أوكرانيا بالعربية | ســياسـة الإحــتـواء وخــطرهــا عـلــي المـنـطـقة الـعــربـية... بقلم حسن زايد
كييف/أوكرانيا بالعربية/لا أشعر بالإرتياح في الموقف الأمريكي المستجد ـ أو المستحدث ـ من مصر الثورة ، فقد أزعجني غاية الإزعاج ذلك الإتصال التليفوني الذي أجراه باراك أوباما بالرئيس السيسي . فالإتصال يمثل تحولاً دراماتيكياً في الموقف الأمريكي من مصر . فقد سبق وأرسل الرئيس السيسي العديد من الإشارات الإيجابية من خلال أحاديثه الصحفية إلي الإدارة الأمريكية ، مفادها أن مصر حريصة علي العلاقات الإستراتيجية بالولايات المتحدة الأمريكية ، حتي ولو ولت أمريكا ظهرها لمصر ، وأن انفتاح مصر علي دول العالم لايعني الإستغناء بذلك عن العلاقات الأمريكية . ولكن يبدو أن الإدارة الأمريكية كانت من الغباء في تقديرها للموقف المصري ، بما يحول دون حسن تقدير الموقف ، وتغيير الرهانات الخاسرة .
وقد تفاجأت واشنطن حقاً بموقف مصر من الإرهاب ، وأنه ليس موضوعاً للمساومة ، وقد كانت الضربة الجوية الموجعة ، التي وجهها الطيران المصري لداعش / ليبيا ، بمثابة الإنذار المبكر لواشنطن أن القاهرة بدأت في التغريد العسكري ، خارج السرب ، خاصة بعد الموقف السلبي لباراك أوباما ، الذي تجاهل فيه ، واقعة ذبح المصريين في ليبيا ، في خطابه في التحالف الدولي ، لمواجهة الإرهاب ، أثناء مناقشة القرار المصري ، الذي قدمته المجموعة العربية ، عن طريق الأردن في مجلس الأمن .
ثم جاء المؤتمر الإقتصادي ، والقمة العربية ، لتؤكد للإدارة الأمريكية ، أن مصر لا تلوي علي شيء ، في طريق انطلاقها نحو المستقبل . وقد كانت دعوة مصر / السيسي لتشكيل قوة عربية مشتركة ، استشراف لمستقبل الأحداث ، وقد جاءت أحداث اليمن لتؤكد أهمية تلك الدعوة ، بل واضطرت الأحداث الدول العربية إلي الإلتجاء إلي هذه القوة في صورة التحالف العربي الراهن لمواجهة الحوثيين . وقد صدقت مصر / السيسي مع محيطها العربي فيما وعدت به بشأن استراتيجية مسافة السكة ، باشتراكها في التحالف علي نحو فاعل وحاسم وجاد . وقد كانت الدعوة إلي تشكيل قوة عربية مشتركة ، هي دعوة لتشكيل قوة ذاتية للدفاع عن مقدرات المنطقة ، بعيداً عن الاعتماد علي قوات خارجية ، يجري استجلابها للمنطقة ، وما تجر معها إلا الفساد والخراب .
وقد كانت التهديدات القائمة ، لدول مجلس التعاون الخليجي ، تتمثل في الأطماع الإيرانية في المنطقة ، منذ أيام الشاه مروراً بالدعوة التي أطلقها الخميني ، وهي دعوة تصدير الثورة الإسلامية . وقد كانت هذه التهديدات ، تمثل هاجساً مؤرقاً ، علي نحو مزمن ، لدول الخليج العربي . وقد لعبت أمريكا علي هذا الهاجس ، وغذته ، علي نحو دائم ، سواء قبل غزو العراق ، أو بعد تسليم ملف العراق كاملاً لإيران . وقد سعت مصر إلي رتق هذا الفتق في الأمن القومي العربي . وقد تواكب مع هذا النشاط المصري، نشاط أمريكي من نوع آخر ، حيث ذهب الجانب الأمريكي إلي بدء المفاوضات مع إيران حول ملفها النووي ، بعد أن كانت إيران محاصرة بالعقوبات ومهددة بالضرب عسكرياً ، وهذا الموقف يعد مزعجاً لدول الخليج ، وقد كان الورقة التي لوح بها أوباما أثناء زيارته للسعودية إبان عزاءه في الملك عبد الله . وكذا تحول موقفها من النظام السوري ، حيث كانت تري إسقاطه عسكرياً ، ثم تحولت إلي أهمية الحل السلمي ، وأنه لا سبيل لحلحلة الأزمة السورية سوي سبيل التفاوض ، وهو موقف يتسق مع الموقف المصري ، ويتناقض مع الموقف السعودي الخليجي . بل الأكثر دراماتيكية هو رفعها لحزب الله من قائمة المنظمات الإرهابية ، وهو منظمة موالية لإيران ، ومساندة لنظام الأسد ، ومعادية لإسرائيل في الظاهر .
وهنا يأتي السؤال المزعج : أيجري كل ذلك دون صفقات تحت المنضدة ؟ . وفي ختام المشهد أجري باراك أوباما اتصالين تليفونيين : الأول : مع الرئيس السيسي بخصوص الأسلحة المجمدة ، وأعقبته تصريحات لوزير الخارجية وغيره ، بشأن دعم مصر في مواجهة الإرهاب ، بكل ألوانه وأشكاله ، دون الإفصاح صراحة عما إذا كان هذا الدعم يشمل إسقاط ملف الإخوان نهائياً من حسابات العلاقات بين البلدين . الإتصال الثاني : كان بالعاهل السعودي لإطلاعه علي الإتفاق الإطاري بشأن الملف النووي الإيراني ، والتأكيد من جديد علي : " التزامنا بأمن شركائنا في الخليج "، بالرغم من تجاهل دول مجلس التعاون الخليجي في المباحثات بشأنه . وقد صرح أوباما في مؤتمر صحفي بأنه : " وجهت الدعوة إلى قادة الدول الخليجية الست إلى الاجتماع في كامب ديفيد في فصل الربيع من هذا العام وذلك لمناقشة كيفية زيادة تعزيز تعاوننا الأمني مع حل الصراعات المتعددة التي سببت الكثير من الاضطرابات وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط " ، هكذا دفعة واحدة ، وفي كامب ديفيد وما تحمله من عبق التاريخ الذي قد يكون مزعجاً للعرب ، باعتباره مثل ذكريات غير مريحة مع الرئيس السادات ، أ, مع الرئيس عرفات ، رحمهما الله . ومن هنا أشتم رائحة الإنقضاض علي المشروع العربي بشأن تكوين قوة عربية مشتركة ، عن طريق استدراج دول الخليج العربي نحو الشرك الأمني الذي تنصبه أمريكا لها ، فتنصرف عن المشروع المصري وتنأي بنفسها عنه .
وفي ذات الوقت الولوج إلي حلبة الصراع الدولي لاستقطاب مصر واحتوائها ، خاصة بعد زيارة بوتين ، وزيارة الرئيس الصيني المزمعة لمصر . بخلاف الدعوات التي تلقاها السيسي لزيارة دول أخري . فهل عادت أمريكا إلي سياسة الإحتواء ؟ . وسياسة فرق تسد ؟ . فإن كانت الإجابة بالإيجاب فإنه يتعين علي الدول العربية إدراك المخاطر التي تنطوي عليها هذه السياسة علي ضوء التجارب السابقة في التاريخ .
حسن زايد
كاتب مصري ومدير عام
المصدر: أوكرانيا بالعربية