أوكرانيا بالعربية | الوقاحة الأمريكية في مواجهة الدولة المصرية... بقلم حسن زايد

بلملمة فسيفساء المشهد السياسي في الأونة الأخيرة ، ورصها إلي جوار بعضها البعض رصاً جيداً ، تظهر صورته بارزة واضحة جلية ، فلا تستعصي علي الفهم والإدراك ، ويمكن للمرء عندئذ أن يُكَوِّن موقفاً واضحاً ومحدداً من هذا المشهد . أما بقاء الصورة ضبابية غائمة ـ كما يُرَاد لها ـ فتضع المرء تحت ضغط التواجد في المناطق الرمادية ، حيث يلتبس عليه الفهم والإدراك ، ومن ثم يتعذر عليه اتخاذ موقف محدد .

كييف/أوكرانيا بالعربية/بلملمة فسيفساء المشهد السياسي في الأونة الأخيرة ، ورصها  إلي جوار بعضها البعض رصاً جيداً ، تظهر صورته بارزة واضحة جلية ، فلا تستعصي علي الفهم والإدراك ، ويمكن للمرء عندئذ  أن يُكَوِّن موقفاً  واضحاً ومحدداً من هذا المشهد . أما بقاء الصورة ضبابية غائمة ـ كما يُرَاد لها ـ فتضع المرء تحت ضغط التواجد في المناطق الرمادية ، حيث يلتبس عليه الفهم والإدراك ، ومن ثم يتعذر عليه اتخاذ موقف محدد .

والمشهد السياسي بعد ثورة يونيو ضد نظام حكم الإخوان علي وضوحه ، ثمة جهات تسعي إلي تفتيته حتي تغيم الرؤية ، ولا تتضح معالم الطريق . فالموقف الأمريكي من هذه الثورة غير مفهوم إلا في الإطار التآمري ، فرغم كونها ثورة ، هبَّ الجيش لحماية إرادتها في مواجهة مليشيات الإخوان المسلحة ، إلا أن واشنطن والدوائر الغربية عدَّت ما حدث انقلاباً عسكرياً ، رغم الطوفان البشري الذي سد الآفاق ، اعتراضاً علي حكم الإخوان ، هاتفاً بسقوط حكم المرشد ـ وليس بسقوط مرسي ـ كنظام إخواني . ومن باب الوقاحة المصادرة علي إرادة الشعوب ، وفرض الوصاية عليها .

فحين تقول واشنطن بأن التجربة الديمقراطية التي جاءت بحكم الإخوان إلي سدة الحكم كان يتعين احترامها ، فهذا ينطوي علي دعم هائل ، ليس للديمقراطية كما تزعم واشنطن ، وإنما لحليفتها جماعة الإخوان ، التي سعت بكل ما أوتيت من قوة إلي تزوير الإنتخابات ، وتزييف إرادة الأمة ، وأكدتها اعترافات رئيس المحكمة الدستورية السابق مؤخراً بوقائع التزوير . وحين يقول أوباما بأنه كان يتعين علي الشعب المصري أن يسلك الطريق الديمقراطي في تقويم تجربة الإخوان وتصويبها فإنه بذلك يسلك طريق الوقاحة في المزايدة علي إرادة الشعب ، وفرض الوصاية عليه ، لأن الصناديق الإنتخابية إن كانت وسيلة للتعبير عن إرادة الأمة ، فهي قابلة للعبث والتزييف والتزوير ، وبذا تصبح الثقة في مصداقيتها مظنونة ، وليست يقينية . أما النزول الحي المباشر إلي الشارع للتعبير عن الإرادة الشعبية ، فهو ليس محل مزايدة علي مصداقيته ، ولا سبيل إلي مصادرته ، أو الخروج عليه . وقد نهجت واشنطن منهجاً مرفوضاً في معاقبة الشعب المصري سياسياً واقتصادياً وعسكرياً لقاء موقفه من جماعة الإخوان . بل إنها تجاوزت حد المعاقبة إلي مستوي التآمر .

وقد تمثل هذا التآمر في الدعم المادي والسياسي والدبلوماسي للجماعة ، بإعطائها شرعية دولية باعتبارها تمثل الإسلام المعتدل ، والدفع بعملائها ـ أفراداً وجماعات ومنظمات ودول ـ إلي مساندة الجماعة ماديا وإعلامياً ودبلوماسياً وعسكريا ـ علي مستوي التدريب والتسليح والدعم اللوجيستي . والسكوت المطبق عن نشاط أعضائها الإرهابي ، وعدم تصنيفها ضمن الجماعات الإرهابية  التي تنتهج سبيل العنف المسلح وسيلة للتغيير . بل إن الأمر قد بلغ ذروته حد الضغط علي بعض الدول الصديقة لتضييق الخناق علي الشعب المصري حتي يرعوي ، ويسعي إلي إدماج الجماعة الإرهابية ـ رغماً عنه ـ  ضمن فصائل العمل السياسي . وبدلاً من الإعتراف بحقيقة أن أمريكا داعمة بموقفها للإرهاب ، نجدها تذهب إلي نتيجة في عكس الإتجاه الصحيح ، حين تتبني وجهة النظر الخائبة التي اختلقتها بأن موقف الشعب المصري من جماعة الإخوان قد شجع قاعدة عريضة من هذا الشعب علي دعم الإرهاب والتطرف ، وشكل بيئة حاضنة له . ولا أدري كيف يكون ذلك ؟ . وبفرض صحة هذا التوجه ، فإنه يستوجب اتخاذ موقف إيجابي لمكافحة هذا الإرهاب ، بدلا من اعتبار أن الحوار المصري ـ المصري هو المخرج الوحيد للخروج من الأزمة ، في حيلة مكشوفة لإعادة إدماج الجماعة الإرهابية في الحياة السياسية ، حتي يتسني إعادة الكرة مرة أخري ، وما لا يدرك كله ، لا يترك كله ، ففي إعادة الإخوان إلي المشهد السياسي ، إعادة إحياء للمشروع الأمريكي الذي ضربته الثورة الشعبية في مقتل . وإذا بأمريكا ـ الراعي الرسمي للإرهاب في المنطقة في كل آن ومكان ـ بدلاً من محاربة الإرهاب ، نجدها تحارب الدول التي تناهض الإرهاب وتسعي إلي إجتثاثه من جذورة  ، بحصارها علي كافة الأصعدة .

