أوكرانيا بالعربية | نزاع الصحراء الغربية - المغربية و الأزمــة الأوكرانية من منظور أمريكي... قراءة د. نوفل حمداني
كييف/أوكرانيا بالعربية/تعتبر قضية صراع الصحراء الواقعة جنوبي المغرب قضية شائكة لم يجد لها المجتمع الدولي حلا إلى حد الساعة، فمع ظهور ما يطلق عليه تنظيم –البوليزاريو- و هو تنظيم إنفصالي يدعو إلى إستقلال هذه المنطقة عن المغرب إستقلالا تاما، و تأسيسه لمخيمات على الأراضي الجزائرية المحاذية لهذه الأقاليم المتنازع عنها جغرافيا أطلق عليها أسماء ترنحت بين الوهمية و الحقيقية كمخيمات العيون و طرفاية و بوجدور و غيرها، أصبحت القضية الصحراوية تنحى منهجا جديدا، سيؤثر فيما بعد على العلاقة السياسية بين الجارتين الشقيقتين الجزائر و المغرب، و ستصبح من أهم القضايا العالقة على المستويين القاري الإفريقي و العالمي بصفة عامة ..
فقد كان المغرب يخضع لحماية فرنسا و إسبانيا – القوتان الاستعماريتان اللتان فرضتا وجودها في القارة الإفريقية في القرن 19م، وكان على المغرب كدولة تسعى إلى الإستقلال أن يسترجع تدريجيا وعبر مراحل متعاقبة آجزاء ذلك الوطن ليوحده فيما بعد تحت راية حمراء تتوسطها نجمة خضراء خماسية . فرنسا الأم الحنون تخلت عن مستعمرتها المغربية في 2 مارس 1956، أمــا إسبانيا فتدريجيا بدأت في تسليم المناطق التي كانت خاضعة لسلطتها ابتداء من منطفة الشمال وطنجة عام 1956، فطرفاية وطانطان عام 1958، ثم سيدي افني عام 1969، والصحراء عام 1975.
ثم بعد ذلك ستشهد المنطقة الغربية من الخريطــة المغاربية الكبرى حربا شرسة بين المغرب و الجزائر سميت آنذاك بـ _حرب الرمــال_ عام 1963م كانت أهم أسبابها إنعدام اتفاقية ترسيم الحدود بين الدولتين، لتستمر الحرب إلى فبراير 1964م . و إلى الآن يعتبر الملف الصحراوي في عهدة الأمم المتحدة التي تسعى إلى إيجاد حل سلمي يخدم مصالح كل الأطراف ..
قبل عدة أيام و بينما أنا أتصفح إحدى الجرائد المغربية الآكثر إذ بي أقرأ مقالا لكاتبه ((عبد الإله معلوم)) يتحدث فيه عن نبرة أمريكية جديدة أمثر حدية مما كانت عليه، يقارن فيها قضية الصحراء بقضية شبه جزيرة القرم الأوكرانية حيت يقــول: (( حينما تجنب كاتب الدولة في الخارجية الأمريكية، جون كيري، أي حديث عن الصحراء في زيارته الأخيرة للمغرب ، كانت أصواتا هناك في بلاد العم سام كانت تتكلم بشكل لا همس فيه ولا لبس عن "الصحراء الغربية" بشكل لا نكاد يستسيغه المغاربة. فما دخل قضية الصحراء فيما أقدمت عليه روسيا من ضم لشبه جزيرة القرم إلى السيادة الروسية؟ لقد انبرى أحد أشهر أساتذة القانون الدولي والقانون الدستوري في جامعة "نورث ويست" بولاية إيلينوي الأمريكية للحديث عن المغرب فقد كتب أوجين كونطوروفيتش مقالا ألبسه حلة التحليل المنطقي في جريدة "لوس أنجلس تايمز" (عدد 24 مارس 2014) يذكر فيه أن "استيلاء" روسيا على شبه جزيرة القرم ليس الأول من نوعه في التاريخ. وقال بالحرف إن ذلك بالضبط ما فعله المغرب حين "انتزع" أرض الصحراء وهي الغنية بالموارد الطبيعية. وأردف أن المغرب فعل فعلته مديرا ظهره لإدانة مجلس الأمن لهذا "الاستيلاء". وأضاف أنه بالرغم من أنه لم تعترف أي دولة في المنتظم الدولي بالسيادة المغربية في الصحراء، فإن المغرب يظل مع ذلك حليفا وثيقا للولايات المتحدة الأمريكية وكذا للاتحاد الأوربي؛ بل إن أمريكا، دائما حسب قوله، لاتزال تدعم المقترحات المغربية للاحتفاظ بـ"الأراضي المحتلة" تحت السيادة المغربية في إطار حكم ذاتي محلي. وقد استغرب صاحب المقال المساعدات التي تقدمها الشركات الأوربية إلى المغرب بغاية "استغلال" موارد الصحراء كما تشهد بذلك المعاهدات الأخيرة التي تقر بسيادة المغرب على الصحراء.)) إنتهــى كلامــه .
نعم أمريكا أصبحت اليوم حليفا قويا للمملكة المغربية، خاصة بعد الزيارات المتعددة و المتبادبة لهيئات ديبلوماسية من كلا الطرفين، بل أكثر من ذلك زيارة ملكية للولايات المتحدة أعطت دفعت جديدة للعلاقات الأمريكية المغربية..لكن أمريكا كحليف للمغرب تنظر إلى ملف الصحراء من منطلق رهين بمصالح و حسابات جيوسياسية فهي تحرص-أمريكا- على هذا الفضاء من ناحيته التجارية والاستقرار، والتبادل الإقتصادي، إلا أنها لا تفصل في هذه المسألة، تاركة الأمر إلى عديد القراءات .الولايات المتحدة لا تتحرك تجاه هذا الملف حتى تسجل بأن هناك تهديدا لمصالحها، وما دام الأمر حاليا، لا يثير لديها أي انشغال، فإنها تحبذ منطق الانسداد والجمود..
هنا يواصل الكاتب نفسه عبد الإله معلوم في العدد 2360-من جريدة المساء المغربية- الصادر يوم 28/04/2014 كلامه مسترسلا: (( في الواقع، لم يكن المغرب البلد الوحيد الذي تعرض لهذا الوابل من "الهجمات" من طرف هذا الخبير... أمريكا التي تتخبط الآن من جراء ما أقدمت عليه روسيا. قد نتفهم القرار الأخير للوكالة الفضائية ناسا بتجميد التعامل مع نظيرتها الروسية في إطار الغيرة الوطنية والانسجام مع الموقف الأمريكي من القضية، لكنه ليس مقبولا أن يُنْعت المغرب بـ"الخاطف" و"المحتل" و"المنتزع" للصحراء. أمريكا نفسها لها رصيد تاريخي طويل "حافل" بانتزاع أراض مساحاتها أكبر من مساحة المغرب نفسه، واستغلال موارد طبيعية لا حصر لها، وترحيل السكان الأصليين أو إبادتهم بشكل تدريجي مُمَنْهَج.)) و ذكر عدة محطات، حيث قال : ((محطة ألاسكا: لقد أقدمت روسيا في الماضي على انتزاع منطقة ألاسكا من سكانها الأصليين وكانت تستغلها في تجارة الفراء التي كانت مزدهرة آنذاك، وكذا في بعض الحملات التبشيرية. ثم حينما خشيت مصادرتها من طرف بريطانيا في حالة نشوب حرب معها، قامت ببيعها لأمريكا سنة 1867 من خلال معاهدة صادق عليها مجلس الشيوخ الأمريكي. فكما سنلاحظ، لا يمكن اعتبار جل الأراضي التي تم ضمها إلى السيادة الأمريكية في إطار عملية شراء أو حيازة سليمة قانونيا....)) إنتهــى كلام الكاتب
كما يجدر ذكر مجموعة من المحطات الأخرى كمحطــة لويزيانا شمال أمريكا، و محطة التكساس و محطــة هــاواي و التي كانت آخر ولاية ضمتها الولايات المتحدة إليها، و محطة عوانتنامــو، و محطــة ديغـــو عارسيا و هي جزيرة مرجانية تقع جنوب خط الإستواء، و جزر أوكينــاوا اليبانية و التي تم الإستيلاء عليهــا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية إبان نهاية الحرب العالمية الثانية...
إذن لا وجه للمقارنة بين قضية شبه جزيرة القرم و المنطقة الصحراوية ـ و إن كان وجه التشابه الوحيد هو أن القرم كان تحت سلطــة كييف بحكم ذاتي، و الشعب الصحراوي عرض عليه مبدأ الحكم الذاتي من الجانب المغربي ...
أمريكا صانعة الحريات على صهوة دباباتها لا ترى في شعب القرم أو في الصحراويين أنفسهم مضطهدين أو معذبين أو حتى محرومين من حقوقهم ، هي تراهم دمى في يديها تستعملها كورقة رابحة أما العدو ... القرم بالأحرى هزم أمريكا بعد إنضمامه لروسيا..فاستراتيجيا لم يبق لدولة الديموقراطية العالمية الجديدة من مناطق الصراع التي يمكنها إلا القليل ...
و حتى إن كنا سندافع عن أمريكا فماذا نسمي التواجد العسكري في العراق؟ أهو دفاع عن النفس، أم تقرير مصير أم إغتصاب لأرض كاملة ؟ و ماذا عن أفغانستان ؟ وماذا عن الفيليبين ؟ و ماذا عن حرب الخليج الثانية؟ ....
بلاد العم سام تسعى في الأرض خرابا و لا أحد له الحق في انتقادها و لا إنتقاد سياسيتها... على الأقل روسيا ضمت القرم لها دون إراقة قطرة دم واحدة و دون إوهاق لأروراح الأبرياء من الأطفال و النساء و الشيوخ !!!
أمريكا تحاول إيجاد ذرائع جديدة لما تفعله في العالم !و لو كان ذلك على حساب حلفائها و مقربيهــا..... فلا دخــل للمغرب و لا المغاربة ..أو حتى الصحراويين أنفسهم بشبه جزيرة القرم ... و كل منطقة في هذا العالم أدرى و أعرف بمصالحها من أمريكا نفسها ...فـــاهل مكة أدرى بشعابهــا .
د. نوفل حمدان
رئيس المركز العربي في زاباروجيا
مراسل وكاتب لدى صحيفة أوكرانيا بالعربية
المصدر: أوكرانيا بالعربية