أوكرانيا بالعربية | مـصــر وأثـيوبيا آفــاق جــديــدة للـتـعـاون... بقلم حسن زايد

لا شك أن هناك اختلاف في منهج التفكير ، بين رجل دولة يعي متطلبات المرحلة ، ويتصرف علي أساسها . ورجل جماعة يعي فقط متطلبات الجماعة ، ويعمل علي إنفاذها ، أما الدولة بالنسبة له ، فلا وجود لها ، إذ أنها في مشروعة مجرد ولاية من الولايات التابعة لخلافته التي يحلم بها ، ومن ثم فإن متطلباتها لا وجود لها علي نحو منفرد ، ولا يقتضي الأمر التصرف علي أساسها . هكذا تصرف الإخوان في قضية سد النهضة . فكل ما فعله مرسي أنه دعي بعض رموز النخبة السياسية ممن قبل تلبية الدعوة إلي إجتماع في القصر الجمهوري لمناقشة قضية السد ، وإذا به يذيع وقائع الجلسة علي الهواء مباشرة ، علي نحو فاضح ومسف.
لا شك أن هناك اختلاف في منهج التفكير ، بين رجل دولة يعي متطلبات المرحلة ، ويتصرف علي أساسها . ورجل جماعة يعي فقط متطلبات الجماعة ، ويعمل علي إنفاذها ، أما الدولة بالنسبة له ، فلا وجود لها ، إذ أنها في مشروعة مجرد ولاية من الولايات التابعة لخلافته التي يحلم بها ، ومن ثم فإن متطلباتها لا وجود لها علي نحو منفرد ، ولا يقتضي الأمر التصرف علي أساسها . هكذا تصرف الإخوان في قضية سد النهضة . فكل ما فعله مرسي أنه دعي بعض رموز النخبة السياسية ممن قبل تلبية الدعوة إلي إجتماع في القصر الجمهوري لمناقشة قضية السد ، وإذا به يذيع وقائع الجلسة علي الهواء مباشرة ، علي نحو فاضح ومسف.
فمبدئياً يعد ما تم مجافياً شكلاً وموضوعاً لمقتضيات الأمن القومي ،وما دار من نقاشات ، وما تم طرحه من أطروحات يعد أمثولة في السطحية والتفاهة . ولايمكن القول بأن ما تم كان عن خطأ أو سهو أو غفلة ، وإنما كان الأمر متعمداً ومقصوداً ومخططاً له . فمن ناحية يجري إبراز مدي السطحية  التي عليها رموز العمل السياسي في مصر للعالم ، ومن ناحية أخري حتي يقدم الإخوان ، أساتذة الصفقات السرية، باعتبارهم الكادر الوحيد علي الساحة القادر علي إدارة مصر ، وبالتالي تجد فكرة الأخونة ما يبررها . وللأسف ابتلع الساسة الطعم ، وجري تمرير هذه الجريمة التي اقترفها الإخوان في حق مصر دون حساب . فهل كان يعي مرسي مدي الضرر الذي يلحق بسمعة مصر إقليمياً ودولياً بنقله وقائع الجلسة علي هذا النحو ؟ . نعم كان يعي ذلك ، ولكنه أخذ الأمر في إطار ما قاله مرشده السابق مهدي عاكف في حق مصر " طظ في مصر " .
وهو تعبير مصر دارج يعني الإستهانة بمصر وقدرها وقيمتها وقامتها ، والحط من هذا القدر وتلك القيمة والقامة . أما رجل الدولة حين يتصرف ، فهو يتصرف وفي باله مصر ، ويتصرف وفقاً لمصالح مصر العليا ، وبما يحفظ عليها كرامتها ، وقدرها ، وفقاً لدورها المقدر إقليمياً ودولياً ـ سواء الدور الآني أو المتوقع ـ الذي لا ينبغي الإستهانة به ، لا من مصري ولا غير مصري . وهذا ما تبدي واضحاً في تصرف الرئيس السيسي ، حين التقي برئيس الوزراء الإثيوبي علي هامش فاعليات الدورة العادية الثالثة والعشرين للقمة الأفريقية . وهي الدورة التي عادت فيها مصر للإتحاد الأفريقي ، وقد كان استقبال الوفد المصري زخماً قوياً لتحسين الموقف التفاوضي مع الجانب الأثيوبي ، حيث لم تعد مصر هي تلك الدولة التي تعاني من اضطراب ما بعد الثورات ، ولا هي مصر المعزولة عربياً أو أفريقياً  ، وإنما مصر بزخمها الثوري ، وحضورها الحضاري والتاريخي علي مستوي القارة السمراء .
