أوكرانيا بالعربية | مصر وحل اليمين... بقلم هشام عبده
كييف/اوكرانيا بالعربية/قد كان اليمين العسكرى فى مصر على مر تاريخه كيانا سياسيا لا برنامج له ولذلك ظل طوال عقود يتخبط بين الاشتراكية والليبرالية ولم يكن ليبراليا تام الشروط ولم يكن اشتراكيا بل كان مسخا لا هوية له، كما ألتجأ اليمين السياسي في كل مأزق من مآزقه المتكررة إلى توظيف الدين وتلاعب كثيرا بمشاعر الناس الدينية في مواجهة خصومه ، فقد واجه اليساريين بتهمة الكفر وهم يكشفون عمالته للامبريالية ومتاجرته بجهد المواطنين إرضاء لأسياده الذين أمنوا له وصوله إلى السلطة، ثم يواجه مزاحميه من المتدينين بتهمة التطرف.
لقد أفسد اليمين على مر تاريخه السياسي كل شيء فلم تسلم من إفساده قيم الجمهورية ولا سلم منها الدين.
لذلك لا يقل إفساد العسكر للثورة عن إفساد الإخوان لها فالجهاز العسكري هو أحد أجهزة الدولة مثله في ذلك مثل الجهاز الإعلامي والجهاز الصحي والتعليمى والجهاز الثقافي .. الخ، والعسكر جهاز حارس لمصالح الطبقات المستفيدة من تنظيم المجتمع على شكله الحالي، وإذا كانت الدولة في مصر خاصة هي دولة تابعة منذ عقود ومتخبطة مابين المعسكر الشرقى واخيرا الاوربى، على الأقل فإن هؤلاء الجنرالات ليسوا سوى الأداة القوية التي حمت العملاء وكرست واقع قمع الشعب المصري وتشديد قبضتهم على ما يقرب من 40 % من اقتصاد الدولة وسيطرتهم على كل أراضى مصر خارج كردون المدن مع استثناء الملكيات الزراعية القديمة، وكل المناجم والمحاجر وأغلب ممتلكات والعقارات الملكية والرأسمالية المصرية، والأخطر من كل ذلك أنهم هيكلوا القوانين والاقتصاد والسياسة والدعاية والعلاقات الخارجية ووظائف الأمن من أجل حماية إقطاعهم وإمتيازاتهم والتمسك بالسخرة المجانية تحت عنوان الخدمة الوطنية، ومن بين دفاعاتهم هذه تقنين وضعهم دستورياً كسلطة فوق الدولة ومجتمعاً فوق المجتمع وهو ما يغذى مناخ الحرب والفوضى الذى يعيش فيه المصريون منذ ستة عقود تقريباً، وقانونهم الجديد للتظاهر واضح الهدف وهو تكميم الأفواه ومحاولتهم السيطرة على المدنيين بواسطة قضائهم الفئوى الشاذ ودعمهم غير المحدود لأجهزة القمعالمباشر لتحركات الشعب المصري،والانقضاض على تحركاته الشعبية التحررية.
كما ان الجنرالات اليوم يساعدون على إعادة صياغة المنظومة الاقتصادية والاجتماعية التي تجعل من كوادرهم جزءا من البرجوازية العميلة في مصر، ولأن اليمين الإخواني قد أفسد ما أفسد حد إمكان دفع الاقتصاد إلى الانهيار التام، فقد تحرك هؤلاء لإنقاذ الاقتصاد وهو في الحقيقة ينقذ مصالحهم المهددة، غير أنهم وهم ينقذون الاقتصاد قد أفسدوا الانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية ،وقد كان عليهم وهمأصحاب التأثير القوي أن يلزموا اليمين الإخواني بتحبير دستور ديمقراطي علماني حقيقي ويترك الاختيار إلى الشعب،فمن يستطيع الكثير وهو قلب نظام الحكم يستطيع القليل وهو إلزام الحاكم بالنهج الديمقراطي ولكنهم لم يفعلوا شيئا من ذلك بل اتجه مباشرة إلى الاستحواذ على السلطة عبر التجييش الإعلامي والترهيب والتخويف، وهو لا يختلف في ذلك عن اليمين الإخواني سواء في مصر .
لقد منح العسكر مادة دعائية كبيرة لليمين الإخواني فتم إخراجه في ثوب الديمقراطي الشعبي الشرعي المغلوب على أمره بقوة العسكر وهو ما سيستثمره لاحقا ليسهم في مزيد تزييف وعي الناس ودفعهم في معارك وهمية لن تتقدم بهم شبرا نحو مطالبهم في العمل والحرية والكرامة الوطنية، وفي المقابل سيستمر الجيش في العزف على وتر التخويف والترهيب من خطر إخواني لا يمكنه أن يستفحل وأن يتطور إلا في ظل واقع النهب والسرقة والفساد، فمن يريد أن يتقي خطر الأخونة والوهبنة فما عليه إلا الاتجاه رأسا لتغيير المنظومات الاقتصادية والسياسية والتعليمية على وجه الخصوص وتحرير الإنسان تحريرا حقيقيا ،وقتها فقط يمكن أن تجد الحركات الدينية تاريخا وتراثا مضحكا، أما العنف والقتل فلن يزيد إلا في تأجيج مشاعر الثأر من المجتمع والاتجاه نحو العمل السري، وهو الوضع الذي تبحث عنه الصهيونية والامبريالية.
