أوكرانيا بالعربية | الأسباب الفكرية للإرهاب... بقلم د. عادل عامر
كييف/أوكرانيا بالعربية/لا شك أن العنف والعدوان سلوك يظهر في سلوكيات كثير من البشر ، ويرجع إلى عوامل ودوافع تحركه ، وقد عرف السلوك العدواني والعنف في كل العصور ، وكانت أول صور العنف بين ابني آدم - عليه السلام - عندما تقبل الله من أحدهما ولم يتقبل من الآخر فقتل الخاسر أخاه الرابح حسدا وظلما ، والسلوك العدواني هو ما يقوم فيه المعتدي بإيذاء غيره أو نفسه وغيره معا . ولفترات التنشئة الأولى في الصغر دور كبير في إكساب وتعليم هذا السلوك ، وقد يصبح مميزا لبعضهم في مرحلة الشباب .
وقد يبدأ السلوك التخريبي منذ الصغر في صورة إتلاف الممتلكات ، والمقتنيات أو تشويهها تعبيرا عن عدم الاستجابة للمطالب أو الأنانية ، ويصبح أكثر خطورة حينما يأخذ صورة سلوك جماعي أو عصبة لتفريغ الطاقة ، وحينما يصبح سلوكا مرضيا تنعكس آثاره على المحيطين في الأسرة والمجتمع بل في الدول على مستوى عالمي . إن الغلو والتشدد إذا أصبح بيئة عامة يعيشها الناشئة في مجالات تعليمهم وحياتهم المختلفة سيدفع ذلك المناخ بالمتحمسين منهم للوقوع في حمأة الإرهاب الفكري، متى اصطدم بمن يخالفه الرأي فيما يعتقده، وسيسارع إلى فرض رأيه على الآخرين بكل وسيلة؛ لأنه أصبح يعتقد أنه وصي على غيره، والحق فيما يراه، ومن يخالفه فهو عدو له، فإذا لم ينجح في فرض رأيه حينها؛ فإن البعض من أولئك سيرتقي لفرض رأيه بالقوة، ولو بالإرهاب الجسدي أو الاقتصادي.
إن الغلو والتشدد لا يدعوان للرفق والسماحة والاعتدال، وإنما يدعوان لنقيض ذلك، ولقد ظهرت دلالة ذلك مبكرا على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين قال قائلهم: «اعدل يا محمد؛ فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله.....» فقال فيه - عليه السلام -: «إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية»
.إن التشدد والغلو غالبا ما يدفعان بصاحبهما لمثالية فارغة من معناها؛ فهو لا يتفهم مقاصد القرآن وحقائقه، وإن كان حاملا لنصوصه، فإنه لم يجاوز به الحناجر والمنابر، وهو يمرق من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية مروقا خفيا شديد الخفاء؛ لأنه لا يُرى عليه من المظاهر إلا مظاهر الصلاح التي لا يُجارى فيها؛ فقد يحقر أحدنا صلاته مع صلاة ذلك الغالي، ويحقر قراءته مع قراءة ذلك الغالي لكنه يمرق من الإسلام بخفاء شديد قد لا يتبين لكثير من الناس، لما يُرى عليه من مظاهر الصلاح. إن قيام أمور حياة الناس الدينية والدنيوية معتمد - بعد الله - على وجود الآمر الناهي المنظم لشؤون الأمة وأمورها.
ومن كمال هذا الدين أنه ضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم، لأن من شأن ضبط هذه العلاقة انضباط أمور الأمة، وسيرها في حياتها على السواء.
ومما يلفت النظر هنا أن ضبط هذه العلاقة جاء بأسلوب شرعي بديع هو: توجيه كل من الطرفين: الحاكم والمحكوم إلى القيام بالمهام المنوطة به والواجبات الموكلة إليه بأسلوب قوي، فإذا نظرت إلى النصوص الواردة في شأن الحاكم وحقوق الرعية عليه والواجبات المنوطة به ظننت أن الشرع مائل إلى جانب الرعية، وإذا نظرت إلى النصوص الواردة في شأن الرعية وحقوق ولي الأمر عليهم من الطاعة والنصرة ونحوها ظننت أن الشرع مائل إلى جانب الحاكم، والموقف كما هو واضح يتشكل من مجمل النظر إلى النصوص الواردة في ذلك... وعلى الإمام إقامة الدين والحكم بشريعة سيد المرسلين وإصلاح أمر المسلمين والرفق بهم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى الرعية السمع والطاعة وعليهما التناصح والشورى قال رسول الله {كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته}.وتتنوع الأسباب المؤدية إلى العنف والإرهاب والتطرف ، وقد تتضافر كلها أو أغلبها في الظهور لدى الشخص والتي تمتد آثارها إلى زعزعة النظام المجتمعي والأمان النفسي الذي يعد من أهم الضرورات الإنسانية لدى البشرية جمعاء .المجتمع هو المحضن الذي ينمو فيه الإنسان ، وتنمو فيه مداركه الحسية والمعنوية ، ويتنفس هواءه ، ويرشف من رحيقه ، فهو المناخ الذي تنمو فيه عوامل التوازن المادي والمعنوي لدى الإنسان . وأي خلل في تلك العوامل ، فإنه يؤدي إلى خلل في توازن الإنسان في تفكيره ومنهج تعامله ، فالإنسان ينظر إلى مجتمعه على أن فيه العدل وفيه كرامته الإنسانية ، وحينما لا يجد ذلك كـما يتصور فإنه يحاول التعبير عن رفضه لتلك الحالة بالطريقة التي يعتقد أنها تنقل رسالته . فعلى سبيل المثال : حينما لا تتكافأ الفرص بين المواطنين ، ولا يكون التفاضل قائما على أسس ومعايير سليمة ، أو عندما لا يكون العدل مقياسا للجمع بين المتساويين والتفريق بين المتفرقين ، أو حينما يتسلط القوي على الضعيف ، وغير ذلك من الأخطاء الاجتماعية ، فإن ذلك يشكل إحباطا لفئات من المجتمع ، فتحاول التعبير عن رفضها لتلك الممارسات بطريقة خاطئة غير رشيدة ؛ لأن رد الفعل العكسي هو الذي يسوق ذلك الإنسان إلى كراهية المجتمع ، ومحاولة الانتقام بالطريقة التي يراها مناسبة لرد ما يتصور أنه سلب منه .
