محاكمة الرئيس صدام.. ومحاكمة مرسي.. الاولى تحت احتلال ظالم.. والثانية في دولة مستقلة.. المقارنة ليست في محلها... بقلم عبد الباري عطوان

عندما اعلنت السلطات المصرية عن عزمها نقل وقائع جلسة محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي على الهواء مباشرة عبر القنوات التلفزيونية، تسمرنا امام القناة الرسمية المصرية لمتابعة الحدث، بحكم الفضول والمهنة معا، ولكن خيبة املنا كانت صادمة بكل ما تعنية هذه الكلمة من معنى. لم تكن هناك محكمة حقيقية، من حيث المداولات، وطروحات هيئة الدفاع، ولم يكن هناك اي بث حي وانما لقطات مسجلة مقتضبة، وشاهدنا الرئيس المصري المعزول يقف في قفص زجاجي، وكذلك اصحابه، وفي ملابس السجن البيضاء، وممنوع عليه الكلام، واذا تكلم فبضع كلمات فقط، لان القاضي هو الذي يتحكم بالصوت، ولذلك لجأ الرئيس مرسي الى لغة الاشارة التي يستخدمها من به صمم.

كييف/أوكرانيا بالعربية/عندما اعلنت السلطات المصرية عن عزمها نقل وقائع جلسة محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي على الهواء مباشرة عبر القنوات التلفزيونية، تسمرنا امام القناة الرسمية المصرية لمتابعة الحدث، بحكم الفضول والمهنة معا، ولكن خيبة املنا كانت صادمة بكل ما تعنية هذه الكلمة من معنى.

لم تكن هناك محكمة حقيقية، من حيث المداولات، وطروحات هيئة الدفاع، ولم يكن هناك اي بث حي وانما لقطات مسجلة مقتضبة، وشاهدنا الرئيس المصري المعزول يقف في قفص زجاجي، وكذلك اصحابه، وفي ملابس السجن البيضاء، وممنوع عليه الكلام، واذا تكلم فبضع كلمات فقط، لان القاضي هو الذي يتحكم بالصوت، ولذلك لجأ الرئيس مرسي الى لغة الاشارة التي يستخدمها من به صمم.

نشعر بالاسف لهذه المعاملة، لرئيس جمهورية منتخب، وجمهورية مصر العربية بالذات، صاحبة تاريخ حضاري عميق، وثورة من اهم الثورات الشعبية في التاريخ الحديث، ثورة من اجل العدالة وحقوق الانسان وقيم الديمقراطية في القضاء العادل المستقل وحرية التعبير.

قارنت بين محاكمة الرئيس مرسي، ومحاكمة رئيس عربي آخر هو صدام حسين، فوجدت ان الفارق شاسع جدا، وانا اتحدث هنا ليس فقط عن الاجراءات والنتائج والاحكام وانما على ظروف المحاكمتين، وطبيعة التهم، وفوق كل هذا وذاك طريقة المعاملة للمتهمين.

الرئيس الراحل صدام حسين ورفاقه وقفوا جميعا في قفص واحد، وكان الرئيس صدام طوال فترة المحاكمة، التي امتدت لاشهر ولعدة ساعات يوميا، يرتدي الملابس المدنية، وفي ذروة اناقته، يتأبط قرانه، ويقف وسط مساعديه، وما زلت اذكر معطفه الاسود الشهير، ويقف على بعد مترين فقط من القاضي ومساعديه والمدعي العام.

القفص لم يكن مغلقا ولا زجاجيا، ودون اي فواصل، واعطى القضاة الحق الكامل والحرية المطلقة للرئيس العراقي ورفاقه في الدفاع عن انفسهم، وتفنيد التهم الموجهة اليهم، وانتقاد القضاة، والتشكيك في صدقيتهم ونزاهتهم دون اي مقاطعة، وفي بث تلفزيوني على الهواء، يتابعه العالم بأسره وليس اهل العراق فقط.