لذلك نستطيع ان نتوقع ذلك السيناريو الجديد الذي يتم طبخه على نار هادئة ،يتمثل في تدشين موجة شعبية ثورية جديدة يقودها فلول نظام مبارك بالأساس ومعهم الحلفاء الجدد للسيد عبد الفتاح السيسي ،وسيكون محركها السخط العام على حكومة "الظلام" الحالية والانهيارالأمني والاقتصادي والتمزق السياسي وعدم وضوح الرؤية وإحباط عموم الناس من استمرار معاناة البلاد لأكثر من ثلاث سنوات منذ ثورة يناير ، وتكون هذه الموجة التي يحشد لها عدة ملايين في الشوارع والميادين الرئيسية بحماية مشابهة لما جرى في 30 يونيو مفتاحا لإعلان انتهاء تجربة "خارطة الطريق" لفشلها في حل مشكلات الوطن وتسببها في تعريض البلاد لخطر شديد والأمن القومي للانهيار ،وسيتم توظيف دعم إعلامي مكثف من قنوات فضائية ، كما سيكون للتحرك الجديد دعم مضمون وكامل من المؤسستين الدينيتين الأهم : الأزهر والكنيسة ، وسيكون هناك دعم سلبي مضمون أيضا من خلال المؤسسة القضائية التي يصعب عليها الاعتراض على سيناريو سبق ووافقت على نسخته السابقة وشاركت فيه من خلال المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية العليا ، كما سيحظى النظام الجديد بتغطية سياسية مناسبة من التيار الليبرالى و الناصري الذي يرتبط رموزه الكبيرة بالمؤسسة العسكرية وأجهزتها ،وحيث لا يوجد تناقض فعلي بين الناصريين وبين البنية المؤسسية التي حكمت مصر منذ 1952 ،ويلاحظ أن بعضهم يعلن من الآن أن السيسي هو الرئيس المقبل لمصر بلا منازع ، والمؤكد أنه ستكون للناصريين كوتة كبيرة في النظام الجديد ، ووفق هذا السيناريو سيتم اجراء الانتخابات الرئاسية وحل الحكومة القائمة ، وتكريم الرئيس المؤقت عدلي منصور وإعادته لمنصبه القضائي او للتقاعد، وإعلان السيدعبدالفتاح السيسي رئيسا للبلاد ،والدعوة لانتخابات برلمانية ،ولا اعتقد ان برنامج السيسي سيسمح للمدنيين بتولي مناصب الدولة كمحافظين و رؤساء احياء و غيره وانهاء احتلال قيادات الجيش لها وافسادها ولا اعتقد ان يخضع الجيش كجزء من الوطن للمراقبه و الحساب والا يبيع عسكري جيش مصر سلع استهلاكية ومعلبات وان تمتد يد المساعده للمواطن المصري بحسنات من فيض ميزانية الجيش وهي اصلا حق له ثم نركع ونبوس الايادي لهبه هي اصلا حق .
وهذا السيناريو اقرب للمستقبل فى وجهة نظرى فالسيسي لن يرفع قدما من المؤسسة العسكرية إلا إذا كانت الأخرى في قصر الاتحادية فعليا ، بلا أي فارق زمني وبلا أي إجراءات أخرى .
كما أن ثمة إعتبار مهم وهو اختزال الدولة فى الجيش والأمن وجهاز الدعاية، ويحلو للعسكر ترديد أن الجيش عامود الدولة وفضلاً عن خطورة هذا الوضع فى حال صحته إلا أنه فوق ذلك غير صحيح لأن هذا الجيش تحطم نهائياً ثلاثة مرات فى 1948 و 1956 و 1967 وانهار تماماً بعد 1973 وفى كل المرات كانت التضحيات المدنية هى التى تبنيه وكانت السياسة هى التى تصلح أخطاء وهزائم العسكريين .
فى النهاية هناك إحتمال ما زال ضعيفاً لتغييرهذه الإحتمالات وهو أن تنشط القوى المدنية الحقيقية المُعتمدة على الشباب غير الملوث بعلاقات السلطة وبزخم ثورة يناير ومع استيعاب دروس مراحل الحكم العسكرى كلها، وقتها لن يجرؤ أحد على الوقوف فى طريقها لأنها ستكون أقرب إلى المعجزة، ولكن هذا فى ضوء خبرة الماضي صعب المنال، وهنا أتمنى لعقلى الخطأ.
هشام عبده
كاتب عربي مصري
المصدر: أوكرانيا بالعربية