أوكرانيا بالعربية | رخــصــــــة للـخـــــيـــانـــة... بقلم حسن زايد

05.01.2014 - 11:00 #حسن زايد
الإسطوانات المدمجة التي أذاعها الصحفي عبد الرحيم علي في برنامجه " الصندوق الأسود " الذي تم بثه عبر قناة "القاهرة والناس" لا ريب أنها قد أحدثت ردود فعل متباينة . فهناك من اعتبر أن تسجيل المكالمات يعد انتهاكاً للحياة الخاصة المصونة بأحكام القانون والدستور لأنه تم بغير إذن مسبق من جهة الإختصاص ، وبغير إذن من صاحبها . وإذاعتها في بث مباشر بغير إذن من صاحبها يعد انتهاكاً إضافياً إلي جانب انتهاك التسجيل . إلي جانب ذلك يعد

 كييف/أوكرانيا بالعربية/الإسطوانات المدمجة التي أذاعها الصحفي عبد الرحيم علي في برنامجه " الصندوق الأسود " الذي تم بثه عبر قناة "القاهرة والناس" لا ريب أنها قد أحدثت ردود فعل متباينة . فهناك من اعتبر أن تسجيل المكالمات يعد انتهاكاً للحياة الخاصة المصونة بأحكام القانون والدستور لأنه تم بغير إذن مسبق من جهة الإختصاص ، وبغير إذن من صاحبها .

وإذاعتها في بث مباشر بغير إذن من صاحبها يعد انتهاكاً إضافياً إلي جانب انتهاك التسجيل . إلي جانب ذلك يعد بثها في هذا التوقيت تشويهاً متعمداً لرموز ثورة يناير من شباب حركة 6 إبريل  لمصلحة ثورة يونية ، المتهمة من جانب أبناء الحركة ، ومن غيرهم بأنها مدعومة من فلول الحزب الوطني الديمقراطي . ومن ناحية أخري هناك من يري أن هذه التسجيلات لا تمثل انتهاكاً للحياة الخاصة طالما أنها لم تتناول أمور خاصة ، بل إنها تناولت أموراً عامة ، صادرة عن أشخاص اكتسبوا صفة الشخصيات العامة ، طالما أنهم قد انخرطوا في العمل الثوري وهو عمل عام . وأن إذاعة هذه الإسطوانات يعد ضرورة وطنية طالما أنها قد مست أمور تتعلق بإحدي القلاع السيادية في الدولة وهي مباحث أمن الدولة ، وانتهاك خصوصية أعمالها التي تتسم بالسرية بطبيعتها ، وتسريبها إلي جهات أجنبية مقابل تقاضي مبالغ نقدية . والمساس بهيبة تلك الجهة وإنتهاك خصوصيتها يعد انتهاكاً لحق أصيل للمجتمع المصري ـ والدولة المصرية ـ في الحفاظ علي مؤسساته العامة التي تم بناؤها والإنفاق عليها وعلي العاملين بها من الضرائب التي يدفعها المواطن المصري من قوت يومه وغده ، ووجودها بعافيتها يعد مرفأ الأمان والسلامة لهذا المجتمع .

