أوكرانيا بالعربية | هل أتاك نبأ الكادحين... بقلم هشام عبده
كييف/أوكرانيا بالعربية/لا تستطيع أي دولة كانت أن تطلب من شعب جائع أن يكون شعبا فاضلا أبدا أو واعيا يقوى على تحديد ملامح مستقبله، لأن الشعب المحروم الذي لا يجد قوت يومه لا يفكر بعقله وإنما يفكر كيف يملئ معدته !!
تدور بلا توقف آلة ضخمة لسحق البشر، حرمان من ابسط الحقوق ، إنكار لإنسانية قاعدة عريضة من المجتمع، من عمال وعاطلين وكادحين وفلاحين بالقرى، من يجنون ثمار تلك الآلة يعملون بحرص شديد على إعدام إمكانات تبلور القوة الشعبية القادرة على إيقاف الآلة واستبدالها بنظام اقتصادي/ اجتماعي آخر، نظام غايته إرضاء حاجات الناس وصون كرامتهم، مع نظام سياسي يعطيهم إمكانية تدبر أمور حياتهم بقرارات منهم ولهم .
الخوف الشديد من تلك القوة الشعبية ومن ذلك البديل هو الذي يدفع المالكين والحاكمين إلى السعي إلى إسكات كل صوت من شأنه إيقاظ طاقة النضال الكامنة في أعماق الفئات الشعبية المسحوقة، وتوحيدها وتسليحها بوعي اصل المظالم والأغلال وسبل التحرر منها .
وان كان أدعياء كثر للديمقراطية وحتى بعض اليساريين يتواطئون مع أعداء الشعب في تصريف السياسات المدمرة لما تبقى من مكاسب، ويغطون على جرائم القمع وتجريم الاحتجاج ،ويباركون الديكتاتورية القائمة ،فلابد من وجود ثمة مناضلين صامدين يواصلون أداء واجب التصدي، واجب دعم صبوات الكفاح الشعبي في كل الأوساط الكادحة .
يوجد هذا الصنف من اليساريين الحقيقيين في كل مكان المصانع المزارع النقابات ... الخ، رغم ما يشلها من تبقرط مفرط وسياسات تعاون طبقي مدمرة، ويوجدون في الجامعة وفي حركة العاطلين وفي حركتي النساء و الدفاع عن الحقوق الإنسانية، واغلبهم مناضلون بقوى يسار اليسار ؛ تآزر هؤلاء المناضلين وتعاونهم، بمختلف اتجاهاتهم، شرط أولي لمنع تحطيم آلة الدفاع لقوى النضال، هذا التحطيم الذي نال فعلا من قدرات اليسار على قيادة الكفاح العمالي والشعبي، كما يمثل ذلك التآزر والتعاون ترياقا ضد ما ينخر الوسط المناضل من عصبوية وتحامل،وسبيلا إلى بناء وحدة نضالية ميدانية، وحدة تشكل إلى جانب النقاش السياسي والفكري، مقدمة لا غنى عنها لبناء الأداة السياسية العمالية الكفيلة بقيادة نضال كافة الكادحين والكادحات.
إن الطبقة الشعبية لا تفعل لحد الآن سوى الصمود وتحمل الضربات أمام الهجوم الاقتصادي والقمعي والتخدير الإيديولوجي الذي تمارسه عليها الأقلية البرجوازية المهيمنة على وعبر أجهزة الدولة والأحزاب السياسية والمركزيات النقابية، ولم تستنهض بعد قوتها الطبقية الذاتية لمقاومة هذا الهجوم الرأسمالي الكاسح .
نفس الهجوم البرجوازي المستغل تعيشه شعوب الكثير من الدول الأخرى ومن بينها شعوب الدول الأوروبية حيث نشاهد مقاومة الكادحين متفاوتة القوة لها بقيادة العمال والشباب والنساء لحماية شروط عيشها، فهو هجوم برجوازي عالمي جشع تدير دفته الإمبرياليات والرأسماليات التابعة ،وتستعمل في هذا الهجوم بشكل فض أجهزة الدولة والأحزاب والنقابات التي أصبحت مجرد ملحقات من أجل معالجة أزمتها العامة واحتضار نمط إنتاجها، وهذا ما يجب أن يعيه الكادحون جيدا حيث لا مفر أمامهم من المقاومة وقيادة صراع الطبقي المضاد، في مواجهة التحالف اليميني الإمبريالي، وتشكيل جبهة أممية عاملة مكافحة مدافعة عن حقوقها لا تنخدع بالإيديولوجيات البرجوازية ولو بدعاوى دينية .
ويجب أن نعلم أن نجاح الثورات والانقضاض على النظام الظالم لا يتحقق، ما لم يسيطر فيه الأغلبية المستضعفة الكادحة على منابع القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية والتعليمية والقضائية والصحية ،وهذا حق الفقير لا أكثر ولا اقل ،ولكنه أمر يحتاج إلى تخطيط ومتابعة ووعي لم يتوفر لدى مستضعفي وفقراء العالم الرأسمالي إلى اليوم للأسف .
فان كانت الرجعية تطرح فكرها وتتمادى وتحشد ،لضرب قوى الثورة فلماذا أولا لا يكون هناك صراع فكري عقائدي مع هذه الأوساط لاستقطاب الشارع بشكل أوسع ،حيث من السهل خداع كثيرين بدعاوى المقدس ،ولا يجوز عدم الانتباه لذلك ،وخداع النفس بامتلاك الأغلبية ،فقد ظل دائماً الصراع الفكري أداة دفع في مسيرة النضال .
إن التحالف بين قطاعات الثورين من مختلف المنابت اليسارية أصبح ملحا ،والبقاء في دائرة الرومانسية الثورية أمر يجب الحذر منه ،فلن تقاد الشعوب بالنوايا الحسنة ،فالحركة تجري ضمن مجتمع به من الاختلافات الفكرية والطبقية الكثير ،وبحكم طبيعة الحياة فان الأقاليم لها رأي فيما هو جار على تخومها ولن تهدئ منتظرة ،والعالم صغير "بالاتصال" ولن يبقى مشاهدا تلفزيونيا ،والحركة تتوسع والمصالح تتقاطع ، فلمصلحة من الطوباويات ،فلتحسم جماهير الكادحين مواقفها ولتتحالف مع كل الفئات المتضررة من وخاصة الريف ولينطلق قطار الثورة صارما واضحا ذا برنامج أصبح مستوجب .
ربما لا أعلم إلي أين نحن ذاهبون ؟ ماهي أهدفنا، مشاريعنا و مستقبلنا مع حكومات وإدارة تعيد نفس زمن الانظمة السابقة ؟ فهل قمنا بثورة لتغير النظام؟ أم لتغير اسم الحزب الحاكم ؟
لكن الذي اعلمه جيدا أن الشعب اسقط الأنظمة ويريد التغير الديمقراطي والتوجه للإمام .
هشام عبده
كاتب عربي مصري
المصدر: أوكرانيا بالعربية