أوكرانيا بالعربية | تـهــافـت الـفـــكـر اللــيـــبرالي في مصر... بقلم حسن زايد

09.04.2014 - 03:00 #مصر, #حسن زايد
هبط السؤال علي رأسي كالمطرقة ، ألقي به صديقي وهو يحاورني . قال : لن تعييكم الحيلة في الرد علي من يقف ضد ممارساتكم فيما بعد ما تدعونه بثورة يونيه ، فما قولكم في موقف الليبراليين الذين أيدوا ما حدث في يونيه ثم انقلبوا علي ممارساتكم فيما بعدها ؟ . فقلت له : تعالي نحرر المسألة . ماذا حدث في يونيه ؟ . هل هو ثورة أم انقلاب عسكري ؟ . الإشكالية المنطقية لدي الليبراليين أنهم يتعاملون مع نظرياتهم السياسية باعتبارها نصوص مقدسة يتغير الواقع بمقتضاها ، فإن خالفها فهو واقع معيب ، ومن ثم يتعين تغيير هذا الواقع ، دون مراعاة للفروق الفردية بين المجتمعات الغربية باعتبارها بلد المنشأ لهذه النظريات ، والمجتمعات العربية ، وليس كل ما يصلح للبلدان الغربية يصلح بالضرورة للبلدان العربية . وهنا يبرز التساؤل عما حدث في يونيه 2013 م في مصر : هل هو ثورة أم

كييف/أوكرانيا بالعربية/هبط السؤال علي رأسي كالمطرقة ، ألقي به صديقي وهو يحاورني . قال : لن تعييكم الحيلة في الرد علي من يقف ضد ممارساتكم فيما بعد ما تدعونه بثورة يونيه ، فما قولكم في موقف الليبراليين الذين أيدوا ما حدث في يونيه ثم انقلبوا علي ممارساتكم فيما بعدها ؟ . فقلت له : تعالي نحرر المسألة . ماذا حدث في يونيه ؟ . هل هو ثورة أم انقلاب عسكري ؟ . الإشكالية المنطقية لدي الليبراليين أنهم يتعاملون مع نظرياتهم السياسية باعتبارها نصوص مقدسة يتغير الواقع بمقتضاها ، فإن خالفها فهو واقع معيب ، ومن ثم يتعين تغيير هذا الواقع ، دون مراعاة للفروق الفردية بين المجتمعات الغربية باعتبارها بلد المنشأ لهذه النظريات ، والمجتمعات العربية ، وليس كل ما يصلح للبلدان الغربية يصلح بالضرورة للبلدان العربية . وهنا يبرز التساؤل عما حدث في يونيه 2013 م في مصر : هل هو ثورة أم انقلاب ؟ . 

وفقاً للنظرية السياسية الغربية فإن ما حدث يصنف باعتباره انقلاباً ، ليس لأنه فقط مجرد انقضاض فصيل من السلطة علي السلطة ، وإنما لأنه كذلك الفصيل العسكري منها . وهكذا يذهب تلاميذ هذه النظرية ذلك المذهب دون الأخذ في الإعتبار للفروق الفردية بين المجتمعات . فليس من المنطقي إطلاق الحكم هكذا دون أخذ المجتمع في الإعتبار . فالنظرية تقول بأن ما يحدث هو صراع علي السطح ـ في القمة ـ داخل السلطة علي السلطة بمعزل عن المجتمع ، فإذا كانت السلطة القائمة تتمتع بالشرعية ـ فالشرعيه هي ان تستند السلطه او الحكومه الي سند قانوني تستمد منه وجودها وهي تختلف باختلاف المصدر ـ أوالمشروعية ـ  فالمشروعيه هي اكتساب السلطه او الحكومه رضا غالبية الشعب حتى وان لم تكن تستند الي سبب شرعي كالدستور او القانون ـ عد الإنقلاب عليها اغتصاباً للسلطة يستوجب الشجب والإستهجان والإدانة ، لأنه يمثل افتئاتاً علي إرادة الشعب . وهذه الصورة الإنقلابية هي التي لا تتقبلها النظرية السياسية ، وتعمل علي مناهضتها علي مستوي الممارسة . 

