أوكرانيا بالعربية | تظاهرات كييف: أوكرانيا تواجه خطراً كبيراً... بقلم كولين فريمان

اتبعت الحكومات الأوكرانية المتعاقبة استراتيجية مألوفة تقضي بملاحقة الخصوم السياسيين قضائيّاً، وسجنهم، وأحياناً تسميمهم، ولا شك أن مجموعات الدفاع عن حقوق الإنسان تغضب في حالات مماثلة، ويستاء الاتحاد الأوروبي، ولكن من المستبعد فرض عقوبات على أوكرانيا، فضلاً عن أن فلاديمير بوتين في موسكو سيكون مستعدّاً لتقديم الدعم الضروري.

كييف/أوكرانيا بالعربية/اتبعت الحكومات الأوكرانية المتعاقبة استراتيجية مألوفة تقضي بملاحقة الخصوم السياسيين قضائيّاً، وسجنهم، وأحياناً تسميمهم، ولا شك أن مجموعات الدفاع عن حقوق الإنسان تغضب في حالات مماثلة، ويستاء الاتحاد الأوروبي، ولكن من المستبعد فرض عقوبات على أوكرانيا، فضلاً عن أن فلاديمير بوتين في موسكو سيكون مستعدّاً لتقديم الدعم الضروري.

ولكن كما سيكتشف الرئيس فيكتور يانوكوفيتش قريباً على الأرجح، أن معاملة تؤدي الخصوم بهذه الطريقة إلى مشكلة كبيرة: يعني ذلك أنه لن يجدهم عندما يكون بأمس الحاجة إليهم، فمع نزول الناس إلى الشارع في العاصمة كييف في تظاهرات مناهضة للحكومة تحوّلت أخيراً إلى حرب شوارع مفتوحة، يبقى الخيار الأفضل أمام يانوكوفيتش اليوم لإعادة الهدوء إلى البلاد هو التواصل مع قادة المعارضة الرئيسيين. ويلي ذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية وفسحة بسيطة من الحرية قبل الانتخابات المقبلة المقرر عقدها في شهر فبراير عام 2015.

من المؤسف أن المعارضة الرئيسة بحد ذاتها مفككة، خصوصا أن زعيمتها الأبرز يوليا تيموشينكو، الحسناء الشقراء من الثورة البرتقالية عام 2004، تمضي اليوم سبع سنوات في السجن بعد أن وُجِّهت إليها تهم بالفساد؛ لذلك بدل التمكن من التحاور مع قادة ذوي مصداقية، بات على يانوكوفيتش مواجهة جموع غاضبة يبدو أنها لا تأبه بالقوانين الجديدة الصارمة التي تحظر كل أشكال التظاهر المشروعة تقريباً.

يذكر جيمس شير من "تشاتمان هاوس"، مؤسسة فكرية تُعنى بالسياسة الخارجية مقرها في لندن: "بخلاف الثورة البرتقالية عام 2004، نلاحظ اليوم غياب أي معارضة فاعلة أو متماسكة. لا تملك الحكومة مَن تتفاوض معه سوى مجموعة من الرعاع، علماً أن هذا الوضع هو من صنع يديها".

الحق يُقال، لم تبذل المعارضة جهداً يُذكر لتتميز منذ الأيام الحماسية للثورة البرتقالية، عندما ساعدت التظاهرات في كييف تيموشينكو على قلب التلاعب بالانتخابات لمصلحة نظام يانوكوفيتش الموالي للكرملين. في تلك الفترة، احتلت هي وشريكها في المعارضة فيكتور يوشينكو، الذي شُوّه وجهه بسبب محاولة تسميم، غلافَي مجلتَي ايللي وتايم. 

ولكن كما هي الحال مع طرق الديمقراطية المثيرة للمشاكل، لم يحقق مَن اعتُبروا مثال الفضيلة في المعارضة النجاح في الحكم، فكثرت الخلافات بينهم، مما أتاح ليانوكوفيتش الفوز مجدداً في الانتخابات بجدارة عام 2010. إذاً، ماذا سيحدث اليوم؟ تبدو خيارات يانوكوفيتش محدودة، ففي سَنّه قانوناً يفرض عقوبة سجن مدتها خمس سنوات على جريمة التظاهر أمام مبنى عام، وضع المتظاهرين أمام خيارين: إما الرضوخ أو الموت. ولقي ثلاثة منهم أخيراً حتفهم برصاص النظام. إذاً، باتت هذه المسألة مرتبطة اليوم بمن يستطيع الصمود فترة أطول. فإذا تراجع يانوكوفيتش، يخسر مصداقيته. أما إذا واصل إطلاق النار على المتظاهرين، فسيمنح أوروبا والولايات المتحدة العذر الذي يريدانه لفرض عقوبات تستهدفه هو والمقربون منه على الأرجح.

