أوكرانيا بالعربية | الإســــتفتاء علــي مـــاذا ؟!... بقلم حسن زايد

سؤال تبادر إلي ذهني وأنا أشاهد الفريق السيسي متحدثاً في الندوة التثقيفية التي نظمتها القوات المسلحة داعياً المصريين إلي تحمل مسئولياتهم والمشاركة في الإستفتاء علي مشروع الدستور : "أدعوأبناء الشعب المصري لتحمل المسؤولية الوطنية، والنزول والمشاركة بقوة في الاستفتاء على مشروع الدستور، لتصحيح المسار الديمقراطي وبناء دولة ديمقراطية حديثة ترضي جميع المصريين " .

كييف/أوكرانيا بالعربية/سؤال تبادر إلي ذهني وأنا أشاهد الفريق السيسي متحدثاً في الندوة التثقيفية التي نظمتها القوات المسلحة داعياً المصريين إلي تحمل مسئولياتهم والمشاركة في الإستفتاء علي مشروع الدستور : "أدعوأبناء الشعب المصري لتحمل المسؤولية الوطنية، والنزول والمشاركة بقوة في الاستفتاء على مشروع الدستور، لتصحيح المسار الديمقراطي وبناء دولة ديمقراطية حديثة ترضي جميع المصريين " . وهنا قفز السؤال إلي ذهني : " الإستفتاء علي ماذا تحديداً ؟! .

هل هو الإستفتاء علي الدستور فقط ؟ ، أم الدستور وأمور أخري ؟ . لاريب أن المتأمل للمشهد السياسي المصري سيدرك أن المسألة ليست مسألة استفتاء علي تعديلات دستورية أو علي دستور جديد ، وإنما هو استفتاء علي أمور أخري لا تقل أهمية بحال عن أهمية الدستور، فقد جرت في مصر استفتاءات كثيرة ، من بينها استفتاءات دستورية كالإستفتاء علي دستور 1971 م  ، والإستفتاء علي تعديلات دستورية لاحقة عليه . ولم تحظ هذه الإستفتاءات بذات الأهمية والزخم التي يحظي بها الإستفتاء علي الدستور الحالي . حيث يأتي الإستفتاء في هذه المرة وسط أجواء من الترقب والحرص علي متابعة سلامة الإجراءات ودقتها ، ومدي الحرص علي شفافيتها ، وتوفيرالضمانات اللازمة لمتابعة مراحله ـ  داخلياً وخارجية ـ  من سلامة الكشوف والتصويت والفرز  ونسبة الإقبال وإعلان النتيجة العامة . وطبيعي أن تكون هناك أسباب منطقية مقبولة ومعقولة لهذه الأهمية . في السابق كانت الإستفتاءات لا تحظي بهذا الإهتمام لأنها كانت تمثل شأناً داخلياً معروف النتائج مسبقاً لعدم اهتمام المواطن المصري بالأمر ، إما عن عدم علم أو للإنشغال بلقمة العيش . أما هذه المرة فالوضع مختلف لأن هذا الإستفتاء فضلاً عن كونه استفتاءًا علي الدستور ، إلا أنه يمثل استفتاءًا علي أوضاع داخلية تتمثل في تصحيح المسار الديمقراطي ، وبناء دولة ديمقراطية حديثة ، ولها أبعادها الإقليمية والدولية . فمن المعروف أن النزول للإستفتاء بنسبة إقبال غير مسبوقة ، وحصول الدستور علي موافقة من الناخبين بنسبة عالية يعد انتقالاً من شرعية مدعاة إلي شرعية حقيقية .