نحن هنا لا نمدح المحكمة العراقية التي انبثقت من رحم احتلال امريكي ظالم اودى بأرواح اكثر من مليون عراقي، ويتّم اكثر من اربعة ملايين طفل ودمر بلدا عزيزا كريما ونهب ثرواته، وفرقه طائفيا، وانما نقارن فقط، بين محكمة في دولة محتلة، واخرى من المفترض انها دولة مستقلة شهدت ثورة شعبية احتلت العدالة وحقوق الانسان والحريات قمة مطالبها.

الرئيس مرسي تعرض للعزل، من ثم الاعتقال، ليس لانه ارتكب جرائم تستحق المحاكمة والقصاص، وانما لانه حسب معتقليه، فشل في الحكم، رغم ان حكمه لم يستمر اكثر من عام، كان حافلا بالاضرابات والمظاهرات والحملات الاعلامية التضليلية، اي ان التهم التي يحاكم على اساسها تهم سياسية، والا كيف تم السماح له بالترشح لانتخابات الرئاسة والفوز فيها؟

حتى التهم الموجهة الى الرئيس مرسي ليست مقنعة على الاطلاق، بالنسبة لنا على الاقل، فالرجل لم يقتل ولم يسرق، ولم يفسد في الارض، ولم يغلق محطة تلفزيونية او صحيفة واحدة، وهو الذي تعرض الى ابشع حملات السباب والشتم وصلت في بعض الاحيان الى الخوض في الخصوصيات، وتلفيق قصص مسيئة، حتى لو كان يريد ان يسرق او يفسد فانه لم يعط الوقت لذلك.

الرئيس مرسي كان واضحا عندما دفع ببطلان المحكمة، واكد ان ما اطاح به انقلاب عسكري، بالتواطؤ من وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، فهذه هي الحقيقة، مثلما كان محقا عندما احتج على مخاطبة القاضي له باسمه مجردا، (قول يا مرسي) الامر الذي دفعه للرد بأدب قائلا "انا الدكتور محمد مرسي، رئيس الجمهورية، وليس المتهم محمد مرسي"، فالقاضي يجب ان يتحلى بأدب المخاطبة، وعليه ان يحفظ للناس مقاماتهم لان هذا من قيم النزاهة والحيادية.

علاوة على كونه من طبائع الشعب المصري واخلاقه الحميدة، فلم يخاطبني مصري او غيري، الا ويقول "سيادتك" قبل اسمي، ناهيك عن كلمات مثل "بيه" و"باشا" و"استاذ".

ثم ما هي التهم الموجهة للرئيس مرسي؟ الفرار من سجن هجره حراسه، ام التخابر مع حركة حماس "العدو اللدود" للامة العربية، والمحتلة لمقدساتها في فلسطين المحتلة؟

نختلف مع الرئيس مرسي في بعض القضايا لانه ارتكب بعض الاخطاء، سواء كان ذلك عائدا لانعدام الخبرة، او لضعف البطانة وجهلها بأمور الادارة والحكم، وكنا نتمنى "مرونة" و"تعايشا" مثل ذلك الذي نراه في التجربة التونسية، ولكن هذا لا يعني اهانة الرجل ورفاقه بهذه الطريقة، ومعاملتهم كمجرمين، وهم وانصارهم الضحايا لاعمال قتل وقمع واقصاء، ويكفي الاشارة الى مقتل خمسين متظاهرا بريئا قبل يومين بمناسبة الذكرى الثالثة للثورة، فمن سيحاكم قتلتهم؟

رئيس مصر المنتخب المعزول يستحق معاملة افضل، ترتقي الى مستوى مصر العظيمة، وثورتها المشرفة، وتراثها الحضاري العميق، ومن المؤلم ان المحاكمة التي شاهدنا بعض فصولها لا توحي بذلك على الاطلاق.

