بأن هذا هو الدين ، وأن ما يأتيه من أفعال وأقوال وأعمال هو التدين الحق ، وأنه هو ـ دون غيره ـ الطريق الأقصر إلي الجنة ، وذلك النعيم المقيم الذي وُعد به المتقين ، بصحبة الحور العين ، في جنات النعيم.
كييف/أوكرانيا بالعربية/أجدني حائرأ إزاء هذه القضية ، ولم أجد لها تفسيراً يريحني ، وهي قضية ما ألمَّ بنا كمسلمين في هذا العصر، ووصول الشطط ببعضنا إلي مداه . وصل الشطط إلي حد استحلال الدماء بشبهات عارضة لا تقوم إلا في ذهن أحدهم ، فيتصور أن القتل العشوائي للبشر في الشوارع هو الجهاد ، تصور خاطيء عن الجهاد يدفع بأصحابه إلي القتال في غير معركة . بل الأكثر من ذلك شططاً هو قيام أحدهم بتفجير نفسه بعبوة ناسفة ، وسط تجمع بشري، لإسقاط اكبر عدد ممكن من الضحايا ، وحصد أرواحهم حصداً ، دون تمييز بين طفل وطفلة ، بين شاب وشابة ، بين رجل وإمرأة ، بين شيخ وشيخة ، بين إنسان أو حيوان أو نبات أو جماد . وهو حين يفعل ذلك ، يمتليء ثقة ، بتصور وهمي ، جري زراعته بداخله ، بأن هذا هو الدين ، وأن ما يأتيه من أفعال وأقوال وأعمال هو التدين الحق ، وأنه هو ـ دون غيره ـ الطريق الأقصر إلي الجنة ، وذلك النعيم المقيم الذي وُعد به المتقين ، بصحبة الحور العين ، في جنات النعيم.
ولما كان مصدر هذا التصور واحداً ، ولم تزاحمه مصادر أخري ، بتصورات أخري ، فإنه يستقر في الوجدان  والقلب والعقل  باعتباره الدين الحق .
وقد سعت الجماعة الأم ـ جماعة الإخوان ـ إلي خلق هذه التصورات ، مع سد منافذ دخول أي تصورات أخري مع أعضائها منذ البداية ، من أيام مؤسسها الأول حسن البنا ، حيث جري اغتيال المستشار أحمد الخازندار ، والنقراشي باشا ، وحرق محلات اليهود في مصر ، مروراً بمحاولة اغتيال الرئيس عبد الناصر فيما يعرف بحادث المنشية سنة 1954 م ، وحادث الفنية العسكرية في أوائل السبعينيات من القرن الماضي ، وإغتيال الشيخ الذهبي ، ثم اغتيال الرئيس الراحل السادات ، واستمرار رفع السلاح في مواجهة الدولة علي مدار عشر سنوات تبدأ في أواخر الثمانينات وتنتهي في اواخر التسعينيات. ومن هنا تجد أحدهم داخل الإطار المحدد له ، لا يتخطاه إلي غيره بحال ، وينطبق عليه قول العقاد حين قال : قد يكون المرء عبقرياً في مجال تخصصه إلا أنه جاهل ، مع أننا لم نعرف لهم عبقرياً. هذا التدين المغشوش ، يمكن تفسير علته علي اكثر من صعيد ، فقد يقول قائل أن العلة وراء هذا النوع من التدين هو حالة الفقر التي يعاني منها قطاع عريض من الشعب المصري ، ويرد علي هذا القول بوجود أثرياء بين اعضاء الجماعة .
