أوكرانيا بالعربية | "هايد بارك جنيف" كسر الحصار على الاسد.. وبانتظار "جنيف 3"... بقلم عبد الباري عطوان

تحول مؤتمر جنيف الثاني الذي افتتح اعماله صباح اليوم الى مهرجان خطابي، او اشبه بـ"ركن هايد باراك" الشهير في لندن، الذي ينصب فيه المتكلمون خيامهم كل يوم احد في احد اركان هذه الحديقة اللندنية الشهيرة، وربما اريد له ذلك منذ البداية، وحصره في يوم واحد، قد يؤدي الغرض فيما يبدو. الانظار كانت متجهة بالدرجة الاولى الى الوفدين: السوري الرسمي.. والسوري المعارض باعتبارهما طرفي المواجهة، والمعادلتين العسكرية والسياسية، الى جانب خطابات بعض الدول الداعمة لها، روسيا في حالة الوفد الرسمي، وامريكا وتركيا والسعودية وقطر في حالة الوفد المعارض، اما باقي الخطابات فكانت من قبيل الحشو اللغوي لا اكثر ولا اقل

كييف/أوكرانيا بالعربية/تحول مؤتمر جنيف الثاني الذي افتتح اعماله صباح اليوم الى مهرجان خطابي، او اشبه بـ"ركن هايد باراك" الشهير في لندن، الذي ينصب فيه المتكلمون خيامهم كل يوم احد في احد اركان هذه الحديقة اللندنية الشهيرة، وربما اريد له ذلك منذ البداية، وحصره في يوم واحد، قد يؤدي الغرض فيما يبدو.

الانظار كانت متجهة بالدرجة الاولى الى الوفدين: السوري الرسمي.. والسوري المعارض باعتبارهما طرفي المواجهة، والمعادلتين العسكرية والسياسية، الى جانب خطابات بعض الدول الداعمة لها، روسيا في حالة الوفد الرسمي، وامريكا وتركيا والسعودية وقطر في حالة الوفد المعارض، اما باقي الخطابات فكانت من قبيل الحشو اللغوي لا اكثر ولا اقل.

كان لافتا ان خطابي السيد وليد المعلم وزير خارجية سورية وخصمه المