أوكرانيا بالعربية | الرئيس القادم والمزاج الشعبي ... بقلم هيام محي الدين
كييف/أوكرانيا بالعربية/كان ظهور صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في المظاهرات الثورية من يناير 2011 وحتى مظاهرات يونيو ويوليو 2013 التي احتشدت فيها ملايين غير مسبوقة في التاريخ الإنساني ، تحمل دلالة مزاجية شديدة الوضوح على أن هناك حنينا شعبياً للحقبة الناصرية ؛ وإذا أخذنا في الاعتبار الانتقادات الكثيرة التي وجهت لهذه الحقبة عبر السنوات الأربعين الماضية والتركيز على سلبياتها وتهميش إيجابياتها سنتوصل إلى أن وعي الشعب لم يتقبل هذه الانتقادات رغم الإلحاح عليها منذ انقلب الرئيس السادات على منهج سلفه وتبعه عصر مبارك الذي كان نقيضا قوميا واقتصاديا وسياسيا للنهج الناصري ثم عصر الإخوان وهم ألد أعداء عبد الناصر ، وأكثر مهاجميه عنفا وشراسة.
وبنظرة متأنية ينبغي أن نحاول الإجابة على سؤال يبدو ملحا في هذه المرحلة هو: لماذا هذا الحنين لعصر عبد الناصر من أجيال لم تعش العصر ، ولم تعرف عبد الناصر عن قرب ؛ ولم ينلها من إيجابيات عصره قليل أو كثير !؟
إن إجابة هذا السؤال تكاد تتمثل في كلمتين هما " العزة والكرامة " ؛ فقد افتقدهما المصريون بشدة خلال الأربعين عاما الماضية ؛ وتهاوت مكانة مصر وتأثيرها الإقليمي والعالمي بشكل مخز وعانت مصر من إذلال التبعية ، وانتشار الفقر ؛ وضياع كرامة المصري في بلده وفي العالم ؛ وكانت هذه الحالة من المهانة نقيضا لإحساس المصريين بالعزة والكرامة حتى في أحلك أيام العصر الناصري ؛ وأشد حالاته ضعفا ؛ فقد ظلت صورة الزعيم المتحدي لقوى الاستعمار العاتية ؛ وثقته بنفسه وشعبه ، وإيمانه بعظمة بلاده وعمله الدءوب على تقدمها ورقيها اقتصاديا وصناعيا وعسكريا ، وانتهاجه سياسة مستقلة تفرض نفسها على القوى الكبرى ؛ وقراءة الأجيال المعاصرة لمواقف الزعيم التي تتسم بالشجاعة والاعتزاز بالكرامة صنعت حنينا لدى هذه الأجيال لمواقف شديدة البساطة والتأثير معا.
فقيادة عبد الناصر الناجحة سياسيا وعسكريا وشعبيا ودوليا لمقاومة وهزيمة العدوان الثلاثي عام 1956 الذي حدث نتيجة تأميم عبد الناصر لقناة السويس ، ظلت تمثل في وجدان الشعب صورة أسطورية من صور البطولة والثقة والشجاعة والعزيمة ؛ وتأثير عبد الناصر في أمته العربية والتفافها حوله وتأييدها له في أحداث شديدة البساطة مثل طرد " علوب " من الأردن ومقاطعة السفن الأمريكية من عمال الشحن في كل الموانئ العربية ردا على مقاطعة عمال ميناء نيويورك لسفينة مصرية ، والمظاهرات العارمة التي كانت تشمل العالم العربي من المحيط إلى الخليج تأييدا لناصر ومواقفه ؛ ومساعداته العسكرية والسياسية لثورات التحرر في العالم العربي في المغرب وتونس والجزائر والعراق واليمن . ودوره الرائد في حركة التحرر من الاستعمار لمعظم الدول الإفريقية والآسيوية ، الذي جعلها تدين لمصر بولاء خاص وحب عميق لهذا الزعيم الذي ساعدها على التحرر مما ارتفع بمكانة مصر كزعيمة للأمة العربية وللقارة الأفريقية ، ثم زعامة عبد الناصر ومصر مع نهرو والهند ، وتيتو ويوغسلافيا لكتلة عدم الانحياز مما أعطى مصر مكانة عالمية مؤثرة ، كل هذه الذكريات لحقبة من التاريخ أشعلت حنين المصريين لها ، ولم يلتفتوا كثيرا إلى ما قامت به دول الاستعمار وربيبتهم إسرائيل وبعض الحكام العرب من مقاومة ضارية للمشروع القومي الناصري ، وتعاملوا مع ما تكبدته مصر من خسائر بشرية ومادية في هذه المعارك الضارية ضد المستعمرين على أنها ضريبة العزة والكرامة والحرية التي لا تنال إلا على جسر من التضحيات والدماء ؛ وصار هذا الحنين سلاحا شعبيا يدافع عن عبد الناصر ويذكر انحيازه للفقراء عامة والعمال والفلاحين الذين كانوا يشكلون الغالبية العظمى من الشعب المصري ومازالوا ...
إن هذا المزاج الشعبي يدل على رؤية تاريخية عميقة لهذا الشعب ، وإحساس صادق بما يستحقه وبما تستحقه مصر بعد ثورتين عظيمتين.
وليس مطلوبا من الرئيس القادم أيا كان أن يكون نسخة من الزعيم الراحل ؛ فالعالم قد تغير كثيرا عن عصر عبد الناصر والتحديات التي تواجهها مصر حادث أكثر تعقيدا في عالم أصبح أكثر فوضوية ، ولكن المطلوب منه أن يقرأ المزاج الشعبي قراءة صحيحة ؛ ويعرف أن هذا الشعب مستعد لمواجهة تحديات المرحلة وبذل كل تضحية ممكنة لتحقيق أهداف الوطن والانتصار على ما يواجهه من عقبات بشرط واحد هو أن يستعيد عزته وكرامته.
إن الشعوب تثور على حكامها وتبغضهم وتقاومهم إذا أحست أنهم يسيرون عكس أحلامها وتطلعاتها ويختلفون مع مزاجها الوطني الذي يصنعه التاريخ أكثر مما تشكله حالة وقتية كما أن الشعوب تؤيد وتناصر حكامها وتضحي بالغالي والنفيس إذا شعرت أن هؤلاء الحكام يسيرون في الطريق الذي يؤدي إلى عزة شعوبهم وكرامتهم وكفالة الحرية والرخاء لهم.
فهل نملك الشخصية القادرة على قراءة المزاج المصري في المرحلة الراهنة ، والعمل على تحقيق أمنياته وتطلعاته .. في رأيي أن من يفشل في قراءة المزاج المصري فليترك المجال لغيره ممن يستطيعون قراءته ويقدرون على إعادة العزة والكرامة لكل فرد على أرض هذا الوطن.
هيام فوزى محى الدين كاتبة و صحفية وإعلامية مصرية
رئيسة تحرير جريدة شبكة أخبار المشاهد المصرى الإلكترونية
المصدر: أوكرانيا بالعربية