أوكرانيا بالعربية | ثـرثـرة حـول تـقـريـر تـشـيـلـكـوت... بقلم حسن زايد

ربما يتيسر للأجيال القادمة الإطلاع علي ـ أو حول ـ تقرير لجنة تشيلكوت ، إطلاعاً حراً ، أو كجزء من منهج التاريخ المقرر . ولا شك أن رؤيتهم ستختلف عن رؤيتنا ، لأن رؤيتهم من خارج الإطار الزمني والمكاني تكون أعم وأشمل من رؤية من هو في قلب الحدث الذي يري شيئاً وتغيب عنه أشياء

كييف/أوكرانيا بالعربية/ربما يتيسر للأجيال القادمة الإطلاع علي ـ أو حول ـ تقرير لجنة تشيلكوت ، إطلاعاً حراً ، أو كجزء من منهج التاريخ المقرر . ولا شك أن رؤيتهم ستختلف عن رؤيتنا ، لأن رؤيتهم من خارج الإطار الزمني والمكاني تكون أعم وأشمل من رؤية من هو في قلب الحدث الذي يري شيئاً وتغيب عنه أشياء.

ولا شك أنه سيفزع مثلما فزعنا ـ وربما أشد ـ من المفارقة الفاضحة بين ما ورد وأعلن من تقرير لجنة التحقيق في الحرب علي العراق المعروف بلجنة تشيلكوت ـ وتشيلكوت هذا هو رئيس اللجنة ـ  من حقائق وأحداث وأحكام ، وبين ما يجري علي أرض الواقع العراقي من أحداث يؤرخ لها بالدم ، حتي كتابة هذه السطور .

فالتقرير الذي اشتمل علي 2.6 مليون كلمة في 12 مجلداً ، وقد استغرق اعداده سبع سنوات بتكلفة 10 مليون جنيه استرليني ، للتحقيق في مقتل 179 جندياً بريطانياً من إجمالي 45 ألفا جندياً خاضوا غمار المعركة .

و قد انتهي إلي أن اختيار غزو العراق وقع قبل استنفاد سبل الخيار السلمي ، وأن خطر أسلحة الدمار الشامل لم يكن مبرراً ـ أو جاء دون مبررات مؤكدة ـ وأن استعداد انجلترا للحرب لم يكن مناسباً ، وأن الأسس القانونية لم تكن مرضية ، وقد أفضي التدخل العسكري إلي إضعاف سلطة مجلس الأمن إذ أنه تم دون الحصول علي تأييد الأغلبية اللازمة، وأنه قد جري خوض الحرب وفقاً لمعلومات استخباراتية خاطئة ، كما أن خطط عراق ما بعد الحرب كانت غير ملائمة .

فإذا ثرثرنا حول هذه العناصر سنجد أن اللجنة شكلت لبحث المغامرة غير المحسوبة للمملكة المتحدة في العراق ، ولم تبحث ما حدث للعراق ، فنجد أنها قد بحثت في مقتل 179 جندياً بريطانيا ، ولم تعر قتل ما يقارب الربع مليون عراقي اهتماماً .

وقد قالت اللجنة أن الغزو وقع قبل استنفاد سبل الخيار السلمي ، ولم تقل أن المسألة كانت قائمة علي التربص وانتهاز الفرص وأشباه الفرص لتطبيق سيناريو معد سلفاً ، وبالتالي فإن البحث عن سبل للخيار السلمي هو من قبيل العبث ، وتضييع الوقت .

وقالت اللجنة أن خطر أسلحة الدمار الشامل لم يكن مبرراً، أو جاء دون مبررات مؤكدة . وهذا يعني ببساطة أنها قصة مفبركة ، كي تستخدم كذريعة لإجتياح العراق . فقد ذبح الشعب العراقي علي مقصلة أمر مظنون ، محتمل ، قد يكون ، وقد لا يكون ، هذا الأمر ليس امتلاك أسلحة دمار شامل ، وإنما فقط السعي لتطويرها ، أي جري ضرب عل العراق علي نية مفترضة ومدعاة ، ولا أصل لها .

