أوكرانيا بالعربية | صرخة غضب عُمانية في البحرين تتحدى مشروع "الاتحاد السعودي" وتهدد بالانسحاب من مجلس التعاون... بقلم عبد الباري عطوان
كييف/أوكرانيا بالعربية/دول الخليج العربي تتغير، وكذلك شعوبها، وسلوكيات حكامها وحكوماتها معا، ولكن بشكل متسارع وغير مسبوق، فلم تعد تصريحات مسؤوليها تتسم بالغموض، واللف والدوران، وتجنب اتخاذ موقف سياسي واضح، في قضايا خليجية على وجه الخصوص، مثلما كان عليه الحال طوال الثلاثين عاما الماضية من عمر مجلس التعاون الخليجي الذي بدأت تظهر عليه اعراض الشيخوخة لانسداد قنوات التجديد والتحديث اذا كانت موجودة اصلا.
السيد بن علوي فاجأ الجميع عندما وقف وسط الحضور، واخذ الميكروفون ليرد على الدكتور نزار مدني وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، رافضا بكل وضوح، ودون اي تلعثم، مشروع الاتحاد الخليجي الذي دعا اليه في كلمته التي القاها من فوق منبر "حوار المنامة"، وقال بالحرف الواحد "لن نمنع قيام هذا الاتحاد، ولكن اذا حصل، فلن نكون جزءا منه".
الاخطر من ذلك كله، ان السيد بن علوي الذي يتمتع بهدوء غير معهود، ذهب الى ما هو ابعد من ذلك، وهدد علانية، في تصريحات لوكالة الصحافة الفرنسية، بانسحاب بلاده كليا من مجلس التعاون الخليجي، اذا ما تقرر قيام هذا الاتحاد الذي دعا اليه العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، وما زال يصر عليه.
هذه الغضبة العُمانية لا يمكن ان تكون آنية، وفورة عاطفية، او رد فعل غير محسوب، فهذه ليست طبيعة الخليجيين عموما، والعُمانيين منهم خاصة، ولا بد ان وراء الاكمة ما وراؤها، وان هناك مخزونا ضخما من الغضب كان ينتظر الفرصة لكي يظهر على الملأ وينفجر.
واذا انتقلنا الى عامل التوقيت، وهو الاهم في رأينا فانها جاءت بعد ايام من توقيع الاتفاق النووي الايراني مع الدول الست الكبرى في جنيف، ومن المفارقة ان سلطنة عمان استضافت مفاوضات سرية امريكية ايرانية مهدت له، ودون اي علم او اعلام للدول الخليجية الاخرى بما فيها الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية.
ليس من عادة سلطنة عمان اتخاذ مواقف صريحة وقوية كتلك التي عبر عنها السيد بن علوي، ولكنها يأست فيما يبدو من مجلس التعاون وفائدته، وعضويتها فيه، منذ ان رفضت المملكة العربية السعودية، ودول اخرى، اقتراح سلطانها بتشكيل جيش خليجي قوي تدريبا وتسليحا، تعداده مئة الف رجل تحت اسم "درع الجزيرة"، وما ازعجها اكثر ان بعض المسؤولين في المجلس اتهموها همسا بانها تبحث عن وظائف لمواطنيها بضمهم الى هذا الجيش، وعندما اجتاحت القوات العراقية الكويت عام 1990، ادرك الكثير من دول الخليج كم اخطأت عندما رفضت هذا المشروع، ولا نعرف اذا كانت المملكة العربية السعودية من بين النادمين ام لا.
فالخلاف السعودي القطري لم يهدأ مطلقا، وان شهد بعض الهدن القصيرة، فالخلاف القبلي استعصى على الرتق، رغم ان البلدين هما الوحيدان في منطقة الخليج اللذان يجمعهما المذهب الوهابي، وتنحدر اسرتاهما الحاكمة من هضبة نجد، ووصل هذا الخلاف الى الصدام العسكري في معبر الخفوس الحدودي بينهما اوائل التسعينات، وكادت ان تجتاح القوات السعودية قطر قبل سبع سنوات غضبا منها وقناة جزيرتها التي بثت شريط "سوداء اليمامة" (قيمتها سبعون مليار دولار) الذي يوثق مزاعم عن تورط الامير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد الراحل وبعض اولاده في رشاوى وعمولات بالمليارات في صفقة اسلحة اليمامة، وتصاعد الخلاف مجددا اثر دعم قطر للاخوان المسلمين في مصر، ومنافسة السعودية على السيطرة على المعارضة السورية المسلحة وفصائلها.
الصراع الخليجي على الارض المصرية اتخذ اشكالا سياسية ومالية متعددة، فقطر دعمت الرئيس محمد مرسي والاخوان، بينما فضل المربع السعودي الاماراتي الكويتي البحريني دعم الفريق اول عبد الفتاح السيسي الذي اطاح بالاول وحركته في انقلاب عسكري، بينما اعاد الفريق السيسي لقطر وديعة بملياري دولار من مساعداتها بطريقة غاضبة حازمة بحجة رفض فوائدها العالية، ضخ المربع السعودي 15 مليار دولار في الخزينة المصرية، ووقفت سلطنة عمان على الحياد.
قمة الكويت التي ستعقد الثلاثاء ستكون مختلفة عن جميع القمم الاخرى، هذا اذا انعقدت على مستوى الزعماء، وفي هذه الحالة ستكون الوجوه متجهمة وعاقدة الجبين، ولا نستطيع ان نقول انها قد تكون الاخيرة، ولكن فرصها في النجاح ستكون محدودة جدا.
عبد الباري عطوان
رئيس تحرير القدس العربي سابقا
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي