أوكرانيا بالعربية | المـوقــف الأمـريــكي بــين الــتراجـع والمنـــاورة... بقلم حسن زايد

22.02.2014 - 02:00 #حسن زايد
في الكلمة التي القتها وزيرة الخارجية الأمريكية السيده / كوناليزا رايس في الجامعة الأمريكية في مصر عام 2005 م اكدت أن الأجندة الأمريكية في المنطقة كانت تقوم في الأساس علي استراتيجية الحفاظ علي الوضع القائم واستمراره ضماناً للإستقرار . إلا أنه قد آن الأوان لتغيير هذه الأجندة ، ومن ثم ستتغير السياسة الأمريكية حيال المنطقة ، وبدلا من استمرار سياسة الحفاظ علي الوضع الراهن فإنه يجب تغيير هذا الوضع من أجل خلق شرق أوسط جديد يدعم التغيير

كييف/أوكرانيا بالعربية/في الكلمة التي القتها وزيرة الخارجية الأمريكية السيده / كوناليزا رايس في الجامعة الأمريكية في مصر عام 2005 م اكدت أن الأجندة الأمريكية في المنطقة كانت تقوم في الأساس علي استراتيجية الحفاظ علي الوضع القائم واستمراره ضماناً للإستقرار . إلا أنه قد آن الأوان لتغيير هذه الأجندة ، ومن ثم ستتغير السياسة الأمريكية حيال المنطقة ، وبدلا من استمرار سياسة الحفاظ علي الوضع الراهن فإنه يجب تغيير هذا الوضع من أجل خلق شرق أوسط جديد يدعم التغيير الديمقراطي في المنطقة . وقد بدأ التخطيط لهذا التغيير بمؤتمر عقد في الدوحة ـ العاصة القطرية ـ في ذات العام تحت عنوان مستقبل التغيير في العالم العربي ، وقد تمخض المؤتمر عن نتيجة مؤداها التحالف القطري الأمريكي الإخواني غير المقدس لإحداث هذا التغيير .

وقد اتبعوا في ذلك استراتيجية التغيير السلمي لأنظمة الحكم القائمة علي غرار ما حدث في دول الإتحاد السوفيتي السابق فيما عرف بالثورات البرتقالية ، وإحلال الإخوان محلها ، وقد جري إنشاء فرع لأكاديمية التغيير في الدوحة لتدريب الشباب علي عملية التغيير السلمي . وقد تداعت الأنظمة المتهالكة المستبدة لنداء التغيير الذي أطلقته الجماهير التي احتشدت في الميادين . ففر بن علي بجلده من تونس في أعقاب تفجر الأوضاع ، ثم تداعت بقية الأنظمة بالسهر والحمي ، فسقط مبارك في مصر ، والقذافي في ليبيا ، وعبدالله صالح في اليمن ، وما زال بشار الأسد يقاوم السقوط . وليست مصادفة بحال قفز الإخوان علي السلطة في أعقاب السقوط مباشرة في هذه الدول ، كما أنه ليس مصادفة غض أمريكا الطرف عن الممارسات القمعية الباطشة التي مارستها الجماعة ضد خصومها السياسيين ، كما أنها لم تنطق ببنت شفه في مواجهة عمليات الإقصاء والتهميش لهؤلاء الخصوم . كما أن فمها قد امتلأ عن آخره بالماء فلم تمنح فرصة انتقاد انتهاك القانون والدستور وضرب مؤسسات الدولة وعلي رأسها مؤسسة القضاء . كما أنها ليست مصادفة وبذات القدر حالة الخرس التي خيمت علي منظمات حقوق الإنسان وكأنها لا تنطق إلا بسلطان . وما كل ذلك إلا لاستتباب الوضع واستقراره والعودة إلي أجندة الحفاظ علي الوضع الراهن القائم علي الأرض واستمراره ضماناً لاستقراره . فلما تفجرت ثورة 30 يونية في مصر كانت المفاجأة الصدمة للإخوان والأمريكان والغرب جميعاً . لأن الدوائر السياسية ومراكز إتخاذ القرار ومراكز الأبحاث عجزت عن قراءة المشهد الحاصل في مصر ، وخابت توقعاتهم جميعاً . فما حدث لم يكن مجرد تظاهرات سرعان ما ستنفض ، وإنما ما حدث هو ثورة ، ومن فرط الصدمة وفقدان القدرة علي استيعاب الموقف صنفوا ما حدث بأنه انقلاب عسكري  ، علي الرغم من تناقض ما ذهبوا إليه مع أدبياتهم السياسية في تعريف الإنقلاب وشروطه . ومن هذا المنطلق ذهبت أمريكا ـ وفي ذيلها الإتحاد الأوربي ـ إلي اتخاذ موقف تصورت أنه ضد الإنقلاب ، في حين أنه كان ضد إرادة الشعب ورغبته ، فأعلنت وقف المعونة العسكرية لمصر ، وإلغاء مناورات النجم الساطع ، وممارسة الضغوط الدولية علي مصر حتي يرجع الإخوان .

