أوكرانيا بالعربية | قراءة مختلفة للاستفتاء في مصر... بقلم عبد الباري عطوان

تقويم عملية الاستفتاء على الدستور في مصر من خلال التركيز على نسبة المشاركة واعداد المصوتين الذين صوتوا بنعم بالمقارنة مع الآخرين الذين قالوا "لا" سيعطي حتماً نتائج مضللة لعدة اسباب ابرزها ان هذا الدستور طرح للاستفتاء من اجل ان ينجح وبنسبة قبول كبيرة جداً، فالذين من المفترض ان يقولوا "لا" أي حركة الاخوان المسلمين وانصارها والمقربين منها، اختاروا "المقاطعة"، مضافاً الى ذلك ان آلة الاعلام المصري القوية تجندت للتعبئة له، وللتحريض ضد مقاطعيه، ووظفت هذا الاستفتاء لمبايعة

كييف/أوكرانيا بالعربية/تقويم عملية الاستفتاء على الدستور في مصر من خلال التركيز على نسبة المشاركة واعداد المصوتين الذين صوتوا بنعم بالمقارنة مع الآخرين الذين قالوا "لا" سيعطي حتماً نتائج مضللة لعدة اسباب ابرزها ان هذا الدستور طرح للاستفتاء من اجل ان ينجح وبنسبة قبول كبيرة جداً، فالذين من المفترض ان يقولوا "لا" أي حركة الاخوان المسلمين وانصارها والمقربين منها، اختاروا "المقاطعة"، مضافاً الى ذلك ان آلة الاعلام المصري القوية تجندت للتعبئة له، وللتحريض ضد مقاطعيه، ووظفت هذا الاستفتاء لمبايعة الفريق اول عبد الفتاح السيسي رجل مصر القوي رئيساً قادماً لمصر.

اقرار الدستور، وبنسبة اصوات عالية، ليس مؤشراً للاستقرار الذي يعتبر مطلباً ضرورياً ملحاً لاخراج مصر من أزمتها الاقتصادية الطاحنة، كما انه ليس ضمانة لنجاح خريطة الطريق التي وضعها الفريق السيسي بعد اطاحته بالرئيس محمد مرسي في الثالث عشر من تموز) يوليو) الماضي.

ربما يفيد التذكير بان دستور الرئيس مرسي الذي طرحه على الشعب لاقراره في استفتاء عام قبل سبعة اشهر، وجاء نتيجة توافق لجنة من مئة شخص تمثل مختلف الوان الطيف السياسي والاجتماعي المصري على اكثر من خمسة وتسعين في المئة من مواده. حصل على نسبتي تصويت ومشاركة اكبر من دستور الفريق السيسي وانصاره، ومع ذلك جاء بنتائج عكسية كلياً، فقد انفجرت المظاهرات المضادة له ولحكم الرئيس مرسي، وتبع ذلك انهيارا للتعايش وتراجع في الامن، وحروباً احتجاجية، حيث تمترس الاخوان المسلمين في ميدان رابعة العدوية بينما نصب معارضوهم خيامهم في ميدان التحرير وبقية القصة معروفة.

***

عدت لتوي من تونس، حيث ذهبت الى هناك للمشاركة في برامج تلفزيونية واذاعية بمناسبة الذكرى الثالثة للثورة التي اطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي، والتقيت مختلف الاقطاب السياسية، والسيدين راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة، والباجي قايد السبسي زعيم تكتل نداء تونس المعارض، ووجدت ان ما يجري فيها نقيض كامل لما يجري في مصر، لذلك استطيع ان اتفاءل واقول ان تونس في اقتراب من الخروج من عنق الزجاجة، وان ثورتها هي الوحيدة تقريباً التي تستحق إسمها لسلميتها، ونضوج نخبتها، واصرارها على التوافق والتعايش، واعتماد الحوار كوسيلة لحل الازمات، وقيادة البلاد الى بر الأمان. فحزب النهضة مثلاً، وعلى عكس نظيره المصري (الإخوان) تنازل عن الحكم، واستقالت حكومته لتسلم الراية لحكومة تكنوقراط مستقلة، مثلما تنازلت عن بند "الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع" حفاظاً على مدنية الدولة، واقرت بنداً "بخطر التكفير". كل هذا لمنع انزلاق البلاد الى حالة الفوضى والاضطراب السائدة حاليا في مصر وليبيا واليمن دول "الربيع العربي" الاخرى.

سيترشح الفريق السيسي لرئاسة الجمهورية وسيفوز بالمنصب، لكن من الصعب ان ارى مصر مستقرة في المستقبل المنظور بعد الصاق تهمة "الإرهاب" بحركة الإخوان واقصائها من الحياة السياسية، الأمر هذا قد يصب في مصلحة جناحها المتطرف الذي يريد الاحتكام الى السلاح دفاعاً عن النفس، ولاستعادة شرعية صندوق الاقتراع، على حد توصيفهم.

***

مصر ربما بحاجة الى دستور، مثلما هي بحاجة الى رئيس قوي، ولكنها بحاجة اكبر الى المصالحة الوطنية وتقديم الاستقرار ومصلحة البلاد على كل المصالح الحزبية والفئات الاخرى.

ولا نعتقد ان هذا متاحاً في ظل حالة الاستقطاب السياسي الحالية. ولا بد من "خيار ثالث "يكون الحكم ويقود البلاد الى التعايش السلمي وبما يمنع تطور الامور الى حرب أهلية.

السر في التجربة التونسية حتى الآن هو الحوار المسؤول، وبقاء الجيش في الثكنات، وقيام الاتحاد التونسي العام للشغل بدور الحكم والوسيط. وجميع هذه العناصر غير متوفرة في مصر حالياً، ولا داعي لشرح اطول.

لست متفائلا تجاه تطورات الحالة المصرية مثل تفاؤلي تجاه نظيرتها التونسية، وأمل ان اكون مخطئاً في تشاؤمي هذا لاننا لا نريد لمصر التي نحبها جميعاً، او هكذا اعتقد، غير الاستقرار والرخاء لان في استقرارها مصلحة لنا جميعاً كأمة.


عبد الباري عطوان
رئيس تحرير القدس العربي سابقا
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي


المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
بريطانيا تعد بزيادة دعم أوكرانيا
وزير الدفاع البريطاني يعد بمواصلة دعم أوكرانيا
سياسة
رئيس صربيا يدعو إلى الهدنة بين أوكرانيا وروسيا
فوتشيتش: بوتين لا يخادع، ونحن على عتبة كارثة
صحف عالمية
الإكونوميست: روسيا تحاول ثني الدول الغربية عن التدخل في أوكرانيا
روسيا تريد ثني الدول الغربية عن تعميق تدخلها في أوكرانيا من خلال التهديد النووي
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
ديفينس إكسبريس: روسيا تُجري تعديلاً خطيراً بمسيراتها الانتحارية لقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين الأوكرانيين
آراء ومقالات
لماذا يتقدم تتار القرم للخطبة مرتين؟
آراء ومقالات
لاتفيا تستضيف حدثًا مكرسًا لقضية الاعتراف بترحيل عام 1944 كعمل إبادة جماعية لشعب تتار القرم
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.