أوكرانيا بالعربية | قيصر الشوكولاتة يطيح بأمراء الحرب الأثرياء في أوكرانيا... بقلم جاي شازان ورومان أوليرتشيك
كييف/أوكرانيا بالعربية/ مع ضم موسكو شبه جزيرة القرم قبل عام، وبدء الانفصاليين الموالين لروسيا فرض سيطرتهم على البلديات في شرق أوكرانيا، جاءت كييف بفكرة جديدة وهي تعيين أغنى رجال أوكرانيا كحُكّام إقليميين، في محاولة لوقف الاضطرابات من الانتشار إلى قلب البلاد. إيجور كولومويسكي كان أول من بادر إلى الاستجابة
السياسة كانت مثمرة. باعتباره حاكم منطقة دنيبروبيتروفسك، بدأ الحشد ضد المتمردين المدعومين من موسكو الذين يحكمون الآن مساحات واسعة من الشرق. دعمه المادي للكتائب المتطوعة كان حاسماً في عرقلة تقدّم المتمردين
في كييف، منتقدو حُكم القلّة كانوا يقرعون جرس الإنذار، حيث قالوا إنه كان يستغل منصبه كحاكم لتوسيع مصالحه التجارية، وتحويل الوحدات المتطوعة التي ساعد على إنشائها إلى جيش خاص
نمت المخاوف هذا الأسبوع بعد ظهور رجال بالزي العسكري يبدو أنهم موالون لكولومويسكي في المقر الرئيسي في كييف، في اثنتين من أكبر شركات الطاقة في أوكرانيا، الأمر الذي أثار الشائعات عن وجود صراع على السلطة بين القلّة الأغنياء وبيتروبوروشينكو، رئيس أوكرانيا
بشكل مفاجئ، أسبوع من الدراما وصل إلى ذروته المذهلة. في الساعات المبكرة من الصباح التالي، أُعلِن أن الرئيس فصل كولومويسكي من منصبه كحاكم
الخلاف بين اثنين من أقوى الرجال في أوكرانيا - أقوى الحلفاء فيما مضى - كان بمثابة هزة سياسية، ومثّلت أسوأ أزمة داخلية لتبتلع الحكومة الجديدة في البلاد منذ ثورة العام الماضي. كما يُهدد بانزلاق أوكرانيا إلى جولة جديدة من عدم الاستقرار، مع صراعها للتعامل مع أزمة اقتصادية مُنهكة والتمرد المُشتعل في الشرق
ويُخاطر هذا الخلاف تماماً بلعب دور لمصلحة الكرملين، الذي يُعارض الحكومة الموالية للغرب في كييف، ومن شأنه أن يفرح لانهيارها
إزالة كولومويسكي قد جلبت الثناء أيضاً. حيث كتب أندرز أسلوند، زميل بارز في معهد بيترسون للاقتصادات الدولية، على موقع تويتر "هذا إجراء صحيح وضروري وحاسم
وقد سبق هذه الخطوة سلسلة من الخطوات من قِبل حكومة بوروشينكو لتقييد حاكم القلّة المذكور. هذا الشهر، أقر البرلمان قانونا يعمل على تقليص نفوذه في أوكرنافتا، شركة نفط هو من المساهمين الأقلية فيها
في الوقت نفسه، سعت الحكومة أيضاً إلى فرض سيطرة أكبر على أوكرانسنافتا، شركة تشغيل أنابيب النفط المملوكة للدولة، من خلال عزل رئيسها التنفيذي، أوليكسندرلازوركو، الذي كان يعتبر موالياً لكولومويسكي
وفقاً لاثنين من أعضاء البرلمان، أرسل كولومويسكي مجموعة من الرجال في زي القتال وأقنعة التزلج، إلى مكاتب شركة أوكرترانسنافتا في وقت متأخر من يوم الخميس للدفاع عن لازوركو
بعد خروجه من المبنى، أخبر كولومويسكي الصحفايين بأنه ورجاله كانوا قد حرروا الشركة من "المخربين الروس" الذين حاولوا فرض سيطرتهم
ثم يوم الأحد، اتخذ رجال مسلحون مواقع حول شركة أوكرنافتا. وقال كولومويسكي "إن الغرض منهم كان الدفاع عن الشركة ضد هجوم الغزاة
وقد استجابت السلطات بشكل غاضب. حيث أصدر أرسين أفاكوف، وزير الداخلية، موعداً نهائياً لسحب الرجال، في حين إن بوروشينكو قال "إنه لا ينبغي لأي حاكم الحصول على قوات مسلحة يموّلها من أمواله الخاصة". إقالة كولومويسكي تبعت ذلك
انتقال صعب