عبد الباري عطوان
رئيس تحرير القدس العربي سابقا
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي


المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
أوكرانيا تتلقى مليار يورو من الاتحاد الأوروبي على حساب الأصول الروسية المجمدة
يمثل تحويل مليار يورو إضافي من أرباح الأصول الروسية المجمدة إلى أوكرانيا خطوة ملموسة في تفعيل أدوات العدالة المالية ضد موسكو، وتسخيرها لدعم استقرار كييف وإعادة إعمارها
سياسة
الصين تحقق في احتجاز اثنين من مواطنيها في أوكرانيا بتهمة محاولة تصدير تكنولوجيا صواريخ
يثير احتجاز مواطنين صينيين في كييف بشبهة محاولة تصدير تكنولوجيا عسكرية حساسة، تساؤلات حول أبعاد التنافس الاستخباراتي في زمن الحرب وتنامي مخاطر تسريب التكنولوجيا الدفاعية الأوكرانية
سياسة
روسيا مذنبة في حادث تحطم الطائرة MH17 وانتهاكات حقوق الإنسان في أوكرانيا - تفاصيل قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان
في حكم تاريخي اعتُبر سابقة قانونية على المستوى الأوروبي، أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان روسيا بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وبتورّطها المباشر في إسقاط الطائرة الماليزية MH17 عام 2014.
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
القائم بأعمال أوكرانيا لدى ماليزيا: الحياد صعب في عالم غير مستقر
ميخايلوك: الحياد يتطلب من الدول اتخاذ إجراءات متوازنة وواضحة ومتسقة، بما في ذلك إدانة انتهاكات القواعد.
آراء ومقالات
رأي: البنتاغون ضد أوكرانيا؟ ما الأسباب الحقيقة وراء تعليق واشنطن شحنات الأسلحة؟
صحيفة: مساعدة أوكرانيا هي أفضل سبيل للحفاظ على الأمن القومي الأمريكي والاستقرار العالمي
سياسة
نواب في برلمان ليتوانيا يدعون إلى عدم الانجرار وراء الحملة الإعلامية لدعم "حليف بوتين" فاردانيان
برلمانيون ليتوانيون: فاردانيان أداة موسكو لتعطيل التوجه الأوروبي لأرمينيا
اختيار القراء
سياسة
روسيا مذنبة في حادث تحطم الطائرة MH17 وانتهاكات حقوق الإنسان في أوكرانيا - تفاصيل قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان
في حكم تاريخي اعتُبر سابقة قانونية على المستوى الأوروبي، أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان روسيا بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وبتورّطها المباشر في إسقاط الطائرة الماليزية MH17 عام 2014.
سياسة
أوكرانيا تتلقى مليار يورو من الاتحاد الأوروبي على حساب الأصول الروسية المجمدة
يمثل تحويل مليار يورو إضافي من أرباح الأصول الروسية المجمدة إلى أوكرانيا خطوة ملموسة في تفعيل أدوات العدالة المالية ضد موسكو، وتسخيرها لدعم استقرار كييف وإعادة إعمارها
سياسة
الصين تحقق في احتجاز اثنين من مواطنيها في أوكرانيا بتهمة محاولة تصدير تكنولوجيا صواريخ
يثير احتجاز مواطنين صينيين في كييف بشبهة محاولة تصدير تكنولوجيا عسكرية حساسة، تساؤلات حول أبعاد التنافس الاستخباراتي في زمن الحرب وتنامي مخاطر تسريب التكنولوجيا الدفاعية الأوكرانية
سياسة
الدفاع الجوي يحيّد أكثر من 90% من الأهداف الجوية الروسية
شنّت روسيا هجومًا جويًا واسع النطاق آخر على أوكرانيا، مستخدمةً 415 طائرة مُسيّرة وصاروخًا. إلا أن قوات الدفاع الجوي نجحت في تحييد أكثر من 90% من أهداف العدو
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.