وقد يقول آخر بوجود العشوائيات وما تعانيه من أمراض اجتماعية ، ويرد عليه بالقول أنه يوجد من بين أعضاء هذه التنظيمات من ولد ونشأ وتربي في أحضان أحياء راقية . وقد يقول ثالث بأن السبب هو محاولات التغريب التي يتعرض لها المجتمع المصري علي أيدي مفكرين متأثرين بالمجتمع الغربي ، وأفكاره المنحلة أخلاقياً ، ويرد علي هذا بالقول بأن من بين هذه العناصر من عاش في الظروف والملابسات التي يعيشها المجتمع الغربي . وأنا أري أن التطرف والارهاب هو وليد أفكار فاسدة ، تم تغذية العقول بها باعتبارها الدين الصحيح ، وفسادها قد لايكون لذاتها بالضرورة ، فهي قد تكون صالحة في ذاتها ، فاسدة لغيرها ، والسر وراء فسادها هو توظيفها لأغراض أخري بعيدة كل البعد عن الدين ، فيصبح الدين مطية لهذه الأغراض الأخري باعتباره وسيلة تصل بالإنسان إلي غايته .
فإن كان مصدر المعلومة الدينية واحداً ، وغلِّلقت الأبواب علي بقية المصادر ، تسرب الفساد والهوي إلي الأفكار المقدمة باعتبارها الدين ، دون فرصة للمناقشة ، أو عرض الفكرة علي العقل بقصد تمحيصها ، وتقليبها علي أوجهها المتعددة  ، لأنها عندهم حقيقة ذات وجه واحد ، مع أن الحقيقة لها اكثر من وجه  ، وعندهم لا مجال للمقارنة في ظل عدم وجود الأفكار الأخري.
وقد حيل بين مجاميع هذه العقول وبين تلمس الطريق الصحيح ، للتعرف علي الدين دون وسطاء أغيار ، ليس لهم عصمة تعصمهم من التدنيس ، وتكسبهم القداسة ، فتارة يحال بين الفكر المعروض ، ومناقشته ، بدعوي وجوب السمع والطاعة للأميرأو المرشد ، وأنه لا يجوز بحال شق عصا الطاعة ، ومفارقة الجماعة ، لأن من شذَّ شذَّ في النار . وتارة بدعوي قصور العقل البشري، الذي قد يفضي إعمالَه إلي الشطط ، والبعد عن الله ، فجري إقامة جدار عازل مفتعل بين العقل والدين ،مع أن العقل من لزوميات الإيمان  ، لأن العقل هو مناط التكليف في الشريعة الإسلامية ، وتسقط التكليفات ، ويسقط إثم تركها بسقوط العقل وزواله  ، إلا أن هناك من صوَّر لنا العقل باعتباره مناقضاً للدين ، ومضاداً للشريعة  ، وافتعل قضية جدلية لا تنتهي في العلاقة ما بين العقل والنقل ، انتهت بالخصومة بينهما . فلا جري إعمال العقل في الواقع الحي المعاش كي يتم اللحاق بالركب الحضاري ، ولا إعماله في النقل حتي يتبين الحق والضلال فيما تم وراثته من تراث ، كمن رقص علي السلم . ومن هنا كان التخلف عن الركب الحضاري ، والعجز عن فهم الدين علي نحو صحيح علي ضوء الظروف والملابسات الحاكمة للعصر .
وإقامة هذا التناقض والحفاظ عليه يستهدف في النهاية التأسيس لسلطة زمنية باسم الدين يتولاها المتحدث الحصري باسم الدين ، الذي يغترف من معين هذا الإرث الثقيل من الكتب التراثية التي يقف رجال علم الدين ، أو رجال الجماعة ، منها موقف الحارس الأمين ، ويضفون عليها من القداسة ما يحول بينها وبين إعادة النظر فيها ، ويستمدون قداستهم من قداستها ، وتدين لهم الرقاب بالولاء والطاعة . ويظل المسلم مشدوداً إلي الخلف ، ويعيش في القرن الواحد والعشرين بعقلية الثلاثة قرون الأولي . تلك هي أزمة العقل المسلم مع دينه ودنياه  ، فهل إلي حلها من سبيل ؟ .

حسن زايد
كاتب مصري ومدير عام 
المصدر: أوكرانيا بالعربية



مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
زيلينسكي يبحث مع رئيس فنلندا التعاون في بناء الملاجئ في أوكرانيا
سياسة
إيطاليا تعارض استخدام أسلحتها خارج حدود أوكرانيا
سياسة
أمريكا وأوكرانيا تستعدان لإبرام اتفاقية أمنية ثنائية
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.