أوكرانيا بالعربية | السعودية انتظرت هجوم "الدولة الاسلامية" من الشمال فجاءها من الجنوب.. وتحالفها مع الاعداء في ايران وسوريا والعراق هل بات وشيكا؟... بقلم عبد الباري عطوان

قبل عشرة ايام اصدر العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز توجيها "باتخاذ كافة الاجراءات اللازمة لحماية مكتسبات الوطن واراضيه"، في ضوء الاحداث الجارية في المنطقة، وخاصة العراق، في ظل سيطرة جماعات مسلحة (الدولة الاسلامية) على مدن شمال وشرق العراق، واضاف في رسالة شديدة اللهجة "لن نسمح لشرذمة من الارهابيين اتخذوا هذا الدين لباسا يواري مصالحهم الشخصية ليرعبوا المسلمين الآمنين".
كييف/أوكرانيا بالعربية/قبل عشرة ايام اصدر العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز توجيها "باتخاذ كافة الاجراءات اللازمة لحماية مكتسبات الوطن واراضيه"، في ضوء الاحداث الجارية في المنطقة، وخاصة العراق، في ظل سيطرة جماعات مسلحة (الدولة الاسلامية) على مدن شمال وشرق العراق، واضاف في رسالة شديدة اللهجة "لن نسمح لشرذمة من الارهابيين اتخذوا هذا الدين لباسا يواري مصالحهم الشخصية ليرعبوا المسلمين الآمنين".
بعد يومين من هذا التوجيه اصدر مراسيم بتعيين الامير بندر بن سلطان مبعوثا خاصا له، والامير خالد بن بندر رئيسا لجهاز الاستخبارات العامة، واعلن حالة الطوارىء في صفوف القوات السعودية، وحشد 30 الف جندي على حدود المملكة مع العراق التي تمتد لاكثر من 800 كيلومتر.
الخطر لم يات الى المملكة من الشمال، حتى الآن على الاقل، وانما من الجنوب، ومن اليمن بالذات عندما قام ستة اشخاص ينتمون الى تنظيم "القاعدة" باقتحام معبر الوديعة الحدودي، يوم الجمعة الماضي، بعد ان قتلوا جنديا واستولوا على سيارة الامن التي كانت بحوزته، واحتلوا مبنى المباحث العامة في مدينة شرورة القريبة، وقاتلوا حتى نفذت قنابلهم وذخائرهم وفضل اثنان منهم تفجير نفسيهما باحزمة ناسفة على ان يستسلما لقوات الامن التي حاصرتهما، فكانت الحصيلة مقتل اربعة من رجال الامن وخمسة من المهاجمين واسر سادس بعد اصابته.
***
هجوم معبر الوديعة تزامن مع الذكرى الهجرية الخامسة لمحاولة الاغتيال الفاشلة لوزير الداخلية الحالي الامير محمد بن نايف عندما ادعى عبد الله عسيري عضو تنظيم القاعدة المطلوب للاجهزة الامنية انه تائب ويريد العودة الى المملكة، وحين استقبله الامير محمد بن نايف في قصره بعد ان ارسل له طائرة خاصة فجر نفسه حيث كانت القنبلة مزروعة في احشائه، حسب الرواية الرسمية، فقتل بينما اصيب الامير باصابة خفيفة.
المملكة العربية السعودية التي حاولت ابعاد ثورات الربيع العربي واعمال العنف والاحتجاجات المرافقة لها عن حدودها من خلال دعم المعارضات المسلحة بالمال والسلاح مثلما هو حادث في اليمن العراق وسورية ومصر وليبيا (بدرجة اقل) وجدت نفسها محاصرة بخطر اكبر شمالا وجنوبا ويتمثل في تنظيم "الدولة الاسلامية" الذي ورث ايديولوجية تنظيم "القاعدة" وممارساته واهدافه، واعلن قيام دولة الخلافة بزعامة ابو بكر البغدادي في منطقة تمتد حدودها المؤقتة لتشمل الشام والعراق والمملكة العربية السعودية ودول الخليج والمغرب العربي.
القيادة السعودية كانت تتحوط من الخطر الايراني "الشيعي"، وتقيم التحالفات الدولية، وتنفق حوالي 130 مليار دولار على اسلحة حديثة من اجل مواجهته وحماية حدودها، لتجد نفسها تواجه خطرا "سنيا"، ربما يشكل تهديدا اكبر متمثلا في التنظيم الجديد القديم الذي يتوسع بسرعة مفاجئة.
اللافت ان استراتيجية "الدولة الاسلامية" تقوم بالدرجة الاولى على الاستيلاء على المعابر الحدودية وازالتها، خاصة بين سورية والعراق، والعراق والاردن، وكان من المفترض التوجه نحو المعبر الحدودي السعودي العراقي في عرعر ورفحاء بعد سحب السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي 2350 جنديا من الحدود السعودية لتعزيز امن العاصمة، في خطوة فسرها البعض على انها دعوة غير مباشرة لتنظيم "الدولة الاسلامية" للاستيلاء على هذه الحدود وتورط المملكة في الصراع الامر الذي دفع الاخيرة لارسال 30 الف جندي من قبيل الاحتياط لحمايتها.
