أوكرانيا بالعربية | تجديد الخطاب الديني.. تنقية المنقول وتأصيل المعقول... بقلم هيام محي الدين

أستعرضت في المقال السابق تاريخ الفكر الإسلامي من عصور الازدهار إلى عصور الجمود والاتباع والنقل إلى عصر التنوير وانتهاء بردة الفكر الإسلامي بفعل مؤامرة مقصودة تولاها ألد أعداء العروبة والإسلام إلى فكر شديد الانغلاق والتخلف والتطرف ؛ وقد كانت جذور هذا الفكر موجودة على الساحة العربية والإسلامية متمثلة في الفكر الوهابي في الجزيرة العربية؛ وجماعة الأخوان المسلمين في مصر وكانت المملكة السعودية من 1952 إلى نهاية 1957 هي الممول الرئيسي لنشر الفكر المستنير للإسلام المنتج في مصر لمختلف لغات الأرض حتى نجحت سياسة الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور في الوقيعة بين مصر والسعودية ؛ واحتضنت المملكة أعضاء جماعة الإخوان الهاربين من مصر والذين اتحدوا مع فكر الوهابيين وساعدوا على تكريسه وبوصول فكر أبي الأعلى المودودي إلى سيد قطب في سجنه وصدور كتابه "معالم في الطريق" اكتملت فصول المؤامرة وعاد الفكر المعبر عن الإسلام مرة أخرى إلى مربع التخلف والتطرف.

كييف/أوكرانيا بالعربية/أستعرضت في المقال السابق تاريخ الفكر الإسلامي من عصور الازدهار إلى عصور الجمود والاتباع والنقل إلى عصر التنوير وانتهاء بردة الفكر الإسلامي بفعل مؤامرة مقصودة تولاها ألد أعداء العروبة والإسلام إلى فكر شديد الانغلاق والتخلف والتطرف ؛ وقد كانت جذور هذا الفكر موجودة على الساحة العربية والإسلامية متمثلة في الفكر الوهابي في الجزيرة العربية؛ وجماعة الأخوان المسلمين في مصر وكانت المملكة السعودية من 1952 إلى نهاية 1957 هي الممول الرئيسي لنشر الفكر المستنير للإسلام المنتج في مصر لمختلف لغات الأرض حتى نجحت سياسة الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور في الوقيعة بين مصر والسعودية ؛ واحتضنت المملكة أعضاء جماعة الإخوان الهاربين من مصر والذين اتحدوا مع فكر الوهابيين وساعدوا على تكريسه وبوصول فكر أبي الأعلى المودودي إلى سيد قطب في سجنه وصدور كتابه "معالم في الطريق" اكتملت فصول المؤامرة وعاد الفكر المعبر عن الإسلام مرة أخرى إلى مربع التخلف والتطرف.

وقامت المخابرات الأمريكية بسحب كتب الاستنارة والمعاصرة التي تشرح حقيقة الإسلام من أسواق الكتاب في أوروبا والولايات المتحدة وإعدامها ؛ وروجت في مقابلها لأفكار سيد قطب وفتاوي الوهابية التي تنكر حقائق العلم الحديث " صدرت في الستينيات فتاوى وهابية تكفر من يقول بكروية الأرض ؛ وقوانين الجاذبية ؟!! " إلى جانب فكر سيد قطب الذي يكفر المجتمع ويدعو إلى تغيير النظم الحاكمة بالعنف والتدمير ؛ مما قضى على فرص انتشار الإسلام في أوروبا والولايات المتحدة ؛ إذا أصبح ما يعرض من الإسلام على العقل الأوربي مظهرا شكلياً تمثل في إطلاق اللحى وارتداء الجلباب والنقاب والحجاب وفكر عنصريا يرفض الآخر ويكفره ؛ وكان التراث الديني الذي تم تأليفه وتصنيفه  في عصور الانهيار السياسي والحضاري والفكري للأمة مصدراً هائلاً لدعم الفكر المتطرف ؛ واستغل هؤلاء المتطرفون أفكار الفقهاء والمفسرين وأئمة المذاهب التي تنتمي لعصرها وعلومه ومعارفه وقاموا بفرضها كحقائق دينية وثوابت عقائدية مع أنها اجتهاد بشري ينتمي لزمانه ومكانه ومعارف وعلوم عصره ؛ وجعلوا مجرد مناقشتها كفرا وخروجا على ثوابت الدين وردة توجب القتل ؛ ونظراً لشيوع الأمية وضعف الثقافة العامة والإرهاب الذي تعرض له المفكرون المستنيرون انتشر هذا الفكر الملئ بالخرافة والجهل والتنطع على أساس أنه الإسلام الحقيقي ؛ وأصبح العثور على كتاب من كتب الاستنارة والعرض القوي الناصع لعظمة الإسلام شيئاً يدخل في دائرة المستحيل ؛ وبتمويل وتخطيط أمريكي شنوا حملة شعواء ضارية على أصحاب الفكر النقدي والرؤى المستنيرة المعاصرة فاتهموها بالكفر والعلمانية والعمالة بل وصل بهم الأمر إلى تصفيتهم جسديا ؛ ولم يكتف المدبرون الكبار للمؤامرة بمجرد القضاء على فرص انتشار الإسلام في بلادهم بل استخدموا عناصر التخلف والتطرف في تحقيق أهدافهم السياسية والإمبراطورية كقوى عظمى كما حدث في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان وتونس ، وليبيا ، والجزائر ، ومصر والسودان ؛ فشوهوا الإسلام واستغلوا طاقات وقدرات وحماس وتطرف هذه الجماعات لتحقيق مصالحهم في المنطقة والعالم.