وقد جاء وقف المعونة في وقت عصيب للغاية علي مصر ، فقد كان جيشها يجابه الإرهاب في سيناء ولا زال ، ويجابه إرهاب الجماعة ومن والاها في ربوع مصر ، في نفس الوقت الذي تتدفق فيه الأسلحة ـ كماً وكيفاً ـ من الجهات الأربع المحيطة بمصر إحاطة السوار بالمعصم ، حيث إخوان ليبيا ، وإخوان السودان ، وإخوان حماس ، وإخوان تركيا عبر البحر . وهنا استغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الفرصة التي قد لا تأتي إلا لمرة واحدة ، وهي الأخطاء الإستراتيجية للإدارة الأمريكية بوقوفها ضد إرادة الشعوب في لحظات الحسم والإختيار ، وأرسل رئيس المخابرات العسكرية الروسية إلي مصر ، بخلاف الإشارات الإيجابية التي تلامس الوعي المتيقظ للشعوب في لحظات المد الثوري . وقد تبع ذلك زيارة وزيري الخارجية والدفاع الروسيين ، مع إرسال إشارات موحية من الجانب المصري حيال أمر المعونة وقرض صدنوق النقد الدولي ، وعدم الإكتراث بأمرهما , ولم تجر القاهرة كي تغسل شراك نعل راعي البقر الأمريكي طلباً للعفو والسماح كما كان متوقعاً ومخططاً له .

بل بادرت إلي رد الزيارة إلي موسكو علي نفس مستوي التمثيل ، وكانت مراسم الإستقبال موحية وذات دلالات لا تخفي علي صانع السياسة الأمريكية . فقد أدركت واشنطن أن بوتين يبحث له عن موطن قدم في مصر كي يعيد إلي العلاقة بها مجدها التليد مستغلاً في ذلك التناقض الحاصل في السياسة الأمريكية تجاه مصر والمنطقة . وأن مصر لديها العديد من الخيارات المفتوحة وأطر الحركة الواسعة علي الساحة الدولية . ومن هنا جاء التحرك الأمريكي السريع عبر إرسال وفد من الكونجرس لزيارة مصر ، ومقابلة المشير السيسي . وكذا تصريح جون كيري وزير الخارجية أثناء زيارته لتونس عن رغبته في زيارة مصر ولقاء قريب مع المشير السيسي . ومن المفارقات أن تتواكب زيارة وفد الكونجرس مع زيارة وفد عسكري روسي للقاهرة . ومن هنا يأتي التساؤل حول الموقف الأمريكي الجديد : هل يمثل تراجعاً عن الأجندة الأمريكية لمصر والمنطقة أم أنها مناورة سياسية في مواجهة الدب الروسي ؟ . المشاهد أنه ليس تراجعاً عن الإستراتيجية الجديدة ، وإنما هو موقف تكتيكي لا يخرج عن نطاق المناورة . فأمريكا تعلم أن الجماعة التي تراهن عليها هي جماعة إرهابية ، وجناحها العسكري المتمثل في حركة حماس مدرج علي قائمة الإرهاب الأمريكية ، وأن أمريكا لا تملك ترف التراجع عن دعم هذه الجماعة لسببين هما ـ الأول : وجود الإخوان في معظم الولايات الأمريكية وسيطرتها علي الجاليات الإسلامية بها من خلال منظمات المجتمع المدني والمساجد والمراكز الإسلامية ، والإمتناع عن دعمها واعتبارها جماعة إرهابية سيخلق مواجهة محتملة بين الإدارة الأمريكية والداخل الأمريكي بما لاتحتمله أي إدارة . الثاني : تورط الإدارة الحالية في أنشطة مشبوهة مع الإخوان كدعم الإخوان لها في انتخابات الرئاسة ، ودعم الإدارة لأنشطة الجماعة بأموال دافعي الضرائب الأمريكيين ، فلو تم الإعتراف بإرهابية الجماعة ، وفضحت الجماعة الدعم المتبادل بينها وبين الإدارة الأمريكية ، لأصبحت الإدارة الأمريكية إدارة داعمة للإرهاب ، ويصعب عليها التعايش مع الناخب الأمريكي بهذه الصفة .

وبالتبعية ستصبح أمريكا دولة راعية للإرهاب علي الساحة الدولية ، ويسقط البعد الأخلاقي للقيم الأمريكية والغربية . الثالث : سقوط المشروع الأمريكي المتعلق بالشرق الأوسط الكبير والذي أنفقت عليه المليارات من جيب دافع الضرائب الأمريكي الذي سيتساءل بالضرورة عن جدوي ما حدث وأهميته . ومن هنا يمكن القول بارتياح شديد أن أمريكا ماضية في دعم الجماعة الإرهابية ، وأن ما تقوم به مجرد مناورة للحيلولة دون تمدد الدب الروسي في المنطقة من ناحية ، وتخدير النظام المصري من ناحية أخري حتي يتسني لها إفشال هذا التقارب المفاجيء . أما الإدارة المصرية فليس أمامها سوي اهتبال الفرصة السانحة لتحرير إرادتها ، وتوسيع رقعة علاقاتها بما لا يسمح باحتوائها من جانب طرف واحد يملك أدوات خنقها من جديد .

حسن زايد

كاتب عربي ومدير عام


المصدر: أوكرانيا بالعربية


مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
ليتوانيا تقدم مساعدات عسكرية جديدة إلى أوكرانيا
سياسة
بيربوك: أوكرانيا تحتاج إلى أسلحة بعيدة المدى للدفاع عن خاركيف
رياضة
زيلينسكي: أوكرانيا فعلت كل ما يلزم للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.