أما إذا كانت الصورة الحادثة في مصر مغايرة لهذه الصورة فلا يمكن أن نطلق عليها انقلاباً عسكرياً ، لماذا ؟ . لأن ما حدث في مصر أن مصدر مشروعية السلطة القائمة وهو الشعب لم يعد يرضي عن السلطة القائمة ، فقد استلب منها بذلك مشروعيتها . صحيح أن استلاب المشروعية لا يعني فقدان الشرعية ، إذ يظل الحاكم حاكماً شرعياً  حتي ولو فقد المشروعية . فهل معني ذلك أن يظل الحاكم كاتماً علي أنفاس شعبه بقوة القانون والدستور حتي ولو فقد المشروعية ؟ . بالقطع لا . لأن هذا يمثل تكريساً للإستبداد والدكتاتورية باسم القانون بما يتعارض مع فلسفة وجود القانون ذاته . إذن هناك سبيل للخروج من هذا النفق يتمثل في الطريق الشرعي وهو الطريق الذي يحدده القانون والدستور . فإن كان هذا الباب موصداً بمعرفة السلطة القائمة ولا سبيل إلي إعماله ، فليس هناك من سبيل سوي انتزاع السلطة بقوة المشروعية ، أي بطريق الثورة الشعبية . فالذي أعطي المشروعية للسلطة القائمة هو من قام بانتزاعها وأسقط شرعيتها . ولذا فلا وجه للغرابة . فماذا حدث في مصر ؟ نفر من الناس من ذوي الفكر الأيديولوجي المحدد ، كانوا يحكمون البلاد والعباد علي نحو لم ترض عنه أغلبية الشعب المصري . خرج الشعب عليهم مطالباً برحيلهم في تظاهرات غير مسبوقة . مارست الجماعة وتوابعها وذيولها أقسي وأقصي أنواع القهر علي الإرادة البشرية بالتهديد بالسحق والقتل والدمار والخراب . 

هنا يأتي السؤال : ما موقف الفكر الليبرالي من هذه القضية ؟ . إلي أي جهة ينحاز هذا الفكر ؟ . لا شك أن ممثلي هذا الفكر سيسارعون إلي القول بأن انحيازهم حتما سيكون إلي جانب الأغلبية . ثم ماذا بعد ؟ . لابد أن تتوفر لهذه الأغلبية آلية ما تصل بهم إلي تحقيق أهدافهم . هل تصلح آلية الصناديق ـ استفتاءًا أو انتخاباً ـ للوصول إلي أهدافهم ، في ظل وجود تلك الأقلية المهيمنة التي أبت الرضوخ لإرادة الشعب في الإستفتاء علي الرئيس أو النزول إلي انتخابات رئاسية مبكرة ؟ . هل تصلح آلية التظاهر أو الإعتصام أو الإضراب مع جماعة لديها خبرة واسعة في تفخيخ التجمعات ، وضربها من الداخل ، وليس لديها مانع قيمي من ممارسة القتل والإرهاب والترويع ، إلي حد تهديد مرسي بالتضحية بجزء من الشعب ، من أجل أن يعيش باقي الشعب ؟ . جماعة سدت جميع آفاق التغيير المحتملة أمام الشعب ، فما الذي يفعله الشعب حيال ذلك ؟ .  لقد أعلن الشعب المصري نزوله في تظاهرات حاشدة جوبهت بالتصريحات المشار إليها آنفاً . 

كنا نريد من أصحاب الفكر الليبرالي مخرجاً من هذا المأزق الذي أدخل الشعب نفسه فيه بمعارضته لحكم الجماعة . لم يجد الشعب بداً من الإلتجاء إلي قواته المسلحة  لحمايته ـ وهو الأعزل ـ  حال نزوله إلي الشارع من تغول هذه الجماعة وبطشها المنتظر، في ظل حالة التكدس غير المسبوق لمخازنها بالأسلحة التي هبطت عليها من كل حدب وصوب . ولا أدري إن كان يمكن لمدع متبجح أن ينكر هذه الحقيقة أم لا . فقد رأينا هذه الأسلحة بأعيننا ، وليس مع العين أين كما قال الشعراوي رحمه الله . فما هو الموقف المطلوب ليبرالياً من الجيش ؟ . ولما كانت السلطة أمر طاريء علي المجتمع ، فهي تقف منه موقف التابع من المتبوع ، والتابع متغير والمتبوع ثابت ، والمنطقي أن ينحاز الجيش إلي المتبوع لا إلي التابع . فهل يسمي هذا لدي السادة أتباع الفكر الليبرالي انقلاباً  ؟ . إن في الذهاب إلي هذا القول إفتئات علي الحقيقة . لأن الجيش المصري وإن كان يمثل جناحاً من أجنحة السلطة في مصر ، إلا أنه في ذات الوقت لا ينفصل عن المجتمع بحال ، لأن التجنيد في مصر إجبارياً وليس إختيارياً حتي يمكن القول بأنه يمثل شريحة دون أخري . ومن ثم فإن انحيازه إلي المجتمع المصري هو انحياز في الإتجاه الصحيح والطبيعي في آن . ومن هنا يمكن القول بارتياح بأن ما وقع في مصر في يونيه هو ثورة ، وإن تعارضت مع قوالب النظرية السياسية الغربية . فعدم خضوع المجتمعات لقوالب النظريات السياسية والإجتماعية لا يعني فساد المجتمعات ، وإنما يعني فساد النظريات وعدم قدرتها علي استيعاب كافة العوامل الفاعلة في الظاهرة الإجتماعية في الزمان والمكان . خاصة وأن مصر قد قدمت نموذجين في هذا الإتجاه ، الأول : ويتمثل في حركة الضباط الأحرار التي كانت تمثل انقلاباً علي السلطة القائمة في يوليه 1952 م ، ثم أيدها الشعب فأصبحت ثورة بنتائجها وآثارها علي مصر وعلي منطقة الشرق الأوسط ، بل والعالم . الثاني : ويتمثل في الثورة الشعبية في يونية 2013 م ، والتي أيدها الجيش . ومدار العمل في الثورتين علي الشعب . قلت لصديقي الذي وضع رأسه بين كفيه : فإن أقنعك هذا المنطق فلابد من التسليم معي بأن ما حدث في مصر ثورة حتي يتسني لنا استئناف الكلام . أما إذا لم يقنعك هذا المنطق فلا شك أنك ستقف في صف من يصادرون علي كل شيء ، وكل معني ، وكل قيمة ، وكأننا نحيا حياة عبثية عدمية ، تفضي في نهاية المطاف إلي الفوضي أو الإكتئاب أو الإنتحار . فقال لي بهدوء : كل هذا الكلام خارج نطاق الموضوع . 

لأن كلامي كان عن الليبراليين الذين أيدوا أحداث يونيه ثم انقلبوا علي ممارسات ما يسمي بالسلطة الإنتقالية . قلت له : إن كلامي في الموضوع ، لأن الليبرالي الذي يسعي إلي صب المجتمع في قالب نظريته لا شك أنه سيصل إلي نتائج مغايرة للنتائج المنطقية المؤسسة علي منطق الواقع الذي يأخذ في حسبانه كافة العوامل الفاعلة في الظاهرة الإجتماعية . فهو وفقاً لنظريته يؤمن إيماناً جازماً بأن ما وقع في مصر هو انقلاب عسكري ناعم علي السلطة الشرعية القائمة ، وأن هذا الإنقلاب سيفضي حتماً إلي ذات النتائج التي تفضي إليها الإنقلابات العسكرية ، وأن كل فعل يصدر عن سلطة الإنقلاب هو فعل يفتقر إلي الشرعية ويجري إعماله وفقاً لسلطة الأمر الواقع ، وهو غير مقبول مهما كانت وجاهته . وأن ما تأتيه السلطة الزائلة في سبيل استرداد سلطتها من قول أو فعل أو عمل هو أمر شرعي ، مهما كانت هذه الأقوال أو الأفعال أو الأعمال تفتقر إلي الرشاد والمنطق . ومن هنا وجد اعتصام رابعة العدوية ، واعتصام النهضة من يؤيده من الليبراليين ، أو علي الأقل لا يدينهما . ويري في فض السلطة للإعتصامين تغول علي الحقوق والحريات . ويري فيما تبع فض الإعتصامين من أعمال إرهابية ، إن لم يكن دفاعاً شرعياً عن النفس ، فهو علي الأقل رد فعل طبيعي ومبرر . ويري في إصدار قانون ينظم التظاهرات انتهاك لحق الإنسان في التظاهر ، مهما حملت هذه التظاهرات من مظاهر الخروج المسلح علي سلطات الدولة . ويري في المؤامرة الدولية التي تنفذ بأيادي داخلية وخارجية مجرد وساوس قهرية لسلطة فاشلة في إدارة شئون البلاد . 

هذا الليبرالي لم ير خارطة طريق يجري إعمال خطواتها في أرض الواقع كي تخرج بالبلاد من النفق المظلم الذي دخلته منذ عقود . وإنما يري فقط أن الخروج من النفق يتمثل في المزيد من الحرية والديموقراطية وفتح الأفق السياسي بما يسمح بمشاركة الجميع في الحياة السياسية . هو قرأها هكذا . ولو تدبر الأمر قليلاً ، وأمسك بالصورة في وضعها الصحيح ، لخرج بنتيجة مؤداها أن ما حدث في 30 يونيه هو ثورة مشروعية أسقطت شرعية نظام . وفي هذه الحالة كانت رؤيته ستختلف ، واحكامه ستختلف ، وموقفه حتماً سيختلف . ذلك كله في ظل استبعاد نظرية المؤامرة  ، والعمالة لجهات أجنبية .


حسن زايد

كاتب عربي ومدير عام

المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
ليتوانيا تقدم مساعدات عسكرية جديدة إلى أوكرانيا
سياسة
بيربوك: أوكرانيا تحتاج إلى أسلحة بعيدة المدى للدفاع عن خاركيف
رياضة
زيلينسكي: أوكرانيا فعلت كل ما يلزم للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.