أوكرانيا بالعربية | إتـــــحــــدوا .. أو مــوتــوا 1ج... بقلم هشام عبده
كييف/أوكرانيا بالعربية/يمكن القول بأن موجة الاحتجاج العمالي أثرت بقوة في المجتمع المصري،منذ نشأتها وحدوث اول اضراب عمالى وهو إضراب حمالو الفحم في بور سعيد في أول إبريل 1882 ،ثم تلاه اضراب عمال السجائر 1899، وإضراب عمال الترام بالقاهرة، وإضراب عمال السكة الحديد عام 1908، وإضراب عمال غزل كفر الدوار في سبتمبر 1952 والذى تعاملت الدولة معه بأكثر أشكال القمع والتعسف دموية، وأقامت محاكمة عسكرية للعمال المتهمين بالتحريض وكان بينهم طفل في الحادية عشرة من عمره، وأمرت المحكمة بتحريض من الحليف اليمينى المتطرف بإعدام كلا من "مصطفى خميس" و"عبدالرحمن البقري ،وقد تاثرت الحركة العمالية كباقي الشعب بأحداث نكسة 1967 فانطلقت مظاهرات عمال حلوان في 1968 ضد النكسة، وضد تحميل سلاح الطيران مسئوليتها، واحتجاجا علي الأحكام العسكرية التي صدرت علي أفراد السلاح .
وفى 17 و18 يناير1977،انطلقت شرارة إنتفاضة الخبز من شركة مصر للغزل والنسيج وترسانة الإسكندرية ،وسارت كالنار فى الهشيم فى كل محافظات مصر ضد ارتفاع الأسعار حتى تراجع السادات عن قرارات رفع أسعار السلع الأساسية، وانتهت الانتفاضة بإدانة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وجميع النقابات العامة للإضرابات،وكانت تهمة الانضمام لتنظيم شيوعى تهمة من لا تهمة له وقتها،ومع بداية حكم مبارك انتظر العمال أن يأتيهم مبارك بجديد وسريعا اتضح أنه أسوأ من سابقيه، فاعتصم عمال كفر الدوار في 1984، والسكة الحديد 1986، والمحلة 1987، والنقل الخفيف 1986، والحديد والصلب 1989، وإسكو1986، وواجهت الدولة كافة الاحتجاجات العمالية السلمية بالعنف الأمني، وفض الاعتصامات بالقوة.
وبصرف النظر عن مدى نجاح او فشل هذه الاضرابات التاريخية،فقد شهدت نهاية عام 2006 بداية حراك عمالي امتد حتى قيام ثورة يناير2011 وقد بدأ في المحلة ثم انتقل بسرعة من موقع إلى موقع، ومن قطاع إلى آخر ،وكانت أغلب الاحتجاجات في القطاع العام، سواء الصناعي أو الخدماتي، بصورة أكبر بكثير مما في القطاع الخاص، وهو ما ركز المواجهة بين العمال والنظام السياسي، وليس النظام الطبقي، كانت مطالب العمال تتلخص في تحسين الأجر المتغير وشروط العمل، وهي مطالب تختلف من موقع إلى آخر، ما أفقد الحركة الوحدة والتماسك، خاصة في ظل وجود تنظيم نقابي أصفر وافتقاد الدعم السياسي، لذلك أخذت الحركة العمالية شكل موجات متتابعة، ولكن متباعدة، تنتابها حالات مد وجزر، وهو ما جعل الدولة تتعامل مع هذه الاحتجاجات بشكل وقتي وموقعي، ما تسبب بالتالي بتصاعد وتيرة الاحتجاجات بدلاً من احتوائها، حيث أصبحت المكاسب التي يحققها موقع أو قطاع تدفع الآخرين إلى المطالبة بالمعاملة بالمثل، كما كانت الوعود الكاذبة تزيد من احتقان العمال وتدفعهم إلى التصعيد .
اضحت أخبار الاعتصامات والإضرابات والوقفات العمالية تفجر موجة من الاحتجاج الاجتماعي تطالب بتحسين الخدمات المتردية، وقد تمثلت في التظاهر والاعتصام وقطع الطريق من أجل الحصول على خدمات أفضل، مثل مياه الشرب ومياه الري والكهرباء والسكن، كما هددت الحركة العمالية ارباب البرجوازية المصرية، حيث ظهرت كمؤشر لعجز النظام، وأعطت دليلاً لخصومه السياسيين على مدى فساده وفقدانه للقدرة على حل الأزمات المتوالية، كما أصبحت أنشودة الاستقرار التي تغنى بها مبارك، طويلاً، بلا معنى، في ظل الاحتجاج اليومي الذي يتراكم وينذر بالخطر.
والان وبعد الثورة الاولى 2011 والموجة الثانية منها 2013 ،وبقدر ما تحاول الاحزاب والحركات اليسارية الموجود على الساحة السياسة، والمنظمات النقابية تقوية التنظيم العمالى ،لمواجهة تحولات سوق العمل، وبقدر ايضا ما تعمل الرأسمالية المصرية على تفكيك عالم العمل، باللجوء إلى المقاولة، وتشجيع الاستثمار الاجنبى، وعقود العمل المحدودة الأجل، وفي ظروف استثمار الخصخصة، التي عرفتها مصر ،ويحتل ميزان القوى لصالح الرأسمال الخاص ،هذه المعركة غير المتوازنة الأطراف، يوازيها تفكك تنظيمي، ووعي سياسي شديد التدني لدى العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، إلى جانب سيطرة الفكر الظلامى ،وانتشار التفكك الاجتماعي، وانهيار منظومة القيم، وشيوع التعصب، التي تحاول إيهام المجتمع، وإقناع أتباعها، بأنها، بممارستها الإرهابية، ومواقفها المعادية للعلم، والمعرفة، قادرة على تغيير الواقع الاجتماعي، في ظل غياب أي برنامج، أو تصور لسبل التغيير.
وايضا لايمكن للصناعة احداث الحراك السياسى والاجتماعى والسيطرة في الإقتصاد بشكل نهائي إلا عندما تقع في الفلاحة ثورة تعوض ما عانوه طوال الحقب الماضية فنضال الفلاح المصرى لا يقل اهمية وتضحية عن نضال العامل ،فبعد مرور ستة اشهر عى ما كتبته صحيفة "اسنرودنت" الإنجليزية في 15 يوليو 1861 ،إن الفلاحين المصريين يسحبون سيرًا على الأقدام إلى بور سعيد، وقد ربط بعضهم إلى بعض كالجمال أو مثل قطعان العبيد، كانت الانتفاضة التاريخية للفلاح المصري في يناير 1862، بالتمرد الذي قام به آلاف الفلاحين ضد السخرة، وقيامهم بالإضراب عن الحفر، والهروب المنظم -والمسلح- من الموقع، ما اضطر المستغلين إلى تحديد أجر "رغم ضآلته" للفلاحين، والتحسين النسبي لمعيشتهم وخاصة بالنسبة لمياه الشرب ، ولقد تعاظمت حركة الفلاحين من تلك الفترة مرورا بثورة 1919 وتلك الفترة من عام 1948 حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952، وتجسدت في معارك الفلاحين ضد الظلم والسخرة في "بهوت وكفور نجم وساحل سليم وميت فضالة ودرين وأبو الغيط" والعشرات من قرى مصر شمالًا وجنوبًا فمنذ بداية تطبيق قانون الإصلاح الزراعي المضاد في عام 1997 ،ذلك القانون الذي أعطى لملاك الأرض القدامى شرعية قانونية تمكنهم من انتزاع الأرض التي تم تأميمها- والمواجهة الغير متكافئة ما بين الفلاحين في ريف مصر وكبار الملاك المدعومين بالديكتاتورية والفساد، مستمرة بهدف تصفية كل المكاسب الجزئية التي حصل عليها الفلاحون في عهد ثورة يوليو .
فما العمل من أجل استيعاب واستيعاد العمال، والفلاحين وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، لدورهم التاريخي، في هذه المرحلة التي يعاني فيها المجتمع المصرى، من كافة أشكال التردي؟
هذا ما نتعرف عليه فى الجزء الثانى من هذا المقال ....
هشام عبده
كاتب عربي مصري
المصدر: أوكرانيا بالعربية