هذا مع افتراض التسليم بأحقيتهم في ذلك ، وهو أمر غير مسلم به اصلاً وفقاً للمعايير الموضوعية . فمن يمتلك أسلحة دمار شامل لا يحق له محاسبة الدول علي نياتها باعتبار أن هذه الأسلحة تمثل خطراً علي مستقبل البشرية . وجاء في التقرير أن استعداد انجلترا للحرب لم يكن مناسباً ، وأن الأسس القانونية لم تكن مرضية ، وكأن الإستعداد المناسب يعطي مبرراً للغزو ، بما يذكرنا بالحقب الإستعمارية المقيتة ، وكون الأسس القانونية غير مرضية فلا يعني سوي أن ما تم جري في إطار من القرصنة والبلطجة الدولية .

يؤيد ذلك ما ورد بالتقرير من أن هذا التصرف قد أضعف مجلس الأمن الدولي ، لأنه قد ضرب به عرض الحائط ، بل إنه ضرب الشرعية الدولية ـ التي من المفترض أنها الأساس في أي تحرك دولي ـ في مقتل . وجاء في التقرير أنه قد جري خوض الحرب وفقاً لمعلومات استخباراتية خاطئة . والواقع أنها معلومات مفبركة لا أصل لها ، إذ لا يمكن افتراض حسن النية في هذه الأعمال القذرة ، من أجهزة بحجم وقوة جهازي الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة . تعتبر منطقة الشرق الأوسط هي مسرح صراعها الرئيس ، وأشد ما يكون نشاطها قبيل نشوب الحروب . وقد جري في السابق ضرب نواة المشروع النووي العراقي بواسطة الطيران الإسرائيلي ، واغتيال أبو هذا المشروع العالم المصري الدكتور يحي المشد في باريس ، علي أيدي أجهزة الاستخبارات .

بعدها حوصر العراق لعشر سنوات أعادته إلي ما قبل العصر الصناعي ، حتي جاءت الضربة الثانية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر . ثم جاء التقرير ليقول في الختام أن خطط عراق ما بعد الحرب غير ملائمة . ولم يقل أنها كارثة ، لأن الدماء العراقية حتي الآن ما زالت تؤرخ للجرمة البشعة التي ارتكبتها تلك الأيادي الآثمة ، بعد أن تم حل الجيش وقوات الأمن ، وترك البلاد يموج أهلها بعضهم ببعض ، من خلال مليشيات مسلحة . تلك هي المفارقة الفاضحة التي تكشف الوقاحة الأخلاقية المتبدية ، والفجاجة والرعونة ، وغرور القوة والغطرسة ، والبرود المميت الذي تتسم به تصرفات الرجل الأبيض ، ابن الحضارة الغربية الحديثة ، في مواجهة الآخر .

فالحضارة التي تبرر لكل ما هو منحط وسافل ولا أخلاقي وقذر بمبررات أخلاقية نبيلة هي حضارة تعاني الخواء ، وتلك القشرة اللامعة البراقة ماهي إلا قناع مزيف يخفي وراءه الأخلاق النفعية الحاكمة لتلك الحضارة . وأخيراً هل يمكن القول بإمكانية استفادة العراقيين والعرب من هذا التقرير ؟ ! . بالقطع يمكن ذلك .. ولكن هل نحن فاعلون ؟ . تنقصنا الإرادة .

حسن زايد

كاتب مصري ومدير عام

المصدر: أوكرانيا بالعربية



مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
زيلينسكي يشكر بريطانيا على دعمها الدفاعي لأوكرانيا
فيديو
الحرب في أوكرانيا وتأثيرها على العالم العربي ... أزمةٌ أم فرصة
جاليات
المجلس العربي يشارك بجهوده لتعزيز العلاقات الثنائية بين أوكرانيا والعراق
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.