عند مشاهدة مثل هذه الأحداث، يمكن أن يُغفر للشعب الأوكراني العادي شعوره بخيبة الأمل. حيث كان من المفترض أن تقوم ثورة الميدان الأوروبي العام الماضي، التي أطاحت بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش من السلطة، بتقديم الوعد بأوكرانيا جديدة، خالية من المحسوبية والفساد الذي اجتاحها منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفياتي في عام 1991. وكان من المفترض الحد من نفوذ المجموعات الصغيرة من رجال الأعمال الذين نهبوا ثروات البلاد على مدى العقدين السابقين، وجمعوا قوة سياسية كبيرة أثناء ذلك. الأحداث الأخيرة تُظهر كم سيكون ذلك صعباً
يقول أحد الدبلوماسيين الغربيين في كييف "نظام حُكم القلّة لا يزال يُشكّل عائقاً خطيراً وكابحا لعملية الإصلاح. إذا أردت بناء أوكرانيا جديدة، فعليك إيقافهم
من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت إقالة كولومويسكي تمثّل هذا الإيقاف. ويذكر الساخرون في كييف أن بوروشينكو نفسه هو من حُكام القلّة، حيث إنه حقق ثروة كبيرة من الشوكولاتة
يقول كولومويسكي "إنه لا يُحب السلطة ولا يملك طموحات سياسية". في مقابلة مع صحيفة الفاينانشيال تايمز، أجريت قبل بضعة أيام من إقالته، قال "إنه لو كان الأمر يتوقف على رأيه فإنه سيُغادر منصب الحاكم غداً"، "لكنهم لن يسمحوا لي بذلك". السبب؟ يقول بحزن "إن الأشخاص يقولون إن (الحرب) ستبدأ من جديد في فصل الربيع
كولومويسكي، الشخصية البشوشة، القصير ممتلئ الجسم الذي يرتدي قميص تي شيرت وله لحية رمادية كثيفة، ضيف جذّاب وغالباً ما يكون صريحا بشكل مدهش
هو أيضاً زئبقي، يتحوّل من العيون الساحرة إلى غضب متفجر بسرعة كبيرة. وقد اتهم أحد محاوريه "لا يعرف شيئا على الإطلاق"، ووصف البرلمان بأنه "كومة قمامة من البشر" ورفض منتقديه باعتبارهم من الذين "باعوا ضمائرهم"، و"خونة" و"أشخاص نكرات
أثناء تناول كؤوس الفودكا وفطائر اللحم، تحدّث أيضاً بشكل مؤثر عن حبه أوكرانيا والوطنية التي ألهمته لتولي منصب الحاكم. هذا هو الفخر الوطني الذي دفعه إلى وصفه الشهير للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه "انفصام شخصية لدى شخص قصير القامة"، خلال أزمة أوكرانيا العام الماضي. وكان رد بوتين بدعوته أنه "مشعوذ فريد من نوعه"
كولومويسكي يقول أيضاً "إنه يفهم لماذا استولى بوتين على شبه جزيرة القرم". حيث قال مازحاً، "لقد كان يستفيد من الوضع فقط. إنه مُعتدٍ بقدرنا نحن
توسيع الأعمال
إنها سمعة في لحظات يبدو كولومويسكي فخوراً بها وأحياناً أخرى يرفضها، حيث يفضل تسمية تكتيكاته بأنها مجرد "مناورة دفاعية". ويرى أن المصطلح "أحد الغزاة" هو مجاملة أكثر من كونه إهانة. الغزاة هم مثل الذئاب، التي تطهر الغابات عن طريق "قتل الضعيف، والمريض، من أجل الطعام
إلا أن بعض ضحاياه قاوموا. العام الماضي، تاتنيفت، شركة النفط الروسية، فازت بتعويض يبلغ 112 مليون دولار من أوكرانيا في محكمة دولية للتحكيم بسبب الاستيلاء على أسهمها في كريمينشوك، أكبر مصفاة نفط في أوكرانيا، من قِبل مؤسسات ذات صلة بمجموعة بريفات في عام 2007
كولومويسكي يُنكر أن الترتيب كان غير عادل. فالنفط لا يتم تصديره من أوكرانيا، والبلاد لا تملك سوى مصفاة عاملة واحدة، كريمنشوك، التي تُسيطر عليها مجموعة بريفات. يقول "لا يوجد سوى مشتر واحد وبائع واحد في السوق
النقاد يرفضون هذه الحجة. يقول توماس فيالا، الرئيس التنفيذي لشركة دراجون كابيتال ورئيس جمعية الأعمال الأوروبية في كييف "أنا لا أرى أي فائدة للحكومة والمساهمين الأقلية في شركة أوكرنافتا، الذين يُسيطرون معاً على 55 في المائة من الشركة، من مخططات من هذه الشاكلة
