أوكرانيا بالعربية | أوكرانيا.. شريك اقتصادي للاتحاد الأوربي!... بقلم روماني برودي
كييف/أوكرانيا بالعربية/نظرًا للأنباء السيئة القادمة من أوروبا- سواء عدم الارتياح والريبة في الجانب الاقتصادي، أو عدم الاستقرار السياسي، تبقى الظروف في الوقت الحالي أقل خطورة مما كانت عليه بعد الحرب العالمية الثانية.
خلال هذه الحقبة العصيبة, كانت الولايات المتحدة والديمقراطيات الغربية تتعامل مع الأوضاع بمزيد من التعاون والتواصل مع الخصوم السابقين والحلفاء, الذين خرجوا منهكين من الحرب بدلاً من الانغلاق، من خلال المساعدات الاقتصادية وتشكيل التحالفات الدولية التي ساهمت في إرساء الديمقراطيات المستقرة والاقتصادات المزدهرة، بالإضافة إلى إحلال السلام الدائم في أوروبا.
أما في الوقت الراهن, تبدو الفرصة مواتية ومناسبة تمامًا أم الدول الغربية لأخذ زمام المبادرة باتخاذ قرار شجاع وواقعي في ذات الوقت، كي يتماشى مع السياسات التي تدفع نحو السلام والازدهار الذي ساد البلدان الأوروبية عقب الحرب العالمية الثانية.
في هذا الصدد, اختتم زعماء أوكرانيَا في الآونة الأخيرة مباحثات مع الاتحاد الأوروبي للتوجُّه نحو إبرام اتفاقية للشراكة (توقع بين الاتحاد الأوروبي ودول خارج الاتحاد), والتي ستقضي بتوسيع التجارة وتيسير السفر من وإلى الاتحاد وأوكرانيا، وتمهد الطريق نحو اندماجها في منظومة الاتحاد الأوروبي.
بعدما أشرفتُ على انضمام ثماني دول من وسط أوروبا وشرقها إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004-وهو أكبر توسيع للاتحاد الأوروبي يحدث مرة واحدة- شاهدت بنفسي حجم التردد والمخاوف التي عبر عنها البعض إزاء الدول الجديدة في الاتحاد على أساس تشريعاتها لما بعد الاتحاد السوفييتي، ومنظوماتها الاقتصادية والثقافية المختلفة، بل إنَّ بعضًا من تلك الدول التي التحقت بالاتحاد الأوروبي وقتها كانت في وضع أسوأ مما هي عليه اليوم أوكرانيا. لكن وبعد مرور سنوات، أصحبت الدول التي تخوف منها البعض جزءًا أساسيًا من الاتحاد الأوروبي.
إذا كانت بعض الدول، وتحت ضغوط الأزمة الاقتصادية، قد وجدت نفسها منجذبة إلى الأساليب السلطوية القديمة مثل المجر التي اعتمدت دستورًا مثيرًا للجدل وسنت قوانين جديدة تضيق الخناق على الصحافة والقضاء المستقل، إلا أنَّ عضوية الاتحاد الأوروبي تحدّ من غلواء تلك الإغراءات السلطوية وتخفف من النزاعات الديكتاتورية، والأكثر من ذلك تكتسي أوكرانيا أهمية قصوى بالنسبة لأوروبا، باعتبارها مصدرًا للنمو الاقتصادي وأمن الطاقة، ناهيك عن كونها جسرًا يصل أوروبا بروسيا، فمن الناحية الاقتصادية يتمتع سكان أوكرانيَا البالغ عددهم 46 مليون نسمة بنسبة تعليم عالية، فيهم العديد من مهندسي برمجيات الكمبيوتر وعمال الصناعة المهرة الذين يعزّزون صناعات التصدير التجاري.
بالإضافة إلى المزارعين ذوي القدرات العالية الذين بفضلهم تحولت أوكرانيا إلى سلة الغذاء الأوروبية، بل إنَّ صناعة المعلومات والتكنولوجيا المتطورة في أوكرانيا تستطيع المساهمة في انتقال أوروبا إلى مركز للمعرفة على الصعيد العالمي.
وفي ظل النمو الاقتصادي المتواصل، فإنَّه من شأن الدخول في شراكة مع أوكرانيا أن يوفر لأوروبا أسواقًا جديدة وفرصًا استثمارية واعدة، فضلاً عن عمال جدد، ولا ننسَ أن أمن الطاقة هو أحد الجوانب المهمة التي تستطيع أوكرانيا تقديمها لأوروبا.
فالبلد يزخر بثالث أكبر مخزون من الغاز الصخري في أوروبا بحولي 42 مليون قدم مكعبة من الاحتياطات القابلة للاستخراج والتي تعمل حاليًا شركات كبرى مثل «شل» و«شيفرون» على تطويرها، علمًا أنَّ الغاز الصخري هو من مصادر الطاقة الصديقة للبيئة ليس فقط لأوروبا، بل لعموم العالم.
وفيما تطوي أوكرانيا صفحة الشيوعية القديمة، فهي قادرة على التحول إلى مصدر إلهام لجيرانها وباقي البلدان حول العالم، وأن تعطي النموذج في الانتقال إلى الديمقراطية واقتصاد السوق وسيادة القانون، وهو مطلب يصرّ عليه الأوكرانيون أنفسهم بتركيزهم على حرية الصحافة والتعبير تماشيًا مع المعايير الأوروبية.
ولا شكَّ أن تقريب القوانين الأوكرانية من التشريعات الأوروبية سيعمل على دفع الديمقراطية محليًا ودوليًا، لذا يبقى من مصلحة أوروبا والولايات المتحدة الجيوسياسية والاقتصادية والسياسية أن تدخل أوكرانيا تحت مظلة الاتحاد الأوروبي، وتتبنَّى القيم المشتركة والتجارة الحرة.
ورغم أنَّ البلد ليس عضوًا في حلف شمال الأطلسي، إلا أنه أثبت إمكانية الاعتماد عليه، ما يجعل من دخوله إلى الاتحاد الأوروبي مكسبًا أمنيًا، لا سيما في ظل ما تظهره استطلاعات الرأي من تجاذب في الولاء بين الغرب والشرق وانقسام الأوكرانيين حول الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أو الالتحاق بالاتحاد الجمركي مع روسيا.
والحقيقة أنَّ أوكرانيا بحكم موقعها الجغرافي مؤهلة أكثر من غيرها للعب دور الجسر بين أوروبا وروسيا. كيف كانت على مدار التاريخ مهد روسيا، وهي ستستمر في نسج علاقات وثيقة مع روسيا بحكم الثقافة والعقيدة واللغة المشتركة.
وإلى جانب السكان الأوكرانيين تضم البلاد جزءًا مهمًا من السكان الناطقين باللغة الروسية الذين تربطهم علاقات عائلية وثقافية ممتدة مع روسيا، ومع ذلك ترغب أوكرانيا في الاقتراب أكثر من أوروبا وقيمها وعلى الدول الغربية احتضان هذه الرغبة واستغلال الفرصة قبل فواتها.
كما علينا ألا ننسى بأنه أفضل وسيلة لخدمة المصالح الأوروبية والغربية عموماً هي بالانخراط مع أوكرانيا كشريك أساسي للاتحاد الأوروبي، فنحن أمام فرصة جيوسياسية سانحة علينا ألا نهدرها
روماني برودي
ترجمة: الإسلام اليوم