انشغال السعودية بامنها الداخلي وحماية حدودها ادى الى انسحابها تدريجيا واعلاميا وعسكريا من ملف الازمة السورية الذي كانت تجلس في مقعد القيادة فيه وتؤسس وتمول جبهات اسلامية تقاتل من اجل اسقاط النظام السوري، الامر الذي يؤكد الثغرات الكبيرة في الاستراتيجية السعودية تجاه هذا الملف وغيره، وسوء التقدير لتطورات الاوضاع في المنطقة.
الاولويات الغربية في سورية والعراق تغيرت بسرعة لافتة، فلم يعد اسقاط النظام السوري احداها، بل مواجهة الجماعات الاسلامية المتشددة وحماية المملكة العربية السعودية والاردن من اخطار اجتياحاتها باعتبارها الهدف القريب لهذه الجماعات.
الدولة الاسلامية تشكل خطرا على المملكة لسببين اساسيين، الاول عدم اعتراف هذه الدولة بنظامها وشرعيته، رغم تطبيقه الشريعة الاسلامية، ووجود ثأر لدى قادة هذا التنظيم تجاه المملكة لان الطائرات الامريكية بدون طيار التي تقصف تجمعات القاعدة في اليمن تنطلق من قاعدة سرية في منطقة شرورة السعودية التي هاجمتها "خلية معبر الوديعة" القريبة من الربع الخالي، اما الثاني فهو وجود اكثر من ثلاثة آلاف سعودي يقاتلون حايا في صفوف قوات "الدولة"، وقجدموا البيعة لزعيمها، وضعف هذا العدد في اليمن يقاتل تحت فرع تنظيم "القاعدة" في الجزيرة العربية بقيادة ناصر الوحيشي، وتفيد المعلومات شبه المؤكدة ان احتمالات انضمام هذا الفرع للدولة الاسلامية وتقديم البيعة لزعيمها باتت كبيرة جدا.
كيف ستواجه القيادة السعودية هذا الخطر الذي يحيط بها شمالا وجنوبا، ويحاول اختراقها في العمق (اكتشاف خلية في ايار (مايو) الماضي تضم 62 شخصا نسبة كبيرة منهم من السعوديين وتنتمي للدولة الاسلامية وكانت تخطط لهجمات ضد اهداف سعودية واجنبية؟).
من المفارقة ان خيارات السعودية في هذا المضمار صعبة ومكلفة في الوقت نفسه ويمكن اختصارها في نقطتين:
*الاول: ان تدخل في تحالف عسكري وسياسي وامني مع ايران والعراق وسورية، وهم اعداؤها اللدودون، وتكوين جبهة قوية معهم لمواجهة هذا الخطر.
*ثانيا: ان تقرر الاعتماد على الذات، وترفض الانخراط في هذا التحالف، وتحاول فتح قنوات اتصال مع هذا التنظيم، وتقديم الدعم له، المالي والعسكري، على اساس النظرية التي تقول عدو عدوي حليفي.
وربما تكون عملية رد الاعتبار للامير بندر بن سلطان وتثبيته في موقعه كأمين عام لمجلس الامن الوطني الذي يراسه الملك مؤشر في هذا الصدد، اي احتمال التواصل مع هذه الدولة.
***
الخيار الاول على صعوبته يظل الاكثر ترجيحا والاقل كلفة بالنسبة الى المملكة وقيادتها، لسبب بسيط لان هناك اجماعا اقليميا ودوليا على حتمية القضاء على تنظيم الدولة باعتباره تنظيما "ارهابيا" تتفق عليه وتلتقي فيه الولايات المتحدة وروسيا، اي ان خطر هذا التنظيم وشدة مراس مقاتليه وتشدده العقائدي ودمويته بات عامل توحيد لكل الاعداء في المنطقة تحت مظلة الخوف منه.
الاطاحة بالسيد نوري المالكي، وتشكيل حكومة توافق جديدة تضم السنة والاكراد الى جانب الشيعة، وفي اطار تفاهم على الرئاستين الاخريين (الجمهورية والبرلمان) يمكن ان يوفر الغطاء لانضمام السعودية الى هذا التحالف، وما تقديمها 500 مليون دولار كهبة لمساعدة العراقيين الا عوبون او مقدمة في هذا الخصوص.
السياسة لعبة خطرة، ولا نقول قذرة فقط، وكل شيء جاهز فيها، ولهذا لن نستغرب وصول الرئيس الايراني حسن روحاني الى الرياض في اي لحظة، ولا نستبعد ان يفعل الرئيس بشار الاسد الشيء نفسه، ولكن بعد فترة قد تطول او تقصر، فأمن الدول والانظمة يتقدم على كل الاعتبارات والمبادىء، فلا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، والايام المقبلة حافلة بالمفاجآت قد تثير العديد من علامات الاستفهام لغرابتها.

عبد الباري عطوان

رئيس تحرير القدس العربي سابقا
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي

المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
الولايات المتحدة تعلن عن تسليم شحنات أسلحة جديدة إلى أوكرانيا قريبًا
سياسة
المجر تؤيد خطة السلام الصينية لوقف الحرب في أوكرانيا
سياسة
ألمانيا تعتزم شراء ثلاثة أنظمة هيمارس لأوكرانيا
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.