فأصبحنا اليوم أمام تحد وجودي .. نكون أو لا نكون .. أما أن نعيد ديننا العظيم دينا يخاطب العقل ويسمو بالوجدان ويكرم الإنسان كما أنزله الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإما أن نستسلم أمام تقديس الخرافة وتأليه صانعيها وناقليها ؛ وعلينا أن نبدأ بتنقية ما وصل إلينا من اجتهادات الفقهاء وآراء المفسرين وروايات المحدثين من الخرافة والغثاثة وتقديس البشر من الفقهاء والمفسرين والرواة والمحدثين ؛ تنقية تعتمد على النص الثابت والمبادئ الراسخة ؛ التي تتسق مع إنسانية الإسلام وسماحته وإعلائه لمبدأ حرية الإنسان ومسئوليته عن أفعاله الذاتية التي لا تتصل بحقوق الآخرين أمام الله وحده وليس أمام بشر مخلوق مثله ، كما أن علينا أن نعيد تأمل النصوص الثابتة " القرآن الكريم ؛ والسنة المتواترة ؛ وما صح من الرواية بالبرهان الناصع " لنصل إلى المقصود الإلهي منها في ضوء معطيات العصر وما وصل إليه العلم وما بلغه المجتمع البشري من تطور وتقدم وأن ندعو إلى ثوابت الإيمان بالحجة والبرهان لا بالنقل والزور والبهتان ؛ فكل ما ليس وحيا من الله عرضة للصواب والخطأ والصدق والكذب ؛ وخاضع لتحكيم العقل والمنطق والعلم فيه ؛ فلا قداسة لفهم بشري للنص المنزل فمن حقنا أن نناقش ما نقل عن القدماء من مفاهيم ورؤى للنص ، وأن نأخذ بما نقتنع بصوابه وصحته ؛ ونطرح ما لا يتسق مع مبادئ الدين الثابتة ومقاصد الشريعة الشاملة وما يتعارض مع العلم والعقل ومصالح الأمة ؛ وعلى أساس من هذا المنطلق الفكري يجب أن تتم مراجعة شاملة لكل مناهج التعليم في جميع المراحل – خاصة مناهج المعاهد الأزهرية – فليس من المعقول أن تقرر كتب تراثية مليئة بالخرافة والتعصب ورفض وتكفير وإهانة المخالفين في العقيدة أو المذهب ؛ وبنفس صياغتها اللغوية القديمة على طلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية بالمعاهد الأزهرية ؛ فمكان دراسة مثل هذه الكتب هو الجامعة والدراسات العليا التي يمكن أن تتعرض لها كفكر إنساني مرتبط بعصره ومكانة وثقافة ومعارف مؤلفيه وليس كدين ملزم ؛ فمن المسلم به أن الفقه يرتبط بزمان معين ومكان محدد وثقافة سائدة ومتطلبات ومصالح تجاوزها الزمن والعلم والثقافة والتطور ؛ وعلى مؤسسة الأزهر ، أن تعيد بناء أفكارها ومناهجها ودعوتها على أساس حقائق الإسلام المستنير الذي يضع الصدق والأمانة والعدل والعفو والحرية أساسا لمبادئه التي تنظم العلاقة بين البشر ؛ أما العقيدة فمستقرها القلوب والعبادة أساسها التوجه والنية ولا يعلم ما استقر في القلب وتوجه الإنسان ونيته إلا خالقه ولا علاقة لمخلوق بعقائد الآخرين ولا نواياهم وإنما تبنى علاقته على ظاهر سلوكهم وتعاملهم الذي تحدده مبادئ الإسلام في السلوك وأكررها " الصدق والأمانة والعدل والعفو والحرية " وهي المبادئ الخمس التي تحدد علاقة المسلم بمجتمعه البشري الذي يعيش فيه وهي المبادئ التي يحق للمجتمع محاسبته عليها وإلزامه بها ؛ أما العقيدة والعبادة فالمحاسب عليها هو الخالق وليس المخلوق ؛ وعلى أساس من هذه الخطوط الفكرية ينبغي أن تكون الدعوة المستنيرة ، والخطاب الديني البناء ، الذي ينشر المحبة والتسامح والعفو ومكارم الأخلاق.

هيام فوزى محى الدين

كاتبة و صحفية وإعلامية مصرية

رئيسة تحرير جريدة شبكة أخبار المشاهد المصرى الإلكترونية
المصدر: أوكرانيا بالعربية



مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
كندا ترسل 50 ناقلة جند مدرعة إلى أوكرانيا
سياسة
أوكرانيا والدنمارك توقعان خطاب نوايا لشراء المعدات العسكرية الأوكرانية
سياسة
الأمين العام لحلف الناتو يزور أوكرانيا
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.