أوكرانيا بالعربية | الدســـتور وحــرية الإبــــداع... بقلم حسن زايد
كييف/أوكرانيا بالعربية/في القرآن الكريم :"بديع السماوات والأرض"، أي خالقها على غير مثال سابق . والإبداع لغة :الإختراع علي غير مثال سابق . والحرية لغة : القدرة على التصرف بملء الإرادة والاختيار . والعلاقة بين الإبداع والحرية هي علاقة المقدمة بالنتيجة في عرف المناطقة . فالحرية شرط أساسي لوجود الإبداع إذ بينهما متلازمة الإرتباط الشرطي التي ابتدعها بافلوف في نظريته في التعلم عن الإرتباط الشرطي . والعلاقة بين الإبداع و الحرية تعبر عن نفسها في التجديد المستمر لأفعال الإنسان .
وما التقدم الذي تشهده البشرية من العصور البدائية إلي العصر الراهن سوي محصلة منطقية لتلك الأعمال الذهنية التي يطلق عليها الإبداع . ومشكلة الحرية أنها تصطدم بأوضاع سلطوية مستقرة وثابتة تسعي إلي فرض السلطة الأبوية علي المجتمع ، وبما أن المبدع يخرج عن الخط المرسوم فلابد من خنقه والتضييق عليه . والعالم لا يخلو من هذه النماذج من الصراع ، ومصر من بين دول العالم التي مرت بهذه التجارب .
لذا كان من الضروري معالجة قضية حرية الإبداع دستورياً ، ليس من باب الترف الزائد عن الحاجة ، ولكن من باب حاجة المجتمع إلي المبدعين الذين سينقلونه من مصاف المجتمعات المتخلفة إلي ركب التقدم الراهن بمعدلاته المتسارعة . وقد كان الأمل معقوداً علي دستور ما بعد ثورة 25 يناير الإخواني إلا أنه جاء مخيباً للأمال فقد نصت المادة (46) منه علي أن : " حرية الإبداع بأشكاله المختلفة حق لكل مواطن وتنهض الدولة بالعلوم والفنون والآداب ، وترعي المبدعين والمخترعين ، وتحمي إبداعاتهم وابتكاراتهم ، وتعمل علي تطبيقها لمصلحة المجتمع . وتتخذ الدولة التدابير اللازمة للحفاظ علي التراث الثقافي الوطني ، وتعمل علي نشر الخدمات الثقافية " . وهي كلمات لا تتجاوز المعني الذي قصده المشرع الدستوري في دستور 1971 م الذي نص في المادة (49) منه علي : " تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي ، وتوفر وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك " . فكلا الدستورين لم يحدد الكيفية التي سينتقل بها النص من الواقع الإنشائي إلي الواقع الحي المعاش ، وجمع الإبداع والبحث العلمي والثقافة في مادة واحدة . أما دستور ثورة يونية فقد عالج هذه الأمور بما يتناسب مع جلالها ، فقد قدم نص المادة (67) كنموذج يحتذي في الشمول والإحاطة ، حيث نصت علي : " حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة ـ وليست مجرد حق ـ ، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب ـ وليس مجرد تنهض ـ ، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم ، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك ، ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوي لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة . ولا توقع عقوبة سالبة للحرية ـ السجن أو الحبس أو تحديد الإقامة ـ في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو أو الأدبي أو الفكري . أما الجرائم المتعلقة بالتحريض علي العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في الأعراض ـ طبعاً تحت زعم الإبداع ـ ، فيحدد القانون عقوباتها . وللمحكمة في هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائي للمضرور من الجريمة ، إضافة إلي التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها ، وذلك كله وفقاً للقانون " . وفي المادة (69) منه يقول : " تلتزم الدولة بحماية حقوق الملكية الفكرية ـ الإبداع ـ بشتي أنواعها في كافة المجالات ، وتنشيء جهازاً مختصاً لرعاية تلك الحقوق وحمايتها القانونية ، وينظم القانون ذلك " . ثم يعرج علي البحث العلمي بالمادة (66) بقوله : " حرية البحث العلمي مكفولة ، وتلتزم الدولة برعاية الباحثين والمخترعين وحماية ابتكاراتهم والعمل علي تطبيقها " ثم خصص الفصل الثالث من الباب الثاني للمقومات الثقافية في المواد من (47) إلي (50) . بالإضافة إلي الإشارات الواردة في غير هذه المواد .
ومن هنا يمكن القول بأن ثورة يونيه قد وضعت المجتمع علي قضبان التقدم بمعالجتها لقضية حرية الإبداع وحرية البحث العلمي إلي جانب الإهتمام الفائق بقضية التعليم باعتبارها قاطرة التقدم الحضاري .
حسن زايد
كاتب عربي ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية