أوكرانيا بالعربية | وقوف مرسي في القفص مرة اخرى والخوف من تأثيره على الاستفتاء وتصعيد المظاهرات "الضباب" الذي أجل محاكمته... بقلم عبد الباري عطوان

تأجلت محاكمة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي الى الاول من شباط (فبراير) المقبل بسبب الاحوال الجوية التي حالت دون نقله من سجنه في مدينة الاسكندرية لمقر المحكمة في اكاديمية الشرطة بالقاهرة. وزير الداخلية المصري اللواء محمد ابراهيم قال ان قائد المروحية التي من المفترض ان تقل الرئيس رفض الاقلاع من باحة السجن بسبب الضباب الكثيف، ولكن الضباب الحقيقي الذي حال دون الاقلاع هو "ضباب سياسي".

كييف/أوكرانيا بالعربية/تأجلت محاكمة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي الى الاول من شباط (فبراير) المقبل بسبب الاحوال الجوية التي حالت دون نقله من سجنه في مدينة الاسكندرية لمقر المحكمة في اكاديمية الشرطة بالقاهرة.

وزير الداخلية المصري اللواء محمد ابراهيم قال ان قائد المروحية التي من المفترض ان تقل الرئيس رفض الاقلاع من باحة السجن بسبب الضباب الكثيف، ولكن الضباب الحقيقي الذي حال دون الاقلاع هو "ضباب سياسي".

الحكومة الانتقالية في مصر تعيش حالة من الارتباك انعكست بشكل مباشر على العديد من قراراتها ليس فيما يتعلق بالمحاكمة هذه وانما في امور اخرى كثيرة، فقد جرى تغيير مكان المحاكمة، واعطاء معلومات عنها للاعلام ليتم نفيها رسميا بعد ذلك.

استخدام "الضباب" كذريعة يعود الى خوف السلطات المصرية من ظهور الرئيس مرسي مرة اخرى في قفص الاتهام، وبما يؤدي الى خطف الاضواء وتوظيف هذا الظهور اعلاميا ليؤثر سلبا على الاستفتاء على الدستور المقرر يوم الثلاثاء المقبل.

قصة الضباب هذه استخدمها الرئيس الراحل محمد انور السادات عام 1972 لتبرير عدم اعلان الحرب على اسرائيل ومحاولة تهدئة المظاهرات الطلابية والشعبية الصاخبة المطالبة بالثأر لشهداء مصر والامة العربية الذين سقطوا في حرب حزيران (يونيو)، وتحولت هذه الذريعة الى مصدر للتندر واطلاق النكات. ولكن ثبت بعد ذلك ان هذه الذريعة الضبابية كانت خدعة عسكرية لتضليل العدو، وبعدها بعام فاجأت القوات المصرية نظيرتها الاسرائيلية باقتحام قناة السويس والحاق هزيمة كادت ان تغير مجرى التاريخ عسكريا، لو لم تجر توظيفها بشكل خاطيء ومتسرع للوصول الى اتفاقات سلام خدمت اسرائيل اكثر مما خدمت العرب وشقت الصف وكانت بداية الانهيار العربي.

الغالبية العظمى من المصريين، وفي ظل مقاطعة الاخوان المسلمين، ستصوت لصالح الدستور، وستدعم بطريقة مباشرة الحكم الانتقالي وخريطة الطريق التي وضعها الفريق اول عبد الفتاح السيسي ولكن هل سيتحقق الاستقرار الذي يتطلع اليه الشعب المصري؟

***

لا نعتقد ان مصر تسير بخطوات واثقة نحو هذا الاستقرار، وربما يحدث العكس، لان رهان المؤسسة العسكرية على استخدام القبضة الحديدية لدفع الاخوان المسلمين الى الاستسلام الكامل رهان غير مضمون النجاح.

فعندما تغلق السلطات المصرية كل ابواب الامل في المشاركة السياسية امام حركة عمرها 80 عاما، وتضعها على قائمة الارهاب، وتعتقل قياداتها من الصفين الاول والثاني، فان الخيار الوحيد المتاح لانصارها هو الاستمرار في الاحتجاجات واللجوء الى العنف.

الفريق اول عبد الفتاح السيسي الحاكم الفعلي لمصر يقول ان العملية السياسية وبما تتضمنه من انتخابات رئاسية وبرلمانية ستكون مفتوحة للجميع، ولكن اقصاء الاخوان المسلمين يقول عكس ذلك تماما.