وفي إطار الموازنة بين الخاص والعام ، تقدم المصلحة العامة علي المصلحة الشخصية ، ويُضحّي بالجزء في مواجهة الكل . لذا يري هذا الفريق ألا جريمة في التنصت علي هذه المكالمات أو تسجيلها أو إذاعتها . وبعيداً عما ذهب إليه هذا الفريق أو ذاك ، وحتي يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الأمر لابد أن نبادر بالتساؤل : هل يعد تسجيل المكالمات الهاتفية علي الهاتف النقال جريمة ؟ . وماذا لوتم بث هذه المكالمات عبر الشبكة العنكبوتية أو الإذاعة المسموعة أو المرئية خاصة إذا تضمنت ألفاظاً خادشة للحياء ..الخ ؟ . وهل تعد المكالمة الهاتفية ـ المسجلة خلسة بطريق التنصت ـ دليلاً قانونياً يعتد به أمام المحاكم يحتج به في مواجهة المتحدث ، حتي ولو انطوت المكالمة علي اعتراف بواقعة ما أو الإقرار بوقوعها ؟ . القاعدة أن الأصل في الأشياء الإباحة ، وبالتالي فإن حرية الرأي وحرية المراسلات بأنواعها ، وكذا حرية المحادثات مكفولة . والإعتداء علي هذه الحريات جريمة تستوجب إنزال العقاب بمقترفها . ولما كانت المحادثات الهاتفية من الحريات الشخصية فإنه لا يجوز لأي شخص الإعتداء عليها بالتنصت أو التسجيل . وهذا الحظر يسري علي الأفراد العاديين ، وعلي السلطة التنفيذية في الدولة . إلا أن هذا الحظر غير مطلق لأن إطلاقه قد يفضي إلي مفاسد مطلقة ناجمة عن الحرية المطلقة للمحادثات الهاتفية ، ولذا تدخل المشرع بوضع ضمانة للأمر بالتسجيل ، فجعل القاضي وحده ـ دون النيابة العامة ـ هو الذي يصدر الإذن للجهة المختصة وهي النيابة العامة بتسجيل المحادثات الهاتفية بنفسها أو بانتداب من تختاره من مأموري الضبط القضائي المختصين ، ولا يُمنح هذا الإذن إلا عندما نكون بصدد جريمة تقوم الدلائل المؤكدة علي ارتكاب المتهم لها فيتم التسجيل لضبطها . ويكون الإذن محدد المدة بـ 30 يوماً قابلة للتجديد . وإذا تم التسجيل دون إذن قضائي وكان مضمون المكالمة المسجلة يشكل جريمة فإن هذا التسجيل لا يعتد به قانونا ، ولا ينتج أي أثر قانوني أمام المحكمة ، ويُعرّض من قام به إلي المساءلة القانونية إلا في حالة  أن يكون التسجيل برضا المجني عليه ، فإذا رضي زالت السرية ، ولم يعد هناك حق معتدي عليه ، ويُعد رضاءًا التسجيل في اجتماع علي مرآي ومسمع من الحضور . كما يعد رضاءًا قبول المجني عليه أن تكون مكالماته مسجلة من جانب شركة الإتصالات . والحالة التي نحن بصددها حالة فريدة من نوعها ، فالدكتور/ عبد الرحيم علي ينفي أن يكون قد حصل علي هذه التسجيلات من أي جهة أمنية ، وأنه وجدها موضوعة في علبة كرتونية ملقاة أمام باب مكتبه . فلا هو قام بالتسجيل ، ولا يعرف الجهة التي سجلت ، ولا سعي للحصول علي هذه التسجيلات . وقانون الصحافة يعفيه من الإفصاح عن مصدره . بالإضافة إلي أن تاريخ هذه التسجيلات يرجع إلي عام 2011م ، أي أنها تمت في ظل حالة الطواريء التي كانت مفروضة علي البلاد في حينه ، وحالة الطواريء هي حالة استثنائية تتعطل فيها أحكام القوانين العادية وتسري احكام قانون الطواريء ، وقانون الطواريء يبيح التنصت والتسجيل للمكالمات الهاتفية دون إذن قضائي ، هذا من ناحية . ومن ناحية أخري ربما تكون شركة الإتصالات قد حصلت من المشتركين علي موافقة بتسجيل المكالمات سواء من خلال الأوراق الثبوتية أو من خلال رسالة قصيرة تم إرسالها بمعرفتها . ومن هنا فلا محل لإعتبار ما تم جريمة بحال بحسب المعطيات المتاحة .

والغريب أن هذا الأمر قد أحدث انشقاقاً داخل المجتمع بين من أجاز ومن لم يجز نشر أو عدم نشر هذه التسريبات . وكلا الفريقين قد تقدما ببلاغات للنائب العام بصدد هذا الأمر . ونشطاء حركة 6 إبريل لم ينكروا مضامين ما ورد بالتسجيلات علي صفحتهم الرسمية ، وبرروا ما قاموا به من هدم وتخريب لجهاز أمن الدولة بأنه كان مطلباً شعبياً . ولا ريب أن هناك جوانب في الأمر تفصح عن عدم النضج السياسي والفكري لدي نشطاء هذه الحركة ، وهذا أمر طبيعي . غير الطبيعي أن تكون حركتهم قد قامت بما قامت به بفعل تحريض وتمويل وتدريب من جهات أجنبية لا تضمر الخير لمصر ، لأنه لا شفاعة في خيانة الوطن ، فالوطنية والثورة ليست مصدراً للإسترزاق الحرام المغموس في منقوع بئر الخيانة ، والثورة التي هي غرض نبيل لا يُتوسل إليها إلا بوسائل نبيلة . فنبل الغاية لا يبرر وضاعة وحطة وحقارة الوسيلة وإلا أصبحت الأعمال النبيلة رخصة للخيانة .


حسن زايد

كاتب عربي ومدير عام


المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
ليتوانيا تقدم مساعدات عسكرية جديدة إلى أوكرانيا
سياسة
بيربوك: أوكرانيا تحتاج إلى أسلحة بعيدة المدى للدفاع عن خاركيف
رياضة
زيلينسكي: أوكرانيا فعلت كل ما يلزم للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.