أوكرانيا بالعربية | لمن سيكون ولاء مزدوج الجنسية؟... بقلم د. عادل عامر
. كييف/أوكرانيا بالعربية/أود أن أطرح من خلال هذا الموضوع قضيتين في غاية الأهمية هما :
لماذا يسعى مواطن دولة ما إلى الحصول على جنسية دولة أخرى وقد يتنازل في سبيل ذلك عن جنسيته (كما تشترط قوانين السعودية وألمانيا مثلاً) ، والقضية الأخرى هي عن ولاء وانتماء السياسي الذي حصل بالفعل على جنسية دولة أخرى وهل يمكن أن يتقبل شعب أي دولة أن يحكمه أشخاص لديهم جنسيات دول أخرى؟ ولمن سيكون ولاء مزدوج الجنسية؟ وهل من المنطقي أن يصل مزدوج الجنسية إلى منصب سياسي رفيع في بلاده؟دعونا نتطرق أولا إلى القضية الأولى .. فلا شك عندي في أن الملايين من شباب مصر سواء في الداخل أو الخارج (في أوروبا وأمريكا وليس الخليج العربي فيما اعتقد) يسعون إلى الحصول على جنسية دولة أوربية أو غيرها عبر عدة طرق منها الزواج من عجوز شمطاء تريد إلى جوارها شاباً فتياً يعيد إليها مشاعر أنوثة قديمة (حدثني عن حلم الشباب في السفر للعمل بالسياحة في الغردقة وشرم الشيخ وقضاء البعض عدة ساعات على الانترنت لعمل محادثة مع أي أجنبية!!) ، أو أخرى تريد الحصول على الإقامة في مصر لممارسة أي عمل شرعي أو غير شرعي ولن يتأتى لها ذلك إلا بالزواج من مصري يحصل هو في المقابل على جنسية أو على الأقل حق الإقامة في دولتها الأوروبية ، وربما يحصل على الإقامة الشرعية عبر الزواج المدني من امرأة أجنبية في مقابل أن يدفع لها شهرياً عدة آلاف من الدولارات أو اليوروهات إلى أن يحصل على الإقامة والجنسية بعد ذلك (أعلم أشخاص فعلوا ذلك في الولايات المتحدة) وغالباً ما تكون امرأة سمراء فقيرة تتاجر بهذا الأمر، وفي حالات قليلة جداً قد يؤدي الحب والمشاعر الصادقة إلى الزواج الشرعي وبالتالي الحصول على الجنسية وهذا في حالات شديدة الندرة
أما وقد عرفنا كيف فيجب ان نعلم لماذا .. روى لي صديق كان يعيش في الولايات المتحدة وحصل على جنسيتها أنه كان في زيارة قصيرة إلى مصر لرؤية عائلته واصطحب معه صديق مصري آخر يحمل الجنسية الأمريكية أيضاً .. وكان صديق صديقي يقود سيارته أعلى أحد الكباري إلى أن استوقفته لجنة شرطة (هل هناك لجان شرطة على وجه الأرض يتم عملها على كباري إلا في مصر المستهدفة من كل مخلوقات الكون بزعمهم؟!) وطلب منه ضابط الشرطة أوراقه بطريقة فظة للغاية فقال له الرجل: أرجوك لا تتحدث إلى بهذه الطريقة .. أُطلب ما تشاء بطريقة مهذبة وسأعطيك إياه .. وطبعأ لأنهم لا يخطئون .. ويسألون عما يفعلون ولا يُسألون .. قام رجل الشرطة بسب قائد السيارة بأفظع الكلمات طالباً منه النزول من السيارة فما كان من الرجل إلا أن تحدث بالإنجليزية إلى صديقي قائلاً له: قل لهذا الشرطي أني سأتوجه معه إلى قسم الشرطة ومن الآن فصاعداً لن أتحدث إلا بالانجليزية حتى يأتي أحد مسئولي السفارة الأمريكية .. وعندما ترجم صديقي هذه الكلمات لضابط الشرطة امتقع وجهه وأصفر لونه وارتعدت فرائصه وأخذ يعتذر عما بدر منه لنصف ساعة .. تخيل ماذا كان سيحدث لو لم يكن مع الرجل جنسية أخرى!! رواية أخرى قصها على أحد أصدقائي من الصحفيين خلال تغطية انتخابات مجلس الشعب عام 2005، حيث قامت قوات الأمن بحصار فريق من