أوكرانيا بالعربية | مؤتمر شرم الشيخ مظاهرة سياسية لدعم حكومة السيسي.. والقيود كبيرة.. والاستقراران السياسي والامني هما المعيار... بقلم عبد الباري عطوان
كييف/أوكرانيا بالعربية/أختتم مؤتمر شرم الشيخ الدولي للاستثمار اعماله الاحد بتوقيع مذكرات واتفاقات استثمارية في حدود 151 مليار دولار معظمها في قطاع الطاقة والبناء، من قبل شركات عربية خليجية وعالمية ابرزها شركة "اعمار" الاماراتية التي ستقوم ببناء عاصمة ادارية مصرية جديدة بقيمة 450 مليار دولار على مدى عشر سنوات، علاوة على شركات اوروبية مثل سيمنز الالمانية التي وقعت عقدا بعشرة مليارات دولار لاقامة مشاريع للطاقة في قطاعات النفط والكهرباء، وشركة بريتش بتروليوم التي وقعت اتفاقية بقيمة 12 مليار دولار لانتاج الغاز، و"مصدر" الاماراتية لاقامة محطات لتوليد الطاقة الشمسية والرياح بقيمة 9,4 مليار دولار.
المؤتمر الذي شارك فيه ممثلون عن مئة دولة كان عبارة عن مظاهرة سياسية بالدرجة الاولى الهدف منها دعم الحكومة المصرية الحالية واضفاء الشرعية على حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، واعطاء اشارة على ان مصر بيئة ملائمة للاستثمارات الخارجية.
الحضور كان واضحا وتمثل في التزام اربع دول هي السعودية والامارات والكويت وسلطنة عمان بودائع في البنك المركزي بقيمة 12.5 مليار دولار اربعة مليارات لكل من الدول الثلاث، ونصف مليار من الدولة الاخيرة سلطنة عمان.
الحضور السياسي العربي والدولي في المقابل كان اقل كثيرا من التوقعات، توقعات الحكومة على الاقل، فقد اقتصر على وزراء الخارجية في غالبية الحالات، وغاب عنه زعماء مثل الرئيس الامريكي باراك اوباما، او الروسي فلاديمير بوتين او الفرنسي فرانسوا هولاند، او البريطاني ديفيد كاميرون، ولكن الحضور الخليجي كان لافتا، حث شارك امير الكويت صباح الاحمد في المؤتمر الى جانب عاهل البحرين الشيخ حمد بن عيس آل خليفة، والشيخ محمد بن راشد نائب رئيس الدولة رئيس مجلس وزراء الامارات.
المملكة العربية السعودية صاحبة الفكرة الاساسية لانعقاد هذا المؤتمر تمثلت في الامير مقرن بن عبد العزيز ولي العهد في ظاهرة لافتة للنظر، فقد كان من المتوقع مشاركة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز فيه الامر الذي طرح العديد من علامات الاستفهام حول الاسباب السياسية لهذا التغيب، وطبيعة العلاقات المصرية السعودية في العهد الجديد.
دولتان تغيبتا عن هذه المظاهرة الاقتصادية السياسية هما اسرائيل وتركيا، بينما تمثلت دولة قطر بوكيل وزارة الاقتصاد وهو الاقل مستوى بين معظم الوفود المشاركة، وجرى تفسير غياب تركيا واسرائيل الى عدم توجيه الدعوة اليهما من الاساس، وربما لو كان الرئيس السيسي يعلم بالغيب، وان العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز سينتقل الى رحمة الله، لما كان وجه الدعوة اساسا الى دولة قطر نظرا لتدهور العلاقات مع قيادتها.
لا شك ان الرئيس السيسي كان بحاجة الى هذه المظاهرة السياسية، كما ان الشعب المصري بحاجة اكبر لها، فاستثمار هذا القدر من عشرات المليارات من المتوقع ان يعطي دفعة قوية للاقتصاد المصري، وبما يؤدي الى خلق مئات الآلاف من الوظائف للشباب المصري الذي يعاني من البطالة، علاوة على حل ازمة الطاقة المستفحلة في مصر من خلال توفير النفط والغاز ومصادر الطاقة البديلة الشمسية والرياح، لكن شريطة توفر الاستقرارين الامني والسياسي في البلاد.
وجود هذه الاستثمارات الاجنبية الضخمة لا يمكن ان يتحقق دون الالتزام بالشروط المطلوبة وابرزها المحافظة على معاهدة السلام مع اسرائيل واستمرار التطبيع معها، والمضي قدما في محاربة "الارهاب" وفق المعايير الغربية وربما يتأتى هذا من خلال تدخلات عسكرية في ليبيا واليمن وسورية والعراق اذا لزم الامر.
من الواضح ان دولة الامارات العربية المتحدة وضعت، وتضع كل ثقلها خلف نظام الرئيس السيسي، فهي لم تكتف بايداع اربعة مليارات دولار كوديعة في البنك المركزي المصري اسوة بالدولتين الخليجيتين الاخريين، وانما ذهبت الى ما هو ابعد من ذلك، اي التعهد ببناء العاصمة المصرية الجديدة بما قيمته 450 مليار دولار، وهي العاصمة التي ستكون مساحتها 700 كيلومتر مربع وتضم مطارا دوليا و40 الف غرفة فندقية، ومنشآت حكومية رسمية ومشاريع اسكانية لحوالي سبعة ملايين مواطن.
الصورة من الخارج تبدو وردية، وهذه الاستشمارات الضخمة اذا ما جرى ترجمتها عمليا، ودون معوقات ستعطي دفعة للاقتصاد المصري حتما، ولكن في ظل غياب مصالحة وطنية حقيقية، واستمرار وجود الفساد والمحسوبية، وهيمنة القطط السمان على مقدرات البلاد الاقتصادية، وعلى المشاريع الاستثمارية، ربما تتكرر الاسباب التي ادت الى انفجار الشارع المصري في ثورته عام 2011.