أوكرانيا بالعربية | تجديد الخطاب الديني.. انقسام الأمة وتطرف الفكر... بقلم هيام محي الدين
كييف/أوكرانيا بالعربية/كانت أحداث الفتنة الكبرى التي بدأت بالثورة على الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه عام 35 هـ وانتهت بمقتل الإمام على بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين رضي الله عنه وتنازل ابنه الحسن سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاوية عام 40هـ وما تخللها من أحداث ومعارك " موقعة الجمل " بين على بن أبي طالب من جانب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ومعهم أم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر رضوان الله عليهم أجمعين من جانب آخر ، ثم موقعة صفين بين على ومعاوية ؛ ومأساة التحكيم ثم مقتل الإمام على في رمضان عام 40هـ ؛ تشكل لي مأزقا فكريا مرعبا فقد تربيت على احترام كل هذه الشخصيات من كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب السبق إلى الإيمان والجهاد الرائع العظيم في سبيل الله والإسلام.
حتى قرأت السفر الضخم الرائع الذي كتبه الدكتور طه حسين بعنوان " الفتنة الكبرى " ؛ ففي المجلد الثاني من هذا السفر العظيم " على وبنوه " أثبت الدكتور طه بالوقائع والأرقام أن اختلاف مناهج التفكير والاجتهاد والرأي لدى كل فريق هو ما أوصلهم إلى الاقتتال ؛ الذي لم تكن له علاقة بعقائد الدين أو عباداته أو مبادئه في السلوك ؛ فقد كان الصراع سياسياً محضاً ؛ وكان قوم ممن اعتزلوا المشاركة في الصراع يأكلون على مائدة معاوية ويصلون خلف على ؛ أي أن مبادئ الدين وشرائع الإسلام ؛ وكتاب الله وسنة رسوله لم تكن موضع خلاف بين أطراف الصراع ؛ كما أنهم كانوا يقرون جميعاً بمبدأ الشورى في اختيار من يتولى أمور المسلمين وحكمهم ؛ ولم يدع أحد منهم أن له حقا إلهيا أو وصية نبوية أو وعدا مقدساً بأن يكون الحكم له أو يورث في ذريته.
ولكن المؤيدين للإمام على والذين خرجوا عليه بعد التحكيم لم ترض أي فئة منهما عن النتيجة التي انتهت إليها أحداث الفتنة الكبرى ؛ فقد رأى أنصار الإمام أن الخلافة لا ينبغي أن تخرج من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قصروهم على الإمام على وابنيه من السيدة فاطمة الزهراء " الحسن والحسين وسموا أنفسهم بالشيعة ؛ ورأى الذين خرجوا على الإمام بعد التحيكم أن معاوية مغتصب للخلافة بالخديعة ولا يستحقها وهناك من هو أحق منه بها ؛ ومضى كل حزب من الحزبين يسجلون على معاوية وولاته ما يتجاوزون فيه حدود الحق والعدل ؛ ويؤكد الدكتور طه هذه النشأة الأولى للشيعة والخوارج كأحزاب سياسية معارضة للحكم القائم المتمثل في معاوية ومن خلفه من الأمويين على مبدأ الوراثة لا مبدأ الشورى.
والخلاصة ان الشيعة في نظر الدكتور طه هي فرقة أنشئت وتكونت بعد مقتل الإمام على بأعوام قليلة ، وأنها كانت حزبا معارضاً لسياسة الأمويين التي تتسم في نظرهم بالجور والفساد ؛ وأن هذه المعارضة كانت تظهر تارة في قالب الثورة ؛ وحينا بإعلان السخط والتشنيع على الحاكم ونظام حكمه ؛ ولكن ما تعرض له آل البيت من قتل وتمثيل واضطهاد أدى إلى تحول الحزب السياسي المعارض إلى استخدام الدين لتأكيد أحقيته في الحكم فتحول الحزب السياسي إلى مذهب ديني مرجعيته الأئمة من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على فالحسن فالحسين ثم الأئمة من نسل الحسين وتفرعت منهم الفرق ما بين وسطين كالزيدية ومغالين كالعلوين والدروز وإن كان غالبيتهم اليوم ينتمون إلى الإمامية الإثنا عشرية ثم الإسماعيلية ؛ وانتهى بهم الأمر إلى تكفير من لا يتبع مذهبهم أما الحزب المعارض الثاني " الخوارج " فقد كانوا الأسبق في استخدام مبدأ تكفير معارضيهم وإخراجهم من الملة واعتبارهم مرتدين يجب قتالهم وقتلهم بل وصلت بعض فرقهم إلى تكفير الأمة كلها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن فيهم كبار الصحابة ؛ وقد أخذ الشيعة عنهم هذا المبدأ فيما بعد وتطاولو وفسقوا الخلفاء قبل الإمام على " أبو بكر وعمر وعثمان " على أنهم اغتصبوا حق على في الخلافة.
