أوكرانيا بالعربية | حرب الدونباس-بداية النهاية ... بقلم د. نوفل حمداني
زاباروجيا/أوكرانيا بالعربية/ تتواصل ألسنة النيران المشتعلة في الشرق الأوكراني التأجج يوما بعد يوم..ويواصل معها أطراف النزاع الداخلي-الخارجي العمل الحثيث من إجل إخماد هذا اللهب الذي أحرق الأخضر واليابس في منطقة عرفت بأن إنتاجها جزء لا يتجزأ من الإقتصاد الأوكراني
وإذا كان الصراع الأوكراني ينقسم إلى قسمين أساسين أولهما سياسي، فأقد أصبح واضحا أننا اليوم نشهد جولة في إطار جولات عالمية للسيطرة على أوكرانيا – لأنها دولة كما يعتبرها زيغنيو بريجينسكي المستشار القومي الأمريكي تمكن روسيا من العودة للإمبراطورية، وبدونها فإن روسيا دولة آسيوية لا حسب.
وثانيهما إقتصادي بحت، يهم كل أطراف النزاع العالمي – إنطلاقا من أوروبا ومرورا عبر أمريكا وروسيا و وصولا إلى السلطة الجديدة في كييف.
ولعل الغرب رد الصاع للروس من خلال التدبير لإنقلاب أبيض في شكل ثورة كان شعارها إعادة أوكرانيا إلى الحظيرة الأوروبية..إلا أن الروس كانوا أدهى بكثير مما ظنه الغرب فقد كانوا يخططون لإستعادة القرم ابتداءا من الثورة البرتقالية عام 2004...لأن جوابروسيا على الإنقلاب على حكم "يانوكوفيتش" هو رد دفاعي وليس هجوميا..
بوتين قرر إحتلال القرم منذ الثورة البرتقالية عام 2004
خيارات بوتين
وبعيدا عن هذه المعطيات فقد كان بوتين أمام ثلاث خيارات أساسية وجب عليه الإختيار بينها لإظهار قدرته وسيطرته على أوكرانيا - رغم إنهيار الإتحاد السوفياتي- و لعب دور الفزاعة أمام الطفل الأمريكي البرئ ليخاف هذا الأخير من الإقتراب من أوكرانيا...
أول الخيارات كان هو الخضوع التام للغرب وتقبل فكرة أوروبية أوكرانيا مع ضمان عدم زعزعة أمن وإستقرار أوكرانيا الداخلي. وإبداء نوع من التقبل والتفاهم مع الغرب في شأن إختيار أوكرانيا لمستقبلها الأوروبي "البعيد المنال".
ثاني هذه الإختيارات هو التدخل الغير مباشر في الشأن الداخلي لأوكراني وزعزعة الأمن والإستقرار في البلاد و الإنتقام من الغرب عقابا له على الإقتراب من الإمبراطورية الكبرى..
أما الخيار الثالث فقد كان الغزو الكامل أو الجزئي لأوكرانيا و إندلاع حرب قد تكون نهاية لهذا العالم..
ولعل السيد فلاديمير إختار أسهل الطرق وأبسطها للتعذيب، فقد قرر خلق من أسماهم "الإنفصاليين" الحالمين بالعيش في كنف ورخاء الفيديرالية الروسية التي ستكون لهم عونا و أمنا و ستفتح لهم أبواب "الجنة" على مصراعيها..بعيدا عن القارة الأوروبية العجوز التي لا تملك لهم خيرا و لا إحسانا بل تزج بهم في غيابات الديون و الفقر والإنحلال الخلقي –حسب النظرة الروسية للأشياء-..
ظهور الإنفصاليين
وما إن ظهرت –طحالب الإنفصاليين- على السطح، حتى ظهر معها الرئيس الأوكراني الجديد بيترو بوروشينكو على حصانه الأبيض المرصع بجواهر تحمل اللونين الأزرق والأصفر كدليل على وحدة أراضي أوكرانيا من خلال ألوان علمها..جاء بوروشينكو و معه وعود حل الأزمة ..أزمة إستمرت لأكثر من 5 أشهر.. لم ينفع معها أي نوع من أنواع النقاش و لا الحوار بل تحولت الأزمة إلى سلاح و سلاح مضاد...
وها نحن اليوم نشاهد وأياكم الأطوار ما قبل الأخيرة لهذه "الحرب" التي خلفت سقوط عدد من الأرواح إضافة إلى الجرحى.. نعم تضيق كيلوميترات "الجمهوريات الشعبية" يوما بعد يوم، و تضيق معها الأحلام الوردية بالإلتحاق بركب الروس "الشرفاء".. تضيق الأحلام بعد أن خذل قياديوا الإنفصاليين من العم فلاديمير نفسه.. الرجل الذي أعتقد الإنفصاليون أنه سيمد لهم يد المساعدة و سييضم "جمهورياتهم" إلى روسيا الأم كما فعل مع القرم...
اليوم هاهو يتخلى عنهم أمام الملأ.. بل ويحثهم على ترك السلاح والتحاور... بوتين الرجل الحديدي و إن كان من فصيلة ذوي الدماء الحارة، إلا أنه هذه المرة عرف كيف يلعب ورقة "الجوكر الصحيحة" بدم بارد..فقد إختار الخصم و لاعبه ..فأتعبه وعاتبه وهاهو اليوم يقف أمام العدو حاملا ورقته تلك ليعلن إقتراب نهاية الحرب التي بدأها هو نفسه..
بوتين يدعم بالسلاح الإنفصاليين،ويبرأ نفسه أمام شاشات التلفازبراءة الذئب من دم يعقوب.. بوتين ينشر رجاله في الدونباس ويفند بعدها مزاعم الغرب بذلك.. بوتين رجل وإن صح القول فيه يلعب "بالبيضة والحجر"..
نهاية حزينة و مفرحة
نهاية –حزينة- للحالمين بجنان الخلد الروسية وسعيدة للطامحين في الإنضمام للدرب الأوروبي .. فإن نظرنا جيدا لفهمنا أن روسيا قررت إنهاء الحرب من خلال تغيير قادة الإنفصاليين و التخلي عن أولئك الذين كان لديهم –حس وطني عال- و الذين أعلنوا ولائهم للقبصرية أكثر من مرة..تغييرات أعتقدها نقطة تحول في مسار الحرب الدائرة في إقليمي دونيتسك ولوغانسك..ستكون لصالح جيش أوكراني المغوار الذي سيدخل أسوار الدونباس فاتحا منقذا و سيطرد المسلحيين المنهزمين إلى خارج حدود بلاده...
نهاية حرب الدونباس هي إعلان لولادة أوكرانيا جديدة
إذن هي أيام قليلة (حسب إعتقادي) تفصلنا عن الفصل الأخير من حرب الدونباس .. حرب وإن تمعنا في طياتها أضعفت كاهل كل الأوكرانيين حكومة وشعبا، بل وأدخلت أوكرانيا مصارا ضيقا أكثر يبعدها كل البعد عن روسيا الحليف-العدو ...كما أضعفت قدرة المواطنين أنفسهم بسبب إرتفاع الأسعار والضرائب وصعوبة العيش اليومية.. لكن هل ستأتي الحرب بجديد بعد أن تضع أوزارها؟ وهل سيراجع سكان الشرق الأوكراني أنفسهم؟ وهل سيتصالح الشرق الأوكراني مع باقي أوكرانيا ؟ أسئلة تنتظر إجابة محددة ... لكن بعد إطفاء نار أشعلتها مصالح دولية وإقليمية الخاسر الأكبر فيها هو أوكرانيا...
بقلم: الدكتور نوفل حمداني
رئيس المركز العربي في مدينة زاباروجيا الأوكرانية
صحفي ومراسل لدى صحيفة أوكرانيا بالعربية