من الناحية العملية كانت مجموعة بريفات تُسيطر على شركة أوكرنافتا، على الرغم من أنها لا تملك سوى حصة بنسبة 42 في المائة. وينصّ القانون الأوكراني على أن اجتماعات المساهمين السنوية لا تكون مكتملة النصاب إلا إذا حضر مساهمون يسيطرون على الأقل على 60 في المائة أو أكثر من الأسهم
كلما كانت "نافتوجاز" شركة الغاز المملوكة للدولة التي تملك نصف شركة أوكرنافتا، تحاول تغيير الإدارة أو مجلس الإدارة، كانت مجموعة بريفات ببساطة لا تظهر في الاجتماع السنوي العام. الترتيب كان يعني أنه لأعوام، كانت مجموعة بريفات تمنع شركة أوكرنافتا من دفع أرباح أسهم بمليارات الدولارات
في الأعوام الأخيرة، عاش كولومويسكي حياة حُكم القلّة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. إقامته الرئيسية هي في منزل على بحيرة جنيف، ويتزلج كل عام في منتجع كورشفيل الفرنسي ويملك يختا فاخرا بقيمة 40 مليون دولار
كل هذا تغيّر قبل عام، عندما قبِل الدعوة ليُصبح حاكم منطقة دنيبروبيتروفسك. لقد كان خياراً مصيرياً؛ ويقول "إنه السبب في أنه أصبح أقوى بكثير من منافسيه من حُكام القلّة. لقد كنت إلى جانب الدولة الأوكرانية في أحلك ساعاتها. عندما حدثت الثورة، أظهرتُ معدني الحقيقي
والحاكم الجديد عيّن شركات أمن خاصة لاستبدال قوات الشرطة المُحبطة التي كانت قد اختفت إلى حد كبير من الشوارع. كما رتب أيضاً اللقاءات مع جميع زعماء العالم السفلي في منطقة دنيبروبيتروفسك، وأخبرهم بضرورة السيطرة على جرائم الشوارع
تعاون كولومويسكي مع رجال الأعمال المحليين لتوريد البترول والديزل والبطاريات إلى الجيش الأوكراني، وسمح للمروحيات العسكرية بالتزوّد بالوقود من مخزونه الخاص في مطار دنيبروبيتروفسك، الذي يُسيطر عليه
في الوقت نفسه، كان يُساعد أيضاً على حشد المتطوعين للمجهود الحربي. حيث تم تجنيد نحو ألفي شخص. يقول "إنه موّل الوحدات من شهر آذار (مارس) إلى شهر آب (أغسطس) من العام الماضي"، ويرفض أي ادعاءات أنهم قد أصبحوا جيشه الخاص. "أنا إلى جانب النظام والدولة. لهذا السبب أنا حاكم، ولست قائدا ميدانيا
التأثير الإقليمي
خلال العام الماضي، انتشر نفوذه. منطقة أوديسا في جنوب شرقي البلاد ويُديرها الآن أحد المقربين منه، إيجور باليتسا، الرئيس السابق لشركة أوكرنافتا. كما تربطه علاقات وثيقة مع حُكّام خاركيف، وهي منطقة كبيرة تقع شمال شرق منطقة دنيبروبيتروفسك
في الوقت الذي لمع فيه نجمه، تلاشى نجم حُكّام القلّة الآخرين
فيكتور بينتشوك، الذي يتورط معه في نزاع قانوني في المحكمة العُليا في لندن يعاني لأن روسيا تغلق سوقها أمام أنابيب الصُلب الخاصة بشركته
كما اعتُقِل دميترو فيرتاش في آذار (مارس) من العام الماضي في النمسا للاشتباه في الفساد بناءً على طلب وكالات تنفيذ القانون في الولايات المتحدة
في وقت لاحق أُطلِق سراحه بكفالة، إلا أنه لا يزال في النمسا. وريناتا أخميتوف، أغنى رجل في أوكرانيا، تشوّهت سمعته بسبب علاقته الوثيقة بيانوكوفيتش، يتوارى عن الأنظار في كييف
يقول كولومويسكي "إن عصر حُكم القلّة قد انتهى. إنه الآن عصر شخص واحد من حُكم القلّة وحده"
على الرغم من أن السلطات بدأت تدريجياً في تحدّي كولومويسكي، إلا أن الخطوة الكبيرة ضده لم تأت إلا بعد عرض القوة الكبير الذي أظهره في شوارع كييف
سيرجي ليستشينكو، المحقق الصحافي الذي أصبح عضواً في المجلس التشريعي، يقول "إن وصول ناقلات الجُند المُدرّعة والأسلحة الآلية إلى شوارع المدينة كان يبدو أنه أول أعمال الانقلاب العسكري
وكتب يقول "كولومويسكي جعل احتكار السلطات في حيرة فيما يتعلق باستخدام القوة - ومن خلال البقاء في منصبه قوّض شرعية بوروشينكو والحكومة بأكملها
لقد كانت نقطة اللاعودة
المصدر: الإقتصادية