أوكرانيا بالعربية | احجبوا مواقعنا.. صادروا صحفنا.. اطردونا من "عربساتكم".. سنستمر في الكتابة... بقلم عبد الباري عطوان
06.11.2015 - 21:10
لندع جانبا الذرائع والحجج التي تستخدمها السلطات السعودية لوقف بث قناة “الميادين” عن القمر الصناعي “عربسات”، الذي يوجد مقر مجلس ادارته في عاصمتها الرياض، وتملك حوالي ثلث اسهمه، ونتحدث عن ظاهرة اكثر اهمية واخطر، وهي تحول هذه السلطات الى الجهة التي تقرر من هو موضوعي، ومن هو حر، ومن هو منحاز، ومن هو عدو، ومن هو صديق، ومن هو مهني، ومن هو غير مهني، ومن يجب ان يبقى على “العربسات”، او “النيل”، او اي قمر صناعي عربي آخر، ومن يجب ان يطرد، ومن هو المطرب او المطربة، ومن هو الشاعر او الشاعرة، ومن هو المبدع، ومن هو غير المبدع. كييف/أوكرانيا بالعربية/لندع جانبا الذرائع والحجج التي تستخدمها السلطات السعودية لوقف بث قناة “الميادين” عن القمر الصناعي “عربسات”، الذي يوجد مقر مجلس ادارته في عاصمتها الرياض، وتملك حوالي ثلث اسهمه، ونتحدث عن ظاهرة اكثر اهمية واخطر، وهي تحول هذه السلطات الى الجهة التي تقرر من هو موضوعي، ومن هو حر، ومن هو منحاز، ومن هو عدو، ومن هو صديق، ومن هو مهني، ومن هو غير مهني، ومن يجب ان يبقى على “العربسات”، او “النيل”، او اي قمر صناعي عربي آخر، ومن يجب ان يطرد، ومن هو المطرب او المطربة، ومن هو الشاعر او الشاعرة، ومن هو المبدع، ومن هو غير المبدع.
السعودية ومعظم حلفائها في مجلس التعاون، والتحالف العربي الذي تقوده في اليمن، هو الذي قرر حجب القنوات الفضائية اليمنية التابعة للتحالف “الحوثي الصالحي”، مثلما قرر قبلها اغلاق القنوات الليبية الرسمية لدولة عربية مساهمة في القمر الصناعي نفسه، واتخذ القرار نفسه، وبالاعذار نفسها، لاغلاق القنوات السورية، فممنوع ان يكون هناك رأي آخر، لانهم يخافونه وكل اوساطه الاعلامية، مهما كانت بائسة وفقيرة ماليا وفنيا، وهم الذين يملكون الامبراطوريات واذرعتها الاعلامية التي تتناسل وتتناسخ مثل الارانب، وتنفق المليارات لتمويلها.
لا نعرف من اعطى السلطات السعودية هذه القوة، ومنحها هذا “الفيتو”، ولماذا الصمت عليه من دول مثل مصر والعراق والجزائر والمغرب والكويت والاردن، والقائمة طويلة، وبأي حق هي التي تحجب من تشاء وتبقي من تشاء، باسم العرب والمسلمين، والجامعة العربية ومؤسساتها.
السلطات السعودية فعلت، وتفعل، كل هذا، وما هو اكثر، وانطلقت الآن من دائرة حرب التعتيم الاعلامي التي برعت فيها جيدا طوال الثلاثين عاما الماضية الى التدخل العسكري المباشر، وكل هذا تحت شعار حماية الشعوب، ونشر قيم العدالة الاجتماعية، وترسيخ قيم الديمقراطية، والقضاء العادل المستقل.
نفهم هذا التغول لو كانت الامبراطوريات الاعلامية السعودية، والاخرى الدائرة في فلكها، قمة المهنية والموضوعية والحيادية، ولا تعتمد اي اجندات خاصة وتحترم الرأي الآخر، ولا تضع قوائم سوداء وحمراء وصفراء لضيوفها، واذا كنا مخطئين حدثونا لو تفضلتم عن موضوعية “العربية”، ومهنية “الجزيرة” خاصة في الشؤون اليمنية والمصرية والليبية والسورية، افيدونا حول “اعتدال” وعدم طائفية اكثر من مئة قناة اسلامية تمولها الدول الخليجية، والسعودية منها على وجه الخصوص؟
السبب او الذريعة التي تستخدمها السلطات السعودية في وقف بث قناة “الميادين” ظهور ضيف ايراني على قناتها تهجم عليها اثناء كارثة الحج الاخيرة، كلام جميل، وعذر مقبول، ولكن من حقنا ان نسأل المسؤولين السعوديين، عما كانوا يتوقعون ان يكون رد فعل المسؤولين الايرانيين، عن مقتل اكثر من 300 من حجاجهم سحقا تحت الاقدام، واختفاء اكثر من مئتين لم يتم العثور على اي منهم حتى الآن، او الحصول على رد واضح حول مصيرهم وغيرهم المئات من الحجاج الآخرين من السلطات السعودية؟
هل يتوقع المسؤولون السعوديون من اب مكلوم، او ابن فقد والده، او الدته، ان يتعظ بالترتيبات السعودية الرائعة والعالية المستوى لموسم الحج، وان يشيد بحكومة خادم الحرمين الشريفين على رعايتها، وحرصها على ارواح الحجاج؟
مر اكثر من شهرين الآن على كارثة الحجاج، ولم نسمع او نقرأ حتى الآن رقما حقيقيا موثقا علميا عن عدد الضحايا، او مصير المجهولين، ولم نقرأ او نسمع، حتى كتابة هذه السطور، معلومات موثقة عن كيفية حدوث هذه الجريمة، ومن هو المسؤول عنها رغم وجود آلاف الكاميرات، ورغم تشكيل لجنة تقصي الحقائق، وكل ما سمعناه هو ارسال خادم الحرمين برقية تهنئة الى ولي عهده رئيس اللجنة العليا المشرفة على رعاية شؤون الحجاج وسلامتهم بمناسبة النجاح الكبير لجهوده في هذا الاطار.
اليمن افقر بلد عربي، وربما في العالم بأسره، يواجه قصفا يوميا، ومنذ سبعة اشهر، من اكثر من مئتي طائرة، من احدث ما انتجته المصانع الامريكية، تلقي بحممها على رؤوس اليمنيين، وتقتل وتدمر كيفما تشاء، وتقصف معامل للحليب وتعبئة المياه واعراس، وسط حصار بحري وجوي وبري خانق، اوصل اكثر من عشرين مليون يمني الى المجاعة، وبات خيار المواطن اليمني اما الموت جوعا، او قصفا، نعم.. الحوثيون يقصفون ويقتلون ايضا، ولكن من الذي ذهب الى حربهم؟ ومن البادي في اشعال فتيلها؟ ومن الذي انفق اكثر من 300 مليار دولار على شراء احدث الصواريخ والقذائف واشدها فتكا في السنوات الثلاث الماضية فقط، ويستخدمها حاليا في اليمن؟
ممنوع علينا وغيرنا الكتابة عن كل هذه القضايا بموضوعية، ممنوع ان نردد ما يقوله بان كي مون امين عام الامم المتحدة عن مقتل ما يقرب العشرة آلاف يمني، ممنوع ان نتحدث عن كارثة الحج، ونطالب بمعرفة عدد القتلى، هل هم 760 قتيلا؟ ام 2200 قتيل؟ ام اربعة آلاف؟.. ممنوع ان نتحدث عن اي اهمال او تقصير.. ممنوع ان نتطرق للتواطؤ العربي مع حلف الناتو، ودوره في تحويل ليبيا الى دولة فاشلة، تهيمن عليها الميليشيات المسلحة تماما، مثلما كان ممنوعا علينا ان نتعاطف مع اكثر من مليون عراقي قتلهم الحصار بعد غزو الكويت عام 1990، او اكثر من مليون بسبب الغزو والاحتلال الامريكي، واذا تحدثنا فاننا غير موضوعيين، وغير مهنيين، او مجوس، وعملاء لايران، مثلما كنا عملاء لصدام حسين، في نظر اسياد الموضوعية والمهنية، والقيم الديمقراطية، واصحاب البرلمانات التي لا يوجد لها مثيل في العالم، الذين يبكون دما حاليا على العراق وصدام اللذين تآمروا مع الامريكان على حصاره وتدميره.
لقد طفح كيلنا من غروركم وغطرستكم وعجرفتكم.. استمروا في هذا النهج، ونبشركم بانكم توحدون الغالبية الساحقة من فقراء العرب، واصحاب الضمائر الحية ضد انظمتكم.
احجبونا.. اطرودنا من عربساتكم.. امنعونا من قنواتكم ومطاراتكم.. واشتمونا كما شئتم.. سنظل نكتب ونكتب حتى ولو على الجدران.. وسننتصر دائما للمظلومين العرب، واولهم شعوبكم.. ولن ترهبونا مطلقا.
المال سيذهب.. وهو في طريقه للذهاب.. وعضلاته ستضمر وتنكمش وتذبل.. والسعيد من اتعظ بغيره.. والايام بيننا.
عبد الباري عطوان
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي
المصدر: أوكرانيا بالعربية