كييف/أوكرانيا بالعربية/باتت مسألة إطلاق سراح رئيسة الوزراء الأوكرانية السابقة وزعيمة المعارضة الحالية يوليا تيموشينكو أمراً محسوماً. وقد لا يستغرق الأمر أكثر من أيام حتى تصبح حريتها واقعاً.
من الجلي أن الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش حريص جداً على الانتهاء من ملف تيموشينكو قبل انعقاد «قمة الشراكة الشرقية» في ليتوانيا 28 نوفمبر المقبل، حيث يصر الاتحاد الأوروبي على الإفراج عنها قبل توقيع اتفاقية الشراكة مع كييف، خاصةً مع تزايد التسريبات بخصوص تفاقم آلام الظهر التي تعاني منها منذ زمن، ما اضطر السلطات إلى نقلها إلى مستشفى حكومي في مدينة خاركوف القريبة من روسيا.
والثابت، أن العلاج في ألمانيا، كما اقترحت المستشارة أنغيلا ميركل التي ترى في تيموشينكو رفيقة دربها في عالمٍ سياسي مليء بالذكور، سيكون من دون شك أفضل بكثير لرئيسة الوزراء السابقة، لأن حال المستشفيات الحكومية في أوكرانيا لا يسر بكل تأكيد لا تيموشينكو ولا يانوكوفيتش.
معضلة يانوكوفيتش
ولكن هذا المخرج سيوقع طرفي النزاع في حيص بيص. فالرئيس الأوكراني لا يريد إبقاء زعيمة المعارضة في السجن وتحويلها أكثر فأكثر إلى أيقونة المقاومة، أو أسيرة شهيدة إن تدهورت حالتها الصحية. وهو في وقتٍ سمح لها بالسفر إلى الخارج للعلاج، إلا أنه يرفض إصدار عفوٍ تام عنها بشأن الاتهامات المنسوبة إليها بسوء استغلال السلطة، وهو أحد شروط بروكسل أيضاً لتوقيع اتفاقية الشراكة، لأن ذلك يعني توقيعه على شهادة خسارته الانتخابات الرئاسية المقبلة.
معضلة تيموشينكو
أما تيموشينكو، فتتوجس من فكرة مغادرة أوكرانيا لأنها قد تذهب في طريق ذي اتجاه واحد وتصبح معارضة في المنفى غير قادرة على التواصل مع قاعدتها الشعبية أو التأثير في مجريات الحياة السياسية، فتدفن بذلك حلم الوصول إلى الرئاسة.
وتخشى تيموشينكو هنا أن تُدبر لها مكيدة سياسية وقانونية ما بالشكل الذي يجبرها على البقاء في الخارج فتنتهي إلى ما انتهت إليه رموز المعارضة الروسية التي نجح الرئيس فلاديمير بوتين في التخلص منهم الواحد تلو الآخر إما بالسجن أو بالنفي، حتى خلت الساحة تماماً من أي منافس محتمل يمكن أن يشكل خطراً على مسعى تجديد الولايات الرئاسية.
علاقات وشقاق
والحال، أن أوكرانيا تدرك أنها لم تعد قادرة على دفع ثمن ابتعادها عن الاتحاد الأوروبي بعد اليوم. فاقتصادها يترنح، وعلاقتها بموسكو ليست على ما يرام بسبب ابتزاز الكرملين المتكرر كل فصل شتاء ولعبه بورقة تصدير الغاز الروسي إلى أوكرانيا وأوروبا. وبدلاً من اجترار الحديث عن «السلطة الرأسية»، يأمل أغلبية الأوكرانيين من رئيسهم أن يعي أن مستقبل بلاده هو مع أوروبا التي.وعلى الرغم من مصاعبها الاقتصادية، تبقى في نهاية المطاف «أكثر رحمةً» من الجار الروسي الذي ما فتئ يتعامل بفوقية مع الأخ الصغير، محاولاً إعادة إحياء نفوذه في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق عبر ما يسمى بـ«الاتحاد الأوراسي».
فهل ينجح يانوكوفيتش في التخلص بالتدريج من التبعية المتهم فيها لموسكو ويردم الهوة المتزايدة بين الشرق الروسي والغرب الأوكراني للدولة الأوكرانية فيصبح رئيساً لكل الأوكرانيين؟. هذا على الأقل ما يتمناه سكان الغرب الأوكراني الذين يشعرون بالحيف من حصيلة أعوام حكم الأقلية الروسية في بلادهم ويتحصنون بالكاثوليكية لمواجهة النَفَس الأرثوذكسي المتنامي في الشرق المدعوم من الدب الروسي.
رؤوف بكر
المصدر: البيان