كما تطاولوا بشكل مستفز على كل من عارض خلافة على وعلى رأسهم أم المؤمنين السيدة عائشة وطلحة والزبير رضوان الله عليهم أجمعين ناهيك عما نال معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص من سب ولعن في كتاباتهم ؛ مما دفع أهل السنة إلى تكفيرهم وتسميتهم بالروافض ؛ وانقلب الخلاف السياسي ؛ إلى مذهبية دينية متطرفة ومتعصبة أدت إلى مقتل الملايين على الهوية المذهبية ؛ وإلى صراع طويل فتت وحدة الأمة وفرقها شيعا ومذاهب يكفر كل منها الآخر ويستبيح دمه ؛ واستغل أعداء الإسلام خاصة اليهود هذا الخلاف فدسوا سمومهم لإشعال الفتن عن طريق تأليف ونشر عقائد فاسدة وبعيدة بشكل كامل عن العقيدة الإسلامية مثل مذهب الشيعة السبئية الذي وضعه يهودي اعتنق الإسلام اسمه عبد الله بن سبأ ، وحرضوا على النيل من صحابة رسول الله الذين عارضوا الإمام علي ؛ وشاع بينهم إهانة سيرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ؛ رغم أن عقائد وعبادات ومبادئ سلوك مذاهب الشيعة الكبرى كالإمامية والإسماعيلية والزيدية لا خلاف بينها وبين عقائد وعبادات ومبادئ سلوك أهل السنة.
إلا اختلافات فقهية لا تمس عقيدة ولا عبادة ؛ ولا تختلف كثيراً عن الاختلافات الفقهية بين مذاهب أهل السنة بعضها مع البعض الآخر وقد انتهى تاريخيا جوهر الاختلاف الرئيسي بظهور الدولة المدنية الحديثة التي يختار شعبها حاكمه بطرق لا علاقة لها بالحق الإلهي الذي ساد في العصور الوسطى ؛ حتى إيران التي تدين بالمذهب الشيعي الإمامي ابتكرت نظاما خليطا بين ولاية الفقيه الذي يمثل الإمام الغائب وبين الانتخابات العامة لرئيس وبرلمان ؛ مما يؤكد انتهاء القضية الرئيسية للانقسام المذهبي القديم ؛ ورغم ذلك فإن القوى المعادية للإسلام والمتمثلة في الولايات المتحدة وإسرائيل والتي يضر بمصالحها استقرار المنطقة وقيام قوى إقليمية متوافقة المصالح تدافع عن ثرواتها ووجودها وقضاياها مارست سياسات تشجع الجماعات المتطرفة والأفكار المتشددة وتسلح هذه الجماعات وتدعمها وتغرس بذور الفتنة والتناحر والتفكك باسم الدين ومولت وسلحت هذه الجماعات ذات الفكر المتطرف واستخدمتها في أحيان كثيرة لضرب أعدائها.
ولكن الهدف الرئيسي كان تفتيت المنطقة إلى كيانات متناحرة دينيا ومذهبيا وقوميا يقاتل بعضها بعضا ويكفر بعضها بعضا وينتشر فيها الإرهاب والقتل على الهوية ثم إثارة الأطماع القومية لدى الفرس والترك لاستعادة أمجادهم الإمبراطورية على حساب الأمة العربية ودولها ؛ ومن المؤسف أن الجميع يسير في الطريق الذي رسمته أمريكا وإسرائيل وأسهم التعصب المقيت والخطاب الديني المتشدد ؛ واتباع الفتاوي المحرضة على العنف والقتل ورفض الآخر ودعاوي الاستفزاز وإهانة معتقدات المعارضين ؛ وتكفيرهم ؛ والدعوة إلى قتلهم بل وممارسة هذا القتل فعلا بأبشع الطرق وأبعدها عن الإنسانية ؛ كل ذلك أسهم بصورة واضحة في تحقيق أهداف أعداء الأمة والإسلام والعروبة ؛ ولن يكسب الفرس ولا الترك ولا العرب شيئاً من انزلاقهم إلى مستنقع الحروب الإقليمية ؛ بل سينتهي الأمر – إن لم نستفق – إلى انهيار كل هذه القوى الإقليمية لصالح المشروع الأمريكي الصهيوني ؛ فهل نستطيع من خلال تجديد خطابنا الديني أن نقود المنطقة إلى الاستقرار والتعاون ، وتبادل المصالح المشتركة لنقضي على مؤامرات ألد أعدائنا.
هيام فوزى محى الدين
كاتبة و صحفية وإعلامية مصرية