المراسلين شرعوا في التقاط الصور والحديث مع المواطنين عقب منع قوات الأمن لهم من الإدلاء بأصواتهم في إحدى دوائر طنطا، ولما استحكم "الكرودن" الأمني صاح أحد الضباط: من كان معه جواز سفر أجنبي فليرفعه عالياً وليخرج بهدوء .. ولك أن تتصور عزيزي القارئ ما الذي حدث لمن تبقى داخل تلك الحلقة ..!! رواية أخيرة تابعناها كمصريين مؤخراً تجسد لنا ما تعنيه الجنسية الأخرى من أمان واستقرار للمواطن المصري حتى لو كان شخصية مشهورة وثرية.. وهي عن المطربة الوطنية "شيرين" صاحبة أغنية "ما شربتش من نيلها" والتي كانت تخطط للولادة في الولايات المتحدة حتى تحصل هي وطفلتها على الجنسية الأمريكية والتي تراجعت عنها مع الضغط الجماهيري –وربما الرسمي - العنيف عليها .. ليوقن الجميع أن مسألة الأغاني الدينية والوطنية ماهي إلا "أكل عيش" و"سبوبة" لهؤلاء وإلا لما هرب بعضهم من أداء الخدمة العسكرية ليغني بعدها ارمي حمولك عليا ويبقى أنت أكيد في مصر!! أما القضية الثانية فهي في غاية الخطورة وهي ولاء وانتماء السياسي مزدوج الجنسية .. ولمن سيكون ولاؤه الحقيقي هل للدولة الأم أم للدولة التي تعد حصن أمان له والملجأ والمنجى إذا ما ساءت الأحوال في وطنه الأصلي (سواء نتيجة لانحرافاته أو لتدهور الأحوال في وطنه) ونذكر في هذا الصدد أن هيئة المفوضين بمجلس الدولة كانت قد أكدت في تقرير لها حول ظاهرة النواب مزدوجي الجنسية في مجلس الشعب أن "ازدواج الجنسية يعني ازدواج الولاء ويشكل انشطاراً قانونياً ما بين الولاء للوطن الأصلي والوطن الذي حصل على جنسيته".واعتبر التقرير أن "الحصول على جنسية أخرى غير الجنسية المصرية يعني أن الولاء أصبح منقوصاً في حين أن النيابة عن الشعب تتطلب ولاءً مطلقاً لمصر (فما بالك بالوزارة!!)، وأشار التقرير إلى أن أحكام الدستور المصري تؤكد اختصاص البرلمان بسلطة التشريع والرقابة وينص الدستور على الايمان العميق لنائب البرلمان وليس مجرد أن يكون من أبوين مصريين. وأشار التقرير إلى أنه رغم أن قانون الجنسية المصري الصادر عام 1995 يرتب حالات تجنس المصري بجنسية أجنبية عندما يأذن له بذلك مع احتفاظه بالجنسية المصرية لاعتبارات أساسية في مقدمتها طمأنة المصريين الذين يقيمون في الخارج واكتسبوا الجنسية في دولة المهجر على ارتباطهم بالوطن الأم، ويكون ذلك لإقرار حق العودة، وهو ما يمنحهم قوة نفسية كبيرة في كفاحهم في دول المهجر، ومن هنا يكون السماح بازدواج الجنسية هدفه تعزيز موقف المصريين المستقرين في الخارج وفي حالة عودتهم، أما إذا انتهت إقامته وأقام في مصر ومارس العمل فيها هنا تزول الأسباب الداعية إلى احتفاظه بالجنسية الأجنبية إلا إذا كان حمله الجنسية الأجنبية إلى جوار المصرية يمثل شرفاً له يرفض التنازل عنه أو يمثل حماية له من دولة أجنبية، وكلاهما يزعزع من يقين الانتماء لمصر حيث يرفض المصري الحقيقي المعتز بجنسيته المصرية أن ينازعه في ولائه أي وطن آخر مهما كان. ودلل التقرير على حساسية ملف ازدواج الجنسية بالإشارة إلى موقف وزير الدفاع المصري بالنسبة للتجنيد في القوات المسلحة وقام بمعالجة هذا الأمر على نحو يحقق مصالح مصر ولا يعرض أمنها للخطر فأصدر قراراً عام 86 بشأن قواعد وشروط الاستثناء من أداء الخدمة العسكرية والوطنية وتنطبق قواعد الإعفاء على المصريين المقيمين في دولة أجنبية الذين اكتسبوا جنسيتها مع احتفاظهم بالجنسية المصرية ويزول هذا الاستثناء في حالة فقد الشخص الجنسية الأجنبية. وقال التقرير "إذا كان هذا هو قرار وزير الدفاع الذي استثنى المصري مزدوج الجنسية من أداء الخدمة العسكرية في القوات المسلحة فهذا يكشف عن وجوب هذا الحكم من باب أولى على المرشحين لعضوية البرلمان من مزدوجي الجنسية الذين يتولون سلطة التشريع ويقرون الموازنة والسياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والرقابة على أعمال السلطة التنفيذية".وأضاف التقرير "إذا كانت المهمة التي يقوم بها الجندي جليلة وحساسة ومقدسة فان مهمة عضو البرلمان على ذات القدر من القداسة.. وأشار تقرير مفوضي الدولة إلى أنه إذا كان قانون السلك الدبلوماسي والقنصلي الصادر عام 1989 يحظر أن ينتمي إليها أو يستمر فيها من يكون نصفه مصرياً ونصفه الآخر أجنبياً بالزواج من أجنبية، فإنه يتعين أن يمتد الحكم إلى من كان نصفه مصرياً والنصف الآخر أجنبياً بسبب التجنس، ويريد أن ينتسب إلى هيئة نيابية، وإذا كان العمل في السلك الدبلوماسي والقوات المسلحة شديد الحساسية فإن مهمة عضو الهيئة النيابية لا تقل حساسية، وبالتالي يتعين حظر الترشيح لعضوية البرلمان على من يجمع بين الجنسيتين المصرية والأجنبية دون الخوض في تفاصيل متطلبات العمل بأجهزة الأمن القومي التي تقوم حارسة على أمن مصر وأمان المواطنين، والتي تستلزم اشتراطات خاصة فيمن يشرف بالانتماء إليها منها أولا الولاء الخالص لمصر بلا منازعة أو منافسة أو شراكة".ولعلنا جميعاً نعلم بقصة رجل الأعمال الهارب وعضو مجلس الشعب السابق رامي لكح والذي يحمل الجنسية الفرنسية والذي أسقطت المحكمة الادارية العليا عضويته بسبب ذلك .. وهناك بالطبع عشرات غيره داخل المجلس يحاولون توفيق أوضاعهم ولكن عدم التركيز الإعلامي على هذه القضية أماتها فإذا كان هذا الأمر مقبولاً على هذا المستوى (إن صح ما قاله الكاتب).. فلماذا تم التعامل مع لكح بطريقة مختلفة؟ أم أنه ساعة الخلاف مع أحدهم تظهر كل أوراق الضغط المخزنة له؟ ماذا سيكون رد فعلك إذا ما أتيحت لك فرصة للحصول على جنسية أو الإقامة في دولة أوروبية أو غربية؟ وكيف ستعيش وماذا سيكون سلوكك في وطنك وأنت معك جنسية أخرى؟ وكيف سيكون سلوكك وأنت في وطنك الثاني؟ وما هو مقدار شعورك بالأمان في وطنك الأم وأنت معك جنسية أخرى؟ ويمكننا القول أن الشباب يتاجرون بأرواحهم لتحقيق حلم كثيرا ما راودهم , حلم النجاح بعد الفشل كحلم العليل بصحة البدن , شباب لم يجد وسيلة للعيش الكريم في أوطانهم , بالإضافة إلى اصطدامهم بسوء الأحوال السياسية واقتصادية والاجتماعية، ففروا باحثين عن النجاة ، حالمين بحياة أفضل حيث فرص العمل الوفيرة والمردود المالي الجيد قياسا مع اقتصاد بلدانهم المتدني. بيد أن هذا الحلم سرعان ما يتناثر ويذهب أدراج الرياح، أما على يد خفر السواحل، أو على كف الموت حين تحمله موجة عاتية تضرب قارب العبور إلى الضفة الأخرى. وظاهرة الهجرة ظاهرة عالمية تعانى منها كل الدول سواء المتقدمة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أو الدول النامية بآسيا كدول الخليج ودول المشرق العربي، وفي أمريكا اللاتينية حيث أصبحت بعض الدول كالأرجنتين وفنزويلا والمكسيك تشكل قبلة لمهاجرين قادمين من دول مجاورة، وفي أفريقيا حيث الحدود الموروثة عن الاستعمار لا تشكل بالنسبة للقبائل المجاورة حواجز عازلة وخاصة في بعض الدول مثل ساحل العاج وأفريقيا الجنوبية ونيجيريا. وهناك تصنيفات للمهاجرين غير الشرعيين فمنهم الذين يدخلون بطريقة غير قانونية دول الاستقبال ولا يستطيعون تسوية وضعهم القانوني , ومنهم الذين يدخلون دول الاستقبال بطريقة قانونية ويمكثون هناك بعد انقضاء مدة الإقامة القانونية , ومنهم الذين يعملون بطريقة غير قانونية خلال إقامة مسموح بها. والدول الأوروبية تسعى بكل طاقتها لاستئصال هذه المشكلة والسعي لوقف فلول المهاجرين إلى شواطئ أوروبا بآليات أقل ما توصف بها أنها أمنية متجاهلة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع بالشباب إلى التضحية بأرواحهم في سبيل إيجاد فرصة عمل وتحقيق حلمهم بحياة أفضل. فركزت معظم المشروعات المشتركة بين الحكومات الأوروبية وحكومات دول إفريقيا على منع هؤلاء الشباب من التسلل بالقوة سواء عن طريق إنشاء معسكرات احتجاز أو دعم الاتفاقات الأمنية المشتركة التي تتيح تسليم المهاجرين إلى حكومات بلدانهم أو عن طريق دعم حكومات شمال إفريقيا لتشديد الحراسة على الحدود وتعقب المهربين والمهاجرين أنفسهم. ولكن الجميع أهمل المشكلة الحقيقية التي دفعت الشباب للتضحية بأرواحهم ووسائل الإعلام تناولت القضية من منظور جعل هؤلاء الشباب في نظر الرأي العام مجرمين كما تم تصويرهم على إنهم حفنه من الشباب الكسول الذي يجرى وراء سراب والمكاسب السهلة بدلاً من بذل مجهود في وطنهم. فالهجرة بصفة عامة تطرح مشكلات خاصة بها تتعلق أساسا بالاندماج وتمتع المهاجرين بكافة الحقوق وفقا للقوانين المحلية والدولية، فإن الظاهرة الأكثر إثارة للقلق تتعلق بالهجرة غير الشرعية أو السرية. ومع غياب إستراتيجية أوروبية أفريقية لمحاربة الهجرة غير الشرعية فإن الأمر لم يخل من بعض المبادرات المشتركة كإطلاق مبادرات مشتركة بين الدول المجاورة لمراقبة الحدود البحرية. لكن هذه الخطوات تبقى محدودة ولا يمكن أن تستوعب كافة المهاجرين المقيمين، وفي نفس الوقت لا يمكن أن توقف بشكل فعال من هذا المد. ويمكننا القول أن ظاهرة الهجرة السرية ليست مسألة ظرفية بل باتت مكونا هيكليا وما زالت الآليات المستخدمة غير قادرة على تدبيره بشكل يحد من آثاره وانعكاساته سواء على دول المنبع أو الدول المستقبلة. وهذا لا يعنى أننا نرتضى هذا الأسلوب غير النظامي والخطر الذي يلقى المهاجرون بأنفسهم فيه ولكن إن أردنا علاجا لهذه الأزمة فعلينا وضع البدائل التي تحل محل الهجرة . تتباين آراء الشباب حول نظرتهم للهجرة غير الشرعية فنجد قطاع كبير يبرر السفر للخارج بحثا عن الملاذ امن ، وأسلوب حياه أفضل ، وفرص العمل ولكنهم يرفضون الهجرة غير الشرعية معتبرين إياها انتهاكا لآدميتهم والبعض الآخر يبحث عن اى ووسيلة للهرب بحثا عن النجاح وان كلفهم ذلك أرواحهم ، في حين يرى آخرون أن بلادهم أحق بجهدهم وانه يمكن تحقيق النجاح في حالة بذل مجهود اكبر.
دوافع هجرة الشباب إلي الخارج
أن الشباب يبحثون عن فرص عمل تتناسب مع مؤهلهم العلمي لان هذا هو السبب الحقيقي في تأزمهم وهو عدم اقتناعهم بفرصة عمل بعيدة عن مجالهم بشكل مؤقت لحين حصولهم على فرصة أفضل ، وجدير بالذكر أن هناك تباين كبير في المستوى الاقتصادي بين البلدان المصدرة للمهاجرين، والتي تشهد افتقارًا إلى عمليات التنمية، وقلة فرص العمل، وانخفاض الأجور ومستويات المعيشة، وما يقابله من ارتفاع مستوى المعيشة، والحاجة إلى الأيدي العاملة في الدول المستقبلة للمهاجرين، فالفوارق الاقتصادية بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية، وتتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية في العديد من مناطق الجنوب بعد أن تعثرت مشاريع التنمية، ويزداد البؤس، وتتواجد أنظمة ديكتاتورية، وتوجد قضايا أقليات ونزاعات إقليمية، إلى جانب انتشار الفقر والبطالة وحدوث الكثير من الكوارث الطبيعية المتمثلة في الزلازل والفيضانات والجفاف. كما يوجد ارتباط وثيق بين الأزمة المالية العالمية وقضية الهجرة الدولية فالأزمة تدفع بالملايين من الشباب إلي قوائم العاطلين ليزداد العدد العالمي لهم خاصة من الدول النامية، ولا شك أن هؤلاء يبحثون عن أي مخرج لهم، ومن ثم تأتي الهجرة كأحد الحلول أمام اليائسين الذين يبحثون عن فرصة عمل في أي مكان وبأي ثمن يدفعونه حتى ولو كلفهم الأمر حياتهم.هذا بالإضافة إلى عوامل الطرد والجذب فمن العوامل الطاردة البطالة والتشغيل المنقوص والفقر في البلدان المرسلة وكذلك نمو السكان وما يرافقه من نمو القوة العاملة. أما عوامل الجذب فتشمل زيادة الطلب علي العمل في بعض القطاعات والمهن، فأسواق العمل تستورد مهاجرين في ظل عدم قدرة العرض فيها علي تلبية الطلب علي نوعية معينة من العمال، وهناك أيضا عوامل الشيخوخة التي تزحف علي دول الشمال وبالذات في أوروبا الغربية واليابان، كذلك ارتفاع مطرد في معدل الأعمار مما يؤدي لانكماش قوة العمل وزيادة أعداد الخارجين من سوق العمل.ويمكن القول أن السبب الرئيسي للهجرة من الدول النامية وخاصة من دول جنوب المتوسط (مصر ودول المغرب العربي) إلى أوروبا سواء بشكل شرعي أو غير شرعي يكمن في الظروف الاقتصادية في تلك الدول. أما الأمم المتحدة فقد قدرت أعداد المهاجرين غير الشرعيين إلى دول العالم المتقدم خلال السنوات العشر الأخيرة بنحو 155 مليون شخص. هذا وقد توقعت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير أصدرته مؤخراً ازدياد الهجرة غير المنظمة جراء الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم الآن والتي لا يمكن تقدير حجم هذه الزيادة نظراً لطبيعتها، لكنها أكدت أن حوالي 15% من المهاجرين في العالم غير نظاميين. ويعتقد العديد من المراقبين للهجرة الدولية أن أعداد المهاجرين غير النظاميين في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) يصل إلى العشرين مليون عامل، ومعظم هؤلاء العمال دخلوا إلى تلك الدول في العشر سنوات الأخيرة، مشيرين إلى أن العمال غير الموثقين أو الذين لا يعملون في إطار منظم عادة ما يعملون في ظروف عمل أكثر سوءاً من غيرهم من العمال وهناك عدد كبير من أصحاب الأعمال يفضلون تشغيل هذا النوع من العمال من أجل التربح من المنافسة غير العادلة. . أعلم أن البعض ممن يحلو لهم ترديد الشعارات بأفواههم فقط دون أن تستقر في قلوبهم سيعلقون على هذا الموضوع ويكيلون لي الاتهامات ويؤكدون أنهم لو دفع لهم مال قارون فلن يغادروا وطنهم ولن يتخلوا عن جنسيتهم المصرية مهما كانت المغريات نعلم علم اليقين أن هؤلاء وغيرهم ستختلف ردود أفعالهم على أرض الواقع إذا ما عرض عليهم الحصول على جنسية أمريكية أو بريطانية أو فرنسية أو جنسية أي دولة أوروبية .
ستقبل المهاجرين الغير شرعيين الى الدول الاوربية الى اين ومتى ؟
وقال كريستوفر هوروود، منسق أمانة الهجرة المختلطة، ومقرها نيروبي، أن “هناك الكثير من ردود الأفعال غير المحسوبة للهجرة. فعادة ما ينظر إلى الهجرة على أنها مشكلة لابد من حلها، أو على أنها نوع من الظواهر القصيرة الأمد التي ستزول. فالجميع يعترف أن الحدود سهلة الاختراق ويتعذر السيطرة عليها، لكن لا توجد خطط لمخاطبة هذه المشكلة على الإطلاق ولا نقاش إقليمي حقيقي حولها أيضاً”. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).
تحسن توقعات الهجرة !
ولتحسين فهم الهجرة على المدى الطويل، قامت أمانة الهجرة المختلطة بالشراكة مع معهد الهجرة الدولية بجامعة اكسفورد باستكشاف السيناريوهات المحتملة لمستقبل الهجرة في القرن الأفريقي على مدى العشرين عاماً المقبلة. فنظراً لاستيائهم من النماذج التقليدية لتوجهات الهجرة الممكنة– التي تعتمد بشكل رئيسي على البيانات الاقتصادية والديموغرافية لتقديم تقديرات كمية لتدفقات المهاجرين في المستقبل، بادر الباحثون في معهد الهجرة الدولية لتطوير منهجية مبتكرة لبناء السيناريوهات.
وقالت سيمونا فيزولي، العضوة في فريق أبحاث مستقبل الهجرة العالمية في معهد الهجرة الدولية: “عندما نظرنا إلى التوقعات الخاصة بالهجرة وجدنا بعض أوجه القصور. فهذه المناهج… لا تستطيع أن تأخذ في الاعتبار جميع العوامل غير القابلة للقياس الكمي والعوامل غير المؤكدة كذلك”.
وأرادت فيزولي وزملاؤها الوصول إلى نموذج يتمتع بمرونة أكبر يمكنه أن يدمج جميع العوامل ذات الصلة بالهجرة في الوقت الذي يقوم فيه أيضاً بتوقع بعض الأمور المستقبلية المحاطة بالشكوك. ولذلك قرر الفريق اعتماد منهجية بناء السيناريوهات التي يتم عادة استخدامها من قبل المنظمات الخاصة لوضع استراتيجيات بيئات العمل المستقبلية.
ويتضمن الجانب الأساسي لهذا النموذج دراسة الحقائق النسبية حول التوجهات التي تحدد شكل الهجرة في أقاليم معينة مثل احتمالية استمرار النمو الاقتصادي في معظم أجزاء القرن الأفريقي وارتفاع مستويات محو الأمية والسكان الذين توجد بينهم نسبة عالية من الشباب والبالغين العرضة للهجرة. ثم يتم دمج ما يسمى بــ “التوجهات الكبرى” مع العوامل غير المؤكدة للغاية ولكن احتمالية تأثيرها على الهجرة في المستقبل يعد كبيراً مثل زيادة التعاون بين الحكومات الإقليمية أو تأثيرات النمو السكاني الحضري.
وقال هوروود أنه “لا يمكن التنبؤ بالحياة والأحداث التي لا يمكن التنبؤ بها هي دائماً ما يهز العالم. فمنذ بدأنا هذا المشروع توفى رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي…وعقدت انتخابات ناجحة في الصومال. لم يكن هذان الحدثان متوقعان منذ ستة أشهر لكن من المحتمل أن يؤديا إلى تغيير قواعد اللعبة”.
ويعتمد المنهج على جمع خبراء الهجرة الإقليمية مع أشخاص في القطاعين الخاص والعام والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية لوضع سيناريوهات مستقبلية محتملة. وقالت فيزولي أن “النقاش عن المستقبل يدفع الناس إلى التخلي عن حذرهم والتحدث فعلاً عما يمكن أن يكون محتملاً. وهذا يعطيهم الفرصة لربط عوامل لم يعتقدوا أبداً أنها مرتبطة ببعضها”
ويؤكد تقرير ختامي عن الهجرة المستقبلية في القرن الأفريقي واليمن أن مستويات الهجرة في المنطقة مازالت منخفضة نسبياً، لكن احتمالية ارتفاعها كبيرة أيضاً.
المراهقون محاصرون في اليونان !
وعلى عكس الحكمة التقليدية، من المتوقع أن تزداد رغبة الناس وقدرتهم على الهجرة إذا استمرت المنطقة في المضي قدماً نحو المزيد من الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية. وعلى نحو معاكس فإن زيادة الفقر والبؤس يمكن أن تقلل في الواقع من قدرة الناس على التنقل. وقال هوروود أنها “واحدة من الأساطير الرئيسية التي يعمل بموجبها صانعو السياسات في المنطقة وهي أن الاستقرار في الصومال سيعني أنه يمكنك إخلاء مخيمات اللاجئين وأن النمو الاقتصادي في إثيوبيا سيجعل الإثيوبيين غير راغبين في مغادرة بلادهم”. غير أن الواقع هو أن الفجوة بين طموحات السكان المتعلمين وقدرة أوطانهم على توفير الفرص لهم يعني أنه من المرجح أن يستمر الناس في الهجرة من القرن الأفريقي بحثاً عن الوظائف والفرص على مدى العقدين المقبلين.
ويفترض التقرير سيناريوهين للهجرة المستقبلية للمنطقة بحلول عام 2030. يتميز السيناريو الأول بارتفاع مستويات انعدام الاستقرار السياسي والعنف علاوة على ارتفاع مستويات النمو الاقتصادي المتذبذب وغير المتكافئ الناتج عن ازدهار الصناعات الاستخراجية في المنطقة والتدهور البيئي على نطاق واسع. ومن المتوقع أن تتسبب تلك الظروف في استمرار تدفق اللاجئين إلى الخارج وارتفاع مستويات الهجرة من الريف إلى الحضر وزيادة أعداد المهاجرين إلى الخليج وأوروبا وأمريكا الشمالية والصين والهند. كما أن حالة عدم المساواة المتزايدة تعيق هجرة الأسر الفقيرة إلى الخارج.
ويتميز السيناريو الثاني بالسلام والاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي البطيء ولكن الثابت المقترن بانخفاض عدم المساواة في الدخل. ومن المتوقع أن تسبب تلك الظروف عودة واسعة النطاق للاجئين مع تحول المنطقة إلى مقصد لطالبي اللجوء. ولكن من المتوقع أن تحفز الزيادة في الفرص التعليمية وفرص الحصول على تقنيات الاتصال عن بعد والمواصلات العديد من الشباب على الهجرة إلى أوروبا والخليج وشمال أفريقيا والصين بحثاً عن مستويات معيشة مرتفعة وفرص أفضل. ويظهر السيناريوهان المختلفان جداً أن “الهجرة وجدت لتبقى وعلى الحكومات السعي لإدارتها بدلاً من التعامل معها وكأنها نوع من الوباء،” كما أفاد هوروود. وقالت فيزولي أن التحدي الآن هو ايجاد طريقة لتقديم رؤى التقرير إلى الحكومات والجمهور الأوسع “دون إعطاء انطباع بأن هذا هو المستقبل” ويهدف المشروع بدلاً من ذلك إلى اقناع صانعي السياسات بأن يكونوا أكثر مرونة في مواقفهم وسياساتهم تجاه المهاجرين. وقد أوضحت فيزولي أن “القرار السياسي يضعك في موقف معين ويصعّب عليك تغير اتجاهك عند حدوث تغيير. لقد نصحناهم بأن يضعوا في اعتبارهم تصورات مختلفة للمستقبل عند وضع السياسات لكي يكونوا مستعدين للرجوع خطوة للوراء وتغيير الاتجاه”. وقد ضربت مثالاً بالمملكة المتحدة التي تتبنى حالياً سياسات ترمي إلى الحد من الهجرة إلى أقصى درجة ممكنة من خلال جعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للطلاب الدوليين والأكاديميين لدخول البلاد. وقالت فيزولي أن “هذه سياسات قصيرة النظر لأن المنافسة على الأفراد ذوي المهارات العالية ستكون على أشدها في المستقبل”.
د. عادل عامر
دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية
عضو المعهد العربي الأوروبي للدراسات الإستراتجية
والسياسية بجامعة الدول العربية
المصدر: أوكرانيا بالعربية