إنه غلق للأفواه الناعقة صباح مساء بدعوي الشرعية بإرادة شعبية نافذة . واسقاط لوريقة التوت التي يظن النظام الفاشل انها تستر سوءته . وتأسيس لشرعية جديدة مختومة بخاتم الشعار لا سبيل إلي التشكيك فيها أو النيل من شرعيتها .فالإستفتاء علي الدستور هو استفتاء علي ذلك التاريخ المفصلي في حياة مصر منذ 30 يونيه ،استفتاء علي الإطاحة بنظام الإخوان الذي أراد أن يبتلع مصر في جوفه لصالح التنظيم الدولي والفكرة الأممية التي يعتنقها . واستفتاء علي الدور الذي لعبته القوات المسلحة في الإنحياز للإختيار الشعبي ، وتقييم لما جري بين التاريخين من أحداث ، ومستقبل هذا الإختيار وحدوده . ومن هنا كان حرص الجماعة المستميت في عدم الوصول إلي هذا اليوم حتي ولو أفضت تصرفاتهم إلي تقويض الدولة المصرية وإنهيار أركانها وقواعدها ، والتجأوا إلي كافة السبل المباحة وغير المباحة ، واستحلوا في سبيل ذلك كل شيء  ، ابتداءًا من الدعم الأمريكي والأوروبي وصولا إلي التمويل القطري ، وإمدادات السلاح التركية ، والإستعانة بعناصر تنظيم القاعدة والجماعات التكفيرية ، والأبواق الإعلامية العربية والأجنبية التي تفرغت لقضيتهم في مواجهة قضية الشعب المصري وثورته . والأعمال الإرهابية في سيناء وامتداداتها داخل الدلتا ، والإغتيالات السياسية ، والإعتصامات والمظاهرات ، ودخول النساء والفتيات وطلاب الجامعات علي خط المواجهة مع الشعب والشرطة والجيش . ولا شك أن تكاليف المواجهات المترتبة علي السعي نحو إنفاذ إرادة الإستقلال الوطني في مواجهة الإرهاب تكون باهظة ومرهقة ، وفي الحالة المصرية لا شك أنها ستكون قاسية ومؤلمة لأن مصر بلداً منهكة إقتصادياً نتيجة مرحلة التجريف الإقتصادي البشع الذي اعتمده نظام مبارك وصولاً إلي مجتمع النصف في المائة الذي قامت عليه ثورة يوليو، فكان نتاج النمو الإقتصادي للبلد يصب في جيوب فئة رجال الأعمال الذين ركبوا كراسي السلطة في عهده .

وبلداً مهمشة إقليمياً ودولياً نتيجة ارتماءها الكامل في أحضان السياسة الأمريكية ، وعاجزة عن الوفاء بمتطلبات أمنها القومي بحدوده الإستراتيجية نتيجة لذلك . أضف إلي ذلك أن ثورة يونيه قد أسقطت الفرس الذي كانت تراهن عليه أمريكا في تنفيذ مخططاتها في المنطقة وهو جماعة الإخوان ، فكان من الطبيعي أن تدخل ثورة يونيه في مواجهة مع أمريكا ،فقد اطاحت القوات المسلحة بحكم الاخوان امتثالا لارادة شعبية دون الرجوع للادارة الامريكية او استئذانها او الحصول علي ضوء اخضر منها علي نحو ما فعل السادات عندما ذهب الي ان 99% من اوراق اللعبة في يد أمريكا ـ صحيح أن هناك من يري أنه كان عبقرياً في إلقاء الكرة في الملعب الأمريكي حتي يضع أمريكا أمام مسئولياتها أمام الرأي العام العالمي ويحيد موقفها ولو ظاهرياً حيال اسرائيل حلاً لأزمة الشرق الأوسط ـ إلا أنه منذ هذا الإعلان وتقوم أمريكا بدس أنفها في الشئون المصرية ، بما فيها الشأن الداخلي ، وقد استلم مبارك التركة محملة بذات النهج ، إلا أن الفارق بينه وبين السادات أن الأول كان يفعل ذلك بحنكة سياسية فائقة ، أما مبارك فقد ارتمي بكليته في أحضان أمريكا علي نحو توقفت فيه الحياة في مصر علي الإرادة الأمريكية . ولذا وجدنا في مواجهة ثورة يونيه ضغطاً أمريكياً غير مسبوق في العلاقات بين البلدين مصحوباً بتواطؤ أوروبي غير مفهوم إلا في إطار التبعية للأمريكان . ويرجع هذا الضغط لسببين : أولهما : أن ثورة يونيه قد أسقطت فرس الرهان الخاص بها كما قلت ، وأخرجته من حلبة السباق ، وهي تحاول إعادته مرة أخري . ثانيهما : أنه في حالة فشلها في إعادة فرس الرهان إلي الحلبة ستواجه بمعضلة قد تقلب الموازين الإستراتيجية في المنطقة. تتمثل في بزوغ قوة إقليمية جديدة تنزع إلي الإستقلال الوطني ، وتحرر الإرادة ، ومن هنا بادرت أمريكا بقطع المعونة الأمريكية ، وإلغاء مناورات النجم الساطع ، والإيعاز للإتحاد الأوروبي بأن ينتهج ذات النهج . حتي يتم تركيع هذه القوة ، والإجهاز عليها قبل أن تستفيق من وهدتها . وقد أدركت دول الخليج مبكراً وعلي رأسها السعودية والإمارات أن ترك مصر في هذه المرحلة يمثل خطراً داهماً عليها ، لأن سقوط مصر وانهيارها هو سقوط للعالم العربي كله ، وبالهاتف كما عبر أحد العرب ، ومن هنا حالت المساعدات الي سارعت بها هذه الدول ، دون انهيار مصر إقتصادياً ، الذي كانت تراهن عليه الولايات المتحدة الأمريكية ، وبذا لعبت دول الخليج دوراً حاسماً في معادلة العلاقات المصرية الأمريكية . وذلك علي الرغم من أن السعودية ودول الخليج حلفاء تقليديين لأمريكا إلا أنهم قد شاهدوا بأم أعينهم التحالف الأمريكي الإخواني لإعادة رسم خريطة المنطقة علي أنقاض الأنظمة التقليدية لها من ناحية ، وموقف أمريكا الأخير في علاقته مع إيران الشيعية باعتبارها القوة الإقليمية البديلة بعد دق اول مسمار في نعش النظام التركي من ناحية أخري . 