ونسيت أمريكا ـ أو تناست ـ وهي تفعل ذلك ، أنها تحارب الشعب المصري ، وأنها راهنت ، ورهنت مستقبل علاقاتها ، علي الجماعة ، لا علي الشعب . وإزاء التحركات الواعية للقيادة المصرية شرقاً وغرباً ، ودولياً وإقليمياً ، وقفت أمريكا عارية من كل أوراق التوت التي تسربلت بها في الماضي إبان الزعم بالتحالف الإستراتيجي ، الذي لم تعلن مصر فك عراه بعد ، رغم المواقف الأمريكية الدافعة في هذا الإتجاه . وآخر المحاولات التي اتخذتها واشنطن لضرب مصر هي محاولتها مع المملكة العربية السعودية عقب وفاة الملك عبد الله رحمه الله . حيث سعت لدي المملكة لاتخاذ موقف توفيقي بين الدولة والجماعة بدلا من الإنزلاق لمساندة طرف علي حساب طرف آخر ، ملوحة بورقة التفاوض الأمريكي الإيراني ، وأهمية ذلك لدول الخليج . كما قامت بتسريب أن هناك تغييراً في الموقف السعودي تجاه الإخوان ، وعزفت الأبواق الإعلامية علي هذه النوتة . الأمر الذي أحدث انزعاجاً في القاهرة ، لأنه يعني ببساطة توقف الدعم الخليجي لمصر، والتخلي عنها في مساندة موقفها من قطر وتركيا  ، فطار وفد من وزير الخارجية ومدير المخابرات العامة إلي المملكة للوقوف علي حقيقة الموقف , ورغم تأكيد المملكة علي عدم تغير موقفها ، إلا أن الوفد قد أبدي تخوفا من التأثير الأمريكي علي المملكة بمطالبة مصر بتغيير سياسة التضييق علي الجماعة ، وإدماجها في الحياة السياسية ، وأن يستمر الأمريكان في المراهنة علي دور سياسي للإخوان .

ومن هنا نشطت الدبلوماسية المصرية إقليمياً ودولياً لتوضيح موقف مصر من الجماعة ، وقد كشفت تصريحات الرئيس السيسي المتعددة عن هذا الموقف ، خاصة قبل زيارته الخاطفة للسعودية. وقد جاء الرد الأمريكي علي ذلك الموقف للدبلوماسية المصرية باستقبال وفد الإخوان في الخارجية الأمريكية . وقد تواكب مع ذلك نشاط محموم للإخوان في تركيا من خلال قنواتها التلفزيونية التي كانت تحرض بشكل مباشروفج وعلني علي القتل والحرق والتخريب في ظل صمت امريكي مطبق لقاء ما تقترفه تركيا من جرائم التحريض علي الإرهاب .

وقد جاء هجوم مستشارة الأمن القومي للرئيس السيسي علي الإدارة الأمريكية ـ في لقاءها مع وفد أمريكي غير رسمي ـ ليبين مدي الفجوة  الإستراتيجية بين وجهتي النظر الأمريكية والمصرية ، حيث تنبني الأولي علي رهانات مستقبلية تخطط لفرضها ، والثانية تنبني على الوقائع والأحداث . فهل كان ذبح المصريين في ليبيا عقوبة علي المواقف المصرية ؟ . وقد تبدت الوقاحة الأمريكية علي نحو يدعو إلي الإشمئزاز فيما قاله وفد الكونجرس للرئيس السيسي ، منطوياً علي تهديد بالقتل . وقد جاء الرد صاعقاً من جانب الرئيس ، موصداً كل الأبواب أمام الإبتزاز السياسي ، معلنا ثبات الموقف المصري في استراتيجيته في محاربة الإرهاب . وهذا الموقف يشي بأن الأيام القادمة حبلي بالأحداث .


حسن زايد 

كاتب مصري ومدير عام

المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
أوكرانيا وأرمينيا تعتزمان إجراء مشاورات سياسية
دبلوماسية
الدكتور مكسيم صبح يلتقي القائم بأعمال سفارة العراق لدى أوكرانيا
سياسة
ماكرون لا يستبعد إرسال قوات أجنبية إلى أوكرانيا
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.