أوكرانيا بالعربية | شــروخ فـي جــدار الـعــاصـفـة ... بقلم حسن زايد

لا شك أن تحالف عاصفة الحزم قد تعرض لتصدعين كبيرين كان يعول علي عدم حدوثهما ، حتي يبقي التحالف قائماً في مواجهة الأخطار المحدقة بدوله . تمثل التصدعان في تراجع موقف دولتي باكستان وتركيا ، عما كان متوقعاً منهماً . وليس السبب في التعويل علي وجود هاتين الدولتين في التحالف ، هو ضعف الوجود العربي فيه ، بقدر ما هو كان حرصاً من السعودية ، علي مواجهة المد الإيراني ، الذي يحمل الطابع المذهبي ، بقوي سنية مكافئة تشمل إلي جانب الوجود العربي ، الوجود غير العربي كذلك

كييف/أوكرانيا بالعربية/لا شك أن تحالف عاصفة الحزم قد تعرض لتصدعين كبيرين كان يعول علي عدم حدوثهما ، حتي يبقي التحالف قائماً في مواجهة الأخطار المحدقة بدوله . تمثل التصدعان في تراجع موقف دولتي باكستان وتركيا ، عما كان متوقعاً منهماً . وليس السبب في التعويل علي وجود هاتين الدولتين في التحالف، هو ضعف الوجود العربي فيه، بقدر ما هو كان حرصاً من السعودية ، علي مواجهة المد الإيراني ، الذي يحمل الطابع المذهبي ، بقوي سنية مكافئة تشمل إلي جانب الوجود العربي ، الوجود غير العربي كذلك . ورغم محاولات عدم الإنجرار في اتجاه الإقتتال المذهبي ، داخل البيت المسلم ، لأن ذلك ، فضلاً عن كونه يمثل خطراً داهماً علي الوجود الإسلامي ، وفتنة كبري تأتي علي الأخضر واليابس فيه ، فهو يخدم مخطط تخريب العالم الإسلامي من الداخل ، وبأيدي أبنائه ، إلا أن ما تفعله إيران الشيعية في العلن ، وتأتيه الدول السنية دون إعلان ، في تركيبة تحالف عاصفة الحزم ، ينبيء عن التوجه إلي مذهبية الإقتتال . فقد سعت السعودية إلي تشكيل تحالف سني في مواجهة المد الإيراني الشيعي ، بطلبها من باكستان الإنضمام إلي التحالف لتوفير الغطاء السني من جانب ، والإستفادة من القوة العسكرية الباكستانية من جانب آخر . هذا فضلاً عن إعلان أردوغان / تركيا السنية دعمه للعملية العسكرية في اليمن ، وانتقاده للموقف الإيراني الساعي بقوة إلي الهيمنة علي المنطقة .

وفي المقابل سعت إيران إلي تفكيك هذا التحالف، وقد وجدت جميع الأطراف نفسها أمام إختبار صعب . فانحياز باكستان وتركيا إلي الجانب السعودي يعني التضحية بمصالحهما الإستراتيجية مع إيران، وانحيازهما إلي جانب إيران يعني التضحية بمصالحهما الإستراتيجية مع السعودية . وتخلي السعودية عن خيارها العسكري قبل أن يؤتي ثماره السياسية المرجوة ، يعني قبولها للتمدد الإيراني في المنطقة كقوة إقليمية مهيمنة علي مقدراتها . وتخلي إيران عن خياراتها في التمدد داخل المنطقة العربية ـ مستغلة الوجود الشيعي في نشر التشيع ـ يعني تخليها عن دورها الإقليمي ، الذي يمثل حلماً للحضارة الفارسية . وجميع القطع تتحرك ـ أو يجري تحريكها ـ علي رقعة الشطرنج . والتحرك السعودي الإيراني علي باكستان ليس وليد اليوم ، ولا هو وليد الأحداث الراهنة .