وقد كانت الملفات جاهزة ، والأجندات واضحة في الأذهان ، وما هو مطلوب محدد وواضح ، وما يمكن تقديمه في المقابل متفق عليه ، وجاهز للعرض . فلم يكن موضوع السد هو الموضوع الوحيد علي أجندة الحوار ، وإنما هناك آفاق أخري أكثر رحابة وسعة يمكن أن تجمع البلدين . وقد اتفق الجانبان علي سبع نقاط محورية لا يكاد يختلف عليها عاقل ، وفي ذات الوقت تصب في إتجاه إرساء فصل جديد من العلاقات بين البلدين . من بين هذه النقاط احترام مباديء الحوار والتعاون كأساس لتحقيق المكاسب المشتركة ، وهذا الكلام ينبغي أن يسود بين جميع الدول كبديل عن لغة التهديد والوعيد التي عفي عليها الزمن . كذلك الإتفاق علي تجنب الدولتين الإضرار ببعضهما البعض ، وهو ما يمثل الحد الأدني في علاقات الدول ، فإن لم تنفع فلا أقل من ألا تضر . وقد قضي الإتفاق بالتزام الجانب الأثيوبي بتجنب أي ضرر محتمل من سد النهضة علي استخدامات مصر من المياه ، وفي ذات الوقت تلتزم مصر بالحوار البناء مع أثيوبيا ، والذي يأخذ في الإعتبار الإحتياجات التنموية لأثيوبيا وتطلعات شعبها . فإن كان السد لأثيوبيا ضرورة تنمية ، فإن النيل لمصر ضرورة حياة ووجود . ومصر لا يضيرها مراعاة ذلك .
وكان من بين ما تم الإتفاق عليه احترام مباديء القانون الدولي ، وهذه نقطة متقدمة للغاية بالنسبة لمصر . هذا بخلاف الإتفاق علي إعطاء الأولوية للمشروعات الإقليمية لتنمية الموارد المائية اللازمة لسد الحاجة المتزايدة للمياه ، ومواجهة مشكلة نقصها . وأخيراً جري الإتفاق علي الإستئناف الفوري لأعمال اللجنة الثلاثية حول سد النهضة بقصد تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية ، واحترام نتائج الدراسات المزمع اجراؤها خلال مختلف مراحل مشروع السد . ولا شك أن ماتم قد ضمد العديد من الجراح المتقيحة نتيجة الإنسلاخ المصري من العمق الأفريقي ، وعلي الأخص دول حوض النيل . وحسناً فعل الرئيس السيسي حين عرج علي السودان في طريق عودته ، رغم أن نظامها إخواني ـ نظام الترابي / البشيرـ وكان يميل إلي محاصرة مصر بتأييده للموقف الأثيوبي من موضوع السد نكاية في مصر . إلا أن زيارة السيسي قفزت فوق الجراح ، وتخطت الأوجاع ، لأن السودان شريك مهم في معادلة السد وغيرها .
كما كانت لفتة ذكية من الرئيس أن قام بزيارة شركة المقاولون العرب في غينيا ، إذ أن في تلك الزيارة إشارة إلي الجانب الأفريقي إلي ما يمكن لمصر أن تقوم به من مشروعات تنموية تخدم أبناء القارة عن طريق الإستثمارات المصرية في بلدانها . وأعتقد أن البون الشاسع بين منهج تفكير رجل الجماعة  ومنهج تفكير رجل الدولة قد تجلي بوضوح في موضوع سد النهضة  ، ومن يرد البحث في أسباب ثورة يونيه فليقس علي هذا الأمر . فأحد المنهجين يذهب بمصر إلي الثقب الأسود ، والآخر يذهب بها إلي آفاق أرحب .
حسن زايد
كاتب مصري ومدير عام 
المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
زيلينسكي يعلن إسقاط طائرة روسية جديدة من قبل الجيش الأوكراني
سياسة
البنتاغون يكشف خططاً غربية لتزويد أوكرانيا بطائرات حربية
سياسة
زالوجني ينشر أول صورة منذ إقالته في أوكرانيا
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.