إلي جانب الموقف العربي وبسببه سعت الإدارة المصرية إليإظهارعدم الإصغاء للتدخلات الأمريكية المتكررة إبان هذه الفترة ، وعدم الإنزعاج من قطع المعونات الامريكية عن مصر ، وقد واجهت هذا الموقف بفتور من لا يزعجه الأمر أو يشغله الموقف السلبي للادارة الامريكية ، وقد اتجه شرقاً ساعياً إلي اعادة الدفء للعلاقات المصرية الروسية لتعويض ما يترتب علي قطع المعونة من تداعيات دون أن يغلق الباب كلية في وجه العلاقات المصرية الامريكية أو اعتبار أن العلاقة المصرية الروسية بديلا عن العلاقة الامريكية ، فقد ترك الباب موارباً لمن أراد علاقات متوازنة مع مصر. أما الموقف الأوروبي فقد تراجع قليلاً عن تبعيته للنهج الأمريكي وربط إعادة العلاقات المصرية الأوروبية إلي دفئها بمدي التقدم في خارطة طريق المستقبل ، وأول استحقاقاتها هو الإستفتاء علي الدستور ، وقد زار مبعوثاً أوروبياً مصر مؤخراً دون أن يطلب لقاء أحد من الإخوان بما يؤشر علي هذا الإتجاه . ومن هنا يمكن القول أن الإستفتاء ليس مجرد استفتاءًا علي الدستور ، وإنما هو استفتاء علي علاقات مصر المستقبل عربياً وإقليمياً ودولياً ، كما انه استفتاء علي خارطة مستقبل مصر واستحقاقتها الآنية والمستقبلية .

حسن زايد

كاتب عربي ومدير عام


المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
الرئيس الأوكراني يستنكر الاتصال بين بوتين وشولتس
سياسة
مسؤولة أوكرانية: نسعى جاهدين لزيادة إنتاج الأسلحة
رياضة
التعادل يحسم مواجهة أوكرانيا وجورجيا بدوري الأمم
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
ديفينس إكسبريس: روسيا تُجري تعديلاً خطيراً بمسيراتها الانتحارية لقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين الأوكرانيين
آراء ومقالات
لماذا يتقدم تتار القرم للخطبة مرتين؟
آراء ومقالات
لاتفيا تستضيف حدثًا مكرسًا لقضية الاعتراف بترحيل عام 1944 كعمل إبادة جماعية لشعب تتار القرم
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.