تقارير كثيرة تشير الى ان حركة الاخوان تأقلمت مع العنف وسياسة الاقصاء، مثلما تأقلمت مع الحياة تحت الارض، واعادت بناء خططها التنظيمية، وتعديلها وفق الواقع الجديد، وباتت قيادتها "غير مركزية"، وبدأت الحركة في التخلي عن انشطتها الخيرية والدعوية وباتت تركز على هدف واحد وهو مواجهة النظام الحاكم.

نحن امام مواجهة سياسية قد تتطور الى مواجهات عسكرية بسبب رجحان كفة العناصر المتشددة التي تطالب باللجوء الى السلاح، وعلى حساب القيادة التاريخية "الهرمة" التي تقبع خلف القضبان وكانت تؤكد دائما على سلمية الاحتجاجات.

اعتقال قيادات الصف الاول والثاني للاخوان ادى الى صعود قيادات الصف الثالث، وهؤلاء في معظمهم من الشباب الذين ينتمون الى مدرسة اكثر تشددا واندفاعا الامر الذي يرجح استمرار الصراع لسنوات قادمة، ويتضح هذا من طبيعة النقاشات في اجتماعات "العائلة" اي الخلايا الاخوانية التي انتقلت من العلن الى السر وباتت تتم على مستوى اعداد اصغر ولكن اكثر دقة تنظيمية.

تجربة الاخوان مع السلطة في مصر تذكرنا بتجربة طالبان في افغانستان، فبعد 12 عاما من الاحتلال الامريكي وسلطة كرزاي التي انبثقت من رحمه، واستخدام القبضة الحديدية، ها هي الولايات المتحدة تقرر الانسحاب مهزومة، ويقرر حميد كرزاي عدم الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويتوقع جميع المراقبين عودة الطالبان الى الحكم مجددا في كابول.

***

مصر ليست افغانستان، وحركة الاخوان ليست طالبان، ولكننا نريد ان نقول بأن سياسة الاقصاء ليست دائما ناجحة حتى لو مورست من قبل القوة الاعظم في العالم (امريكا)، ونقر بأن هناك تأييدا للحكومة "الانتقالية"، ونعترف ان الفريق اول عبد الفتاح السيسي يحظى بشعبية تؤهله للفوز في انتخابات رئاسية في ظل المقاطعة وغياب شخصيات قوية منافسة، ولكن هل سينجح في تحقيق الاستقرار في ظل سياسات الاقصاء والقبضة الحديدية ضد حركة لها جذورها العميقة في الوعي الشعبي المصري. قد يعتقد البعض من مؤيديه انه يستطيع، وبالاعلام خاصة، ولكننا لنا شكوكنا ايضا.

محاكمات الرئيس مرسي ستظل دائما موضع الاهتمام الشعبي والاعلامي، كما ستظل مصدر صداع للنظام الحاكم، لانها محاكمات غير مقنعة فكيف يحاكم بالتخابر مع دولة اجنبية هي حركة "حماس" مثلا التي تخابر معها الرئيس مبارك وكل الاجهزة الامنية المصرية، وكيف يحاكم بتهمة قتل عشرة اشخاص امام قصر الاتحادية وثمانية من الضحايا من انصاره؟

ولماذا يحاكم مرسي ولا يحاكم من اقتحم ميدان رابعة العدوية، او اطلق النار على المتظاهرين امام مقر قيادة الحرس الجمهوري حيث سقط المئات من القتلى بالرصاص؟

مصر تحتاج الى مصالحة وطنية شاملة، وبدء صفحة جديدة من التعايش والمشاركة وفق رؤية تسامحية جديدة بعيدا عن الثأرية، ومن المؤسف ان تجريم حركة الاخوان والصاق تهمة الارهاب بها لا يمكن ان تصب في هذا الاتجاه.


عبد الباري عطوان
رئيس تحرير القدس العربي سابقا
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي


المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
رئيس أوكرانيا يتوجه إلى مدريد لتوقيع اتفاقية أمنية مع إسبانيا
سياسة
رئيس أوكرانيا يبحث مع رئيس وزراء السويد تعزيز الدرع الجوي
سياسة
أوكرانيا تقصف قاعدة روسية في القرم المحتل
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.