فانتشار المشكلات الاجتماعية ومعاناة المواطنين دوافع إلى انحراف سلوكهم ، وتطرف آرائهم وغلوهم في أفكارهم ، بل ويجعل المجتمع أرضا خصبة لنمو الظواهر الخارجة على نواميس الطبيعة البشرية المتعارف عليها في ذلك المجتمع أما الوجه الآخر ، فهو البحث عن المكاسب السياسية من خلال خلق الضغوط ، مثل إقدام بعض الدول على احتضان بعض الجماعات أو الأفراد الخارجين على قوانـين بلادهم ، وتشجيعهم ومساعدتهم ماديا ومعنويا ، وذلك تحقيقا لمكاسب سياسية ، واستخدامهم- كما يقال- ورقة ضغط تلوح بها الدولة الحاضنة في وجه الدولة الأخرى متى ما أرادت ، لتحصل من خلالها الدولة الحاضنة على تنازلات سياسية أو مكاسب اقتصادية من الدولة الأخرى ، بل يصل الأمر ببعض الدول في بعض الحـالات إلى تدريب عصابات التخريب والإرهاب تحقيقا لأغراضها ، ثم ما تلبث تلك الدولة أن تتفق مع الدولة الأخرى ، فتعمل على إخراج تلك الجماعات من أراضيها ، أو تحجيم نشاطها ، أو منعها من العمل ضد تلك الدولة لينقلب السحر على الساحر ، ويحصد الشر زارعه ، والأمثلة على هذا النوع في التاريخ المعاصر ، بل في الوقت الحاضر ، كثيرة وواضحة .
والإسلام من سماته الرفق و العدالة والمحبة والأمن والحرية السامية ، وهو دين يحارب العنجهية والخروج على الحاكم مادام قائما بشرع الله تعالى ، ويحرم الظلم والبغي والإفساد في الأرض . ولا شك أن الظروف المحيطة اليوم وظهور حركات العنف والإرهاب في مجتمعاتنا الإسلامية على وجه الخصوص الآمنة بطبعها وبفضل ربها وخالقها والتي تستهجن العنف والغلو والإرهاب اتفاقا مع الشرع القويم يستدعي الاتحاد والتعاون في القضاء عليها والعمل الجاد على اجتثاثها من جذورها كل حسب تخصصه وميدانه .
ومعرفة الأسباب المختلفة وحصرها خطوة مهمة وضرورية للحد من العنف والإرهاب والتطرف والقضاء عليه بإذن الله ، وفي هذا استجابة لله القائل عز من قائل:{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، وامتثالا لقوله سبحانه: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ } ، كما أن الله - تعالى - ينهى عن الاعتداء بقوله : { وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} .
وقد حدثت أفعال عنف إرهابي في البلاد العربية والإسلامية تم ربطها بشكل أو بآخر بالغلو والتطرف الديني كما حدث في الجزائر ومصر والبحرين من تفجيرات في السنوات الأخيرة ولا شك أن الظروف المحيطة اليوم وظهور حركات العنف والإرهاب في مجتمعاتنا الإسلامية على وجه الخصوص الآمنة بطبعها وبفضل ربها وخالقها والتي تستهجن العنف والغلو والإرهاب اتفاقا مع الشرع القويم يستدعي الاتحاد والتعاون في القضاء عليها والعمل الجاد على اجتثاثها من جذورها كل حسب تخصصه وميدانه.
د. عادل عامر
دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية
عضو المعهد العربي الأوروبي للدراسات الإستراتجية
والسياسية بجامعة الدول العربية
المصدر: أوكرانيا بالعربية