أوكرانيا بالعربية | شقوق تتسع في الاستراتيجية الامريكية في العراق وسوريا... بقلم عبد الباري عطوان

جون كيري وزير الخارجية الامريكي من وزراء الخارجية القلائل الذي لا يتردد عن الادلاء بتصريحات صحافية تعكس نوايا حكومة بلاده الحقيقة في المنطقة، وتتسم بالكثير من الصراحة والوضوح، ولذلك فان ما قاله الاحد في القاهرة على هامش مؤتمر اعمار غزة حول العراق وتقدم "الدولة الاسلامية" فيه امر يستحق التوقف عنده بالتحليل المتعمق، سواء من حيث المضمون او التوقيت.
كييف/أوكرانيا بالعربية/جون كيري وزير الخارجية الامريكي من وزراء الخارجية القلائل الذي لا يتردد عن الادلاء بتصريحات صحافية تعكس نوايا حكومة بلاده الحقيقة في المنطقة، وتتسم بالكثير من الصراحة والوضوح، ولذلك فان ما قاله الاحد في القاهرة على هامش مؤتمر أعمار غزة حول العراق وتقدم "الدولة الاسلامية" فيه امر يستحق التوقف عنده بالتحليل المتعمق، سواء من حيث المضمون او التوقيت.
وزير الخارجية الامريكي اعلن "ان العراقيين هم الذين يجب عليهم التصدي لتنظيم "الدولة الاسلامية" الذي يواصل تقدمه في العراق وسورية معا رغم الغارات الجوية المكثفة التي تحاول وقف هذا التقدم، وقال "في نهاية الامر العراقيون هم من عليهم استعادة اراضي العراق، العراقيون في الانبار هم من عليهم المحاربة الاستعادتها".
تصريحات الوزير كيري هذه تعكس حالة من اليأس من تطورات الاوضاع في العراق نحو الأسوأ حسب المفهوم الأمريكي، خاصة أن تقارير إخبارية عديدة تشير الى ان تنظيم "الدولة الاسلامية" استخدم هجومه للاستيلاء على بلدة عين العرب (كوباني) كقنبلة دخان للتغطية على قرب اكمال استيلائه على مدينة الرمادي وجوارها، وبات على بعد بضعة كيلومترات من بغداد.
الوزير الامريكي اراد توجيه رسالة قوية الى السيد حيدر العبادي رئيس وزراء العراق الذي عارض وجود اي قوات اجنبية على ارض العراق، مفادها "اذا كان هذا ما تريد فعليك ان تتفضل وتصدى لـ"الدولة الاسلامية" وقواتها بنفسك طالما انت تقول انك قادر على ذلك".
من الواضح ان واشنطن بدأت تشعر بالصعوبات التي تواجهها استراتيجيتها في التصدي لخطر "الدولة الاسلامية"، فعندما استجابت لاستغاثات السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق وحلفائها الاكراد في الشمال، عندما كانت تتقدم قوات "الدولة الاسلامية" نحو بغداد جنوبا واربيل شمالا، وبدأت في تشكيل حلف دولي للقيام بهذه المهمة، كانت تعتقد ان دول الخليج التي انضمت بدورها الى غريمها العراقي في مهرجان العويل من هذا الخطر الاسلامي، ستسارع مع مصر والاردن الى ارسال قوات ارضية لاستعادة المدن العراقية التي سيطر عليها التنظيم مثل الموصل والفلوجة وتكريت ومعظم الانبار والقائم، علاوة على الرقة ودير الزور في سورية، ووقف تقدمه نحو مدن اخرى.
الاعتقاد الامريكي ليس في محله، فالدول الخليجية امتنعت في الاستجابة لهذا الطلب وارسال قوات الى ارض معادية طائفيا وسياسيا لها، والحكومة العراقية اختها العزة بالاثم، وباتت تدرك ان لها سيادة يمكن ان ينتهكها وجود مثل هذه القوات العربية على اراضيها، ولكنها لا تعتبر في الوقت نفسه ان قصف الطائرات الامريكية ووجود اكثر من ثلاثة آلاف خبير عسكري امريكي انتهاكا لهذه السيادة.
قذف الوزير كيري مسؤولية استرجاع الاراضي العراقية من "الدولة الاسلامية" في وجه الحكومة العراقية خطوة على درجة كبيرة من الاستفزاز والتحدي معا، لان السيد العبادي ما زال عاجزا حتى هذه اللحظة عن استكمال تشكيل حكومته، وتقديم نفسه بالتالي زعيما لكل العراقيين بمذاهبهم واعراقهم المختلفة.
فالجيش العراقي الذي يزيد تعداد جنوده عن سبعمائة الف جندي انهار بالكامل امام "الدولة الاسلامية" وقواتها رغم انفاق أكثر من 25 مليار دولار على تدريبه وتسليحه، لانه ببساطة شديدة جيش جرى بناؤه على اسس طائفية، وبحيث يمثل طائفة حاكمة وليس العراق بأسره، كما ان الجنود انخرطوا في صفوفه من اجل الراتب وليس من اجل الدفاع عن العراق وهويته الوطنية الجامعة.
العراقيون وعلى مختلف طوائفهم الاسلامية سيترددون في القتال تحت راية حكومة لا تمثلهم وطموحاتهم في عراق موحد مستقل ذات سيادة تمارس سياسات الاقصاء والتهميش، وتعجز حتى الآن عن تعيين وزيرين فيها رغم مرور أكثر من شهرين على تكليف رئيس وزرائها بعد مخاض عسير.
الغارات الجوية لم توقف تقدم قوات "الدولة الاسلامية"، ودول الخليج والأردن ترتعد خوفا من هذه الدولة وتخشى وصولها الى عمقها ولكنها في الوقت نفسه تكتفي بمشاركة جوية رمزية في الغارات الجوية، اما الرئيس التركي رجب طيب اردوغان "فيقف على السور" ولا يريد ان يتورط بريا او جويا في هذه الحرب، ويساوم ببراعة لكسب الوقت اولا، و"لاعلاء سعره" ثانيا، ويجري حسابات دقيقة لتقليص الخسائر وليس لتعداد المكاسب، لانه سيكون احد ابرز الخاسرين في نهاية المطاف مهما كان الموقف الذي سيتخذه سواء كان بالانخراط او عدم الانخراط في الحرب او حتى الوقوف على الحياد.
استراتيجية التدخل العسكري الامريكية ضد "الدولة الاسلامية" تواجه عقبات كبيرة تنبيء بعدم سيرها في الاتجاه المأمول امريكيا، رغم ان هذا التدخل ما زال في بدايته، وهذه انباء سيئة لادارة الرئيس اوباما وحلفائها العرب.
عبد الباري عطوان

رئيس تحرير القدس العربي سابقا
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي

المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
الرئيس الأوكراني يستنكر الاتصال بين بوتين وشولتس
سياسة
مسؤولة أوكرانية: نسعى جاهدين لزيادة إنتاج الأسلحة
رياضة
التعادل يحسم مواجهة أوكرانيا وجورجيا بدوري الأمم
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
ديفينس إكسبريس: روسيا تُجري تعديلاً خطيراً بمسيراتها الانتحارية لقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين الأوكرانيين
آراء ومقالات
لماذا يتقدم تتار القرم للخطبة مرتين؟
آراء ومقالات
لاتفيا تستضيف حدثًا مكرسًا لقضية الاعتراف بترحيل عام 1944 كعمل إبادة جماعية لشعب تتار القرم
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.