أوكرانيا بالعربية | تحــيــة للرئيــس الـفــاســــــد... بقلم حسن زايد
كييف/أوكرانيا بالعربية/لا أجد في نفسي أي غضاضة ، وأجد من الشجاعة والمصداقية ، ما يدفعني مرغماً ، إلي إرسال تحية تقدير واحترام للرئيس الفاسد مبارك . ليس عندي حسابات خاصة تحول بيني وبين ذلك ، فلا انتظر مدحاً من الفلول القدامي ، ولا أخشي قدحاً من الفلول الجدد ، وقد غربت شمس الشباب علي نحو لا يدعوني إلي انتظار مطمح مع النظام الجديد . وما دعاني إلي إرسال هذه التحية هو تسجيل كلمة ملقاة في الفضاء الإلكتروني لعل أحد الأحفاد في عالم الغيب يعثر عليها مصادفة ، فيقف علي طرف صغير من أطراف الحقيقة . شهادة للتاريخ تفسح المجال لشهادات أخري من قراء المشهد المصري ، الذي اختلطت فيه الأمور اختلاطاً عجيباً . انا لا انكر ما تعرضت له مصر من فساد وإفساد خلال فترة حكم مبارك ، وفي السنوات الأخيرة تحول نظامه إلي منظومة لإدارة الفساد في مصر .
لقد جرف التربة المصرية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وإعلامياً علي المستوي الداخلي ، وجرف علاقاتها عربياً وإفريقياً وإقليمياً ودولياً ، حتي صارت مصر في ذيل الأمم في عصره . ويكفيه فساداً ـ إن لم يكن فاسداً فيما ذكرنا ـ أنه جثم علي صدر مصر ثلاثين عاماً ، وترك نجله ورفاقه يعبثون بمقدرات بلد بحجم مصر بزعم مساعدته في عمله في إدارة شئون البلاد . ومع ذلك يعد إنصافاً للحقيقة وللتاريخ الإعتراف له بأنه أحد القادة العظام لنصر اكتوبر العظيم ، فقد كان قائداً للقوات الجوية . وترجع أهمية القوات الجوية في المعارك ليس إلي الإغارة علي مواقع العدو ، ومراكز القيادة والسيطرة له وتدميرها فقط ، ولكنها تمثل الغطاء الجوي لباقي القوات أثناء تقدمها ، مظلة حماية من طائرات العدو المغيرة . وقد كانت كارثة نكسة 1967 م ، والسبب الرئيسي فيها ، ترجع إلي تمكن العدو الإسرائيلي من تدمير سلاح الجو المصري في مرابضه في المطارات ، فأصبحت القوات المصرية علي الأرض عارية ، مكشوفة الظهر ، لا تتوفر لها أية حماية جوية من غارات طائرات العدو ، التي قامت باصطياد هذه القوات . فكانت الهزيمة منكرة . ومن هنا تتبين قيمة هذا الرجل الذي استطاع بقيادته للقوات الجوية التصدي للذراع الطولي للعدو ، بل ونجاحه في تنفيذ المهام القتالية المسندة إليه . وهذا الواقع التاريخي لا يُجحد ، ولن يُبخس حق الرجل فيه . ومصر العظيمة لا تنسي أبناءها . والواقع أن التحية التي أوجهها للرئيس الفاسد مبارك ليس مبعثها ما ذكرت ، فما ذكرت سجله التاريخ ولا يحتاج شهادتي عليه .
مبعث تحيتي هو الخبر المفاجيء الذي تناقلته وكالات الأنباء عن إطلاق قمر صناعي مصري من كازاخستان . هذا القمر بحسب ما جري تداوله جري إتخاذ قرار بشأنه منذ خمسة عشر عاماً . في عهد الرئيس الفاسد مباركجري اتخاذ قرار سري بالبدء في أول مشروع فى تاريخ مصر الحديث، يضع أقدام مصر علي الطريق الصحيح لبناء دولة حديثة وقوية . وهذا القمر تم التخطيط لبناءه وتجهيزه بالتعاون مع الجانب الروسي ، وهذا يعني أن الكنز الإستراتيجي لإسرائيل ، والمرتمي في أحضان أمريكا إلي حد الإنبطاح ، تعاون سراً مع الجانب الروسي لأن في ذلك مصلحة مصر . وترجع أهمية هذا القمر أنه يخدم الأغراض العلمية في مجالات البيئة والزراعة والدراسات الجيولوجية إلي جانب الأغراض العسكرية . إلي جانب مشاركة مجموعة ضخمة من الشباب المصرى في هذا المشروع ، خاصة فى عملية التصميم وعملية الإطلاق . وقد غاظني حقاً أحد الإخوان أثناء مناقشته فيما جره النظام الإخواني علي مصر مقارنة بما اقترفه الرئيس الفاسد . فقد استهان بأمر هذا القمر الصناعي قائلاً بأنه لا يحق لنا أن نفرح أو نهلل لهذا الإنجاز لأنه بأيدي غيرنا . نفرح حين يتم هذا الإنجاز بأيدي مصرية خالصة علي الأراضي المصرية ، وكأنه مطلوب من مصر أن تدخل في مجال منافسة صناعة الأقمار الصناعية قبل أن تدخل في منافسة صناعة التوك توك .
وهذا في الواقع كلام مغرض لا يصدر إلا عن نفس مريضة لا تري في أفعال الآخرين مهما علا شأنها انجازاً ، وتري في أفعالها مهما انحط شأنها أفعالاً سامقة لا تضارعها أفعال أخري .
ومن هنا وجبت التحية للرئيس الفاسد ، ففي الوقت الذي غرقت فيه مصر في الفساد حتي الأذقان كان هناك انجازات ، بل انجازات ضخمة وعملاقة . وأن هناك جزء من هذا التاريخ الفاسد لا يستحق منا أن نهيل عليه التراب . ولو قارنا فساد مبارك بخيانة مرسي لكانت المقارنة ظالمة ، فأن اكون فاسداً خير ألف مرة من أن اكون خائناً ، فالفاسد قد تصادف في قلبه حباً لمصر ، أما الخائن فلا محل لمصر في قلبه . فتحية للرئيس الفاسد مبارك .
حسن زايد
كاتب عربي ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية