أوكرانيا بالعربية | لا تتكبَّر يا حضرة السلطان فالله أكبر!... بقلم عبد الله أيماز
كييف/أوكرانيا بالعربية/لقد وهب الله الإنسان مفتاحًا يحمل اسم "أنا، الأنانية" من أجل أن يفهم أسماءه وصفاته سبحانه وتعالى، غير أن هذه الـ"أنا" وهذه الأمانة والمفتاح يعتبر بذرة لو عُرفت ماهيتها تكون شجرة الطوبى في الجنة، وإن لم تُعرف ماهيتها تكون شجرة زقوم في جهنم…
كانت هناك شخصية في التاريخ الإسلامي أسمها ابن صياد، وكان يقوم بعمل الكهنة، فذهب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما إلى ابن الصياد الذي كان طفلًا صغيرًا آنذاك. وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن ماهية ذلك الطفل الحقيقية كما جاءت معلومات مفصَّلة عن هذا الموضوع في كتب الحديث، وعليه قال عمر بن الخطاب "اِئذن لي يا رسول الله لأضرب عنقه!"، فرد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم" يا عمر، إن كان هو دجالًا حقًا فلا تستطيع أن تصيبه بشر أو ضر، وإن لم يكن كذلك فلا تنال أنت خيرا بقتله".
وبحسب ما يرويه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: "أصبحت صديقًا لابن صياد بينما كان يزور مكة حاجًّا أو معتمرًا، تركه جميع من حولي وبقيت معه وحدي، فبدأت أخشاه بسبب ما سمعته عنه. وعندما نزلنا في مكان ما طلبت منه أن ينزل متاعه عند تلك الشجرة. وبينما نحن كذلك رأى بهيمة فحلبها وقدم إلي من لبنها، وقال لي تفضل يا أبا سعيد اشرب. فلم يعجبني أن أشرب حليبًا من يديه بسبب ما سمعته عنه من الناس، فقلت له: الجو اليوم حار وأنا لا أحب شرب اللبن في الحر. فقال لي: يا أبا سعيد لقد فكرت في أن آخذ حبلًا وأشنق نفسي لأرتاح من كلام الناس. فلو اعتقدتَ أن كلامي يبقى مغلقًا على الآخرين فاعلم جيدًا أن لا شيء سيبقى مغلقًا. ألست مِن أفضل من يعرفون أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم؟ يا معشر الأنصار، ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم إن الدجّال كافر؟ أما أنا فمسلم. ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم إن الدجّال لن يكون له ذرية؟ فأما أنا فتركت ولدي في المدينة. ألم يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الدجّال لن يستطيع دخول مكة والمدينة؟ فأنا من المدينة وأذهب معك إلى مكة.
وبينما كان يقول ابن صياد هذا الكلام قلت في نفسي إن الذي يقال في حقه كذب ورب الكعبة. ثم قال: يا أبا سعيد، سأقول لك خبرًا حقيقيًا وصحيحًا، أنا والله أعرف الدجّال وأباه عن يقين، وأعرف أين هما الآن. فقلت له: "لا تسر أمورك بخير ولتنته كل أيامك بخسارة". (صحيح مسلم، الفتن: 19)
نفهم من هذه الروايات أن ابن الصياد كانت لديه قابلية للدجل، غير أن البيئة الطيبة التي كانت في صدر الإسلام لم تسمح لتطور بذرة الدجل لديه. ولو كان يعيش في بيئة أخرى مواتية لكان قد أصبح دجالًا، من يدري.
يقول الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي في رسالته تحت عنوان” الحباب”: “من أكبر مظالم الناس هو أن يسندوا ثمرة الخير الناتج عن تعب جماعة كبيرة إلى شخص واحد ويقولوا إن هذا الشخص هو الذي أنجزها بمفرده. ففي هذا ظلم وشِرك خفي. ذلك أن نصب عمل قامت به جماعة كبيرة بإرادتها الجزئية إلى شخص واحد ادعاء بأن ذلك الشخص يتمتع بقدرة توازي قدرة الخلق والإيجاد. حتى أن آلهة اليونانيين القدماء وعبادة الأصنام جاءت نتيجة هذه التصورات الشيطانية الظالمة…”
نعم، إن الناس ينحرفون عن الصراط المستقيم بهذه الطريقة. ولهذا السبب كان السلاطين العثمانيون عندما يخرجون إلى الشعب يقول لهم الناس “لا تتكبَّر يا حضرة السلطان فالله أكبر!” وهم كانوا يطلبون من بعض رجالهم أن يذكروهم بذلك في كل فرصة حتى لا يصابوا بغرور أو كبر. وكان السلاطين ممتنين من هذه التحذيرات التي كانوا يستغلونها لكبح جماح أنفسهم.
لكننا اليوم ننظر إلى الوضع الذي صارت عليه تركيا، فنجد أن المهلّلين للسلطة الحاكمة يقولون “تركيا فخورة بك!”، ليرد عليهم البعض الآخر بأنانية وغرور كبيرين. فكلما زادت أنانية النفوس بدأت تأخذ طريقها نحو طريق نمرود وفرعون… ذلك أن بعضهم يخرج علينا ليقول في من يحبه: “لقد جمع في شخصه جميع صفات الله”، ولا يخرج من يعارض هذا الكلام ليقول: “لا تقل شيئًا كهذا، فهذا فيه رائحة الشرك”. فوتيرة الأمور تسير بشكل سيئ للغاية…