فالسعودية تبنت باكستان منذ مدة طويلة ، بقصد إعدادها ككينز استراتيجي ، تجده عند الحاجة إليه ، خاصة قواتها المسلحة . فقد استثمرت فيها بعمق ، ووفرت لها مساعدات مالية واسعة النطاق ، وساعدتها في تجاوز العقوبات الدولية بسبب مشروعها النووي ، وساعدت في تمويله ، وأنشأت بها المدارس والمؤسسات التعليمية الإسلامية ، بخلاف الإستثمار في المؤسسات والمجال العام . وبطبيعة الحال كانت تمنع التمويل عن الشيعة الباكستانيين . أما إيران فيري الخبراء أنها تحتل المرتبة الثانية ـ حيث تحتل أمريكا المرتبة الأولي ـ في حجم التأثير على وسائل الإعلام والأحزاب السياسية والمجتمع المدني والشخصيات الشهيرة، ورصدت لتحقيق هذا الأمر ميزانية خيالية . وقد حاربت الوجود السعودي في باكستان تحت دعوي نشرها للمذهب الوهابي المتطرف . في النهاية تجد باكستان نفسها أمام إختبار صعب في حتمية إختيار الوقوف إلي أحد الجانبين دون الآخر . فإذا نظرنا إلي الوضع الباكستاني فسنجد أن لها حدود مشتركة مع إيران ، وأن هناك ما يقارب 20 % من عدد السكان شيعة ، ومثلها في الجيش ، بما يعني قدرة إيران علي تصدير المشاكل إلي الداخل الباكستاني، فضلاً عن تحريكه من خلال خلق الفتن ، والنفخ فيها ، بما قد يفضي إلي وقوع حرب أهلية ، بخلاف حرب باكستان مع الجماعات المتطرفة في الداخل ، وحركتي طالبان والقاعدة في أفغانستان ، بخلاف الحدود الملتهبة مع عدوتها اللدود الهند .

وكذا حماية المفاعلات النووية ، وإرسال قوات باكستانية خارج الحدود ، يعني بالضرورة ، تفريغ جزئي لهذه المناطق ، بما ينعكس سلباً علي الأمن القومي الباكستاني . فإذا ذهب وزير الخارجية الإيراني ، أثناء انعقاد البرلمان لنظر الطلب السعودي ، ولوح بأحد خيارين : إما تصدير المشاكل . أو ضخ أموال ومساعدات ، وعقد صفقات ، وخاصة في مجال النفط ، بما يضعف الحاجة إلي الأموال السعودية ، فلا شك أن اتجاه التصويت يكون معروفاً ، وهو رفض المشاركة في التحالف . أما تركيا فقد انهار حلمها الإمبراطوري في تكوين الخلافة ، علي جثث الدول الوطنية القائمة ، ولم يبق أمام أردوغان سوي البناء علي ما برع فيه ، وهو الجانب الإقتصادي ، لذا تغيرت لغة خطابه تجاه إيران ، خاصة بعد نجاح مفاوضات الملف النووي ، وقرب رفع العقوبات الإقتصادية عن طهران ، فهو يعلم أن السوق الإيراني سوقاً جائعة متعطشة ، بعد سنوات الحصار العجاف ، وهو يرغب في ملء هذا الفراغ الإقتصادي ، فرغم أن التجارة البينية بين البلدين تبلغ 30 مليار دولار ، إلا أنه يسعي إلي مضاعفة هذا المبلغ أضعافاً مضاعفة .

هذا عن ذهب المعز ، أما سيفه فيتمثل في وجود 20 مليون شيعي علوي علي الأراضي التركية ، وإشعال حرب سنية ـ شيعية كلفتها غير مأمونة . وبذلك مثلت باكستان ، وتركيا ، تصدعين في جدار العاصفة . وهنا أتذكر قول القائل : ما حك ظهرك غير ظفرك ، فتولي أنت جميع أمرك ، والامل والبناء لا يكون إلا في قوة عربية مشتركة.

حسن زايد

كاتب مصري ومدير عام

المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
أوكرانيا ترحب باتفاق ترسيم الحدود بين أذربيجان وأرمينيا
سياسة
ستولتنبرغ: أوكرانيا فقدت الثقة في حلفائها في الناتو
سياسة
الخارجية الأوكرانية تعين مذيعة ذكاء اصطناعي لإعلام المواطنين بالقضايا القنصلية
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.