صحيح أن قواته الأمنية تستطيع إخلاء ساحة يكسوها الثلج في وسط مدينة كييف، ولكن من شبه المستحيل أن تتمكن من قمع تظاهرات تعم البلاد. لا يقتصر الانقسام الروسي-الأوروبي في أوكرانيا على ما إذا كان هذا البلد يرغب في حكومة شبيهة بالكرملين أو بالنمط الأوروبي، بل يشمل أيضاً اللغة والقومية، صحيح أن المشاعر الموالية للكرملين في الشرق الناطق بالروسية قوية، إلا أن الوضع مختلف في الغرب، حيث تسود القومية الأوكرانية، وما زالت ذكريات زمن الاتحاد السوفياتي المرة حية.

قد يتبيّن ليانوكوفيتش أن مجالس البلدات والمدن في تلك المنطقة غير مستعدة لتفريق حشود المتظاهرين خارج مبانيها، حتى إنها قد تشجعها، كذلك قد تنشق وحدات من الجيش والشرطة المحلية، رافضةً سلطة الحكومة، علماً أن هذا سيناريو يقلق اليوم يانوكوفيتش بعد أن أقال قائد القوات البرية الأوكرانية قبل أيام قليلة مع كثرة الشكوك حول ولائه. صحيح أن روسيا تستطيع نظريّاً إرسال جنود لدعمه، لكن هذا سيبقى الحل الأخير، بما أنه قد يزيد الطين بلة.

يذكر أندرو ويلسون من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "قد يخسر يانوكوفيتش سيطرته على غرب أوكرانيا حتى كييف بحد ذاتها، ولا نعلم ما إذا كان سيتمكن من تطبيق هذه القوانين الجديدة، علماً أن المعارضة سترفضها بالتأكيد. حتى إن بعض الناس بدؤوا يتحدثون عن أشكال مقاومة غير سلمية".

شملت أشكال المقاومة هذه حتى اليوم استهداف منازل شخصيات النظام والتحليق بطائرات من دون طيار فوق منازل الوزراء لإظهار حياة الترف التي يعيشونها، فضلاً عن أعمال محدود من التخريب، ولا نعلم كم سيتفاقم هذا الوضع، مع أن عادة يانوكوفيتش نشر أعوانه بثياب مدنية بين المتظاهرين لن يكون لها فائدة تُذكر.

ولكن في مطلق الأحوال، لا يبدو أن التظاهرات المستمرة، منذ تبديل يانوكوفيتش موقفه قبل شهرين بشأن الصفقة التجارية مع أوروبا، ستهدأ في المستقبل القريب. صحيح أن يانوكوفيتش يفضل إقامة روابط أقوى مع النظام الأكثر استبداداً في روسيا، إلا أن الثورة البرتقالية خلّفت إرثاً وحيداً: اعتبار الأوكرانيين اليوم حرية التعبير والتظاهر حقّاً مكتسباً. وبغض النظر عن مساوئ المعارضة الأخرى، لا شك أن محاولة سلبها هذا الحق ستلقى الفشل.

كولين فريمان

رئيس المراسلية الخارجية 

لصحيفة صندي تيليغراف 

المصدر:ذا تيليغراف

ترجمة: الجريدة


مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
وزير خارجية أوكرانيا يناقش العلاقات الثنائية مع نظيره الهندي
سياسة
البرلمان الأوروبي يدعو إلى رفع جميع القيود المفروضة ضرب العمق الروسي بالأسلحة الغربية
سياسة
بلانار: عضوية أوكرانيا في الناتو ستخلق المزيد من الصراعات
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
انعقاد القمة الرابعة لمنصة القرم في كييف
آراء ومقالات
روسيا تنتهك اتفاقيات جنيف.. إعدام وتعذيب أسرى الحرب الأوكرانيين
آراء ومقالات
روسيا تحرم ملايين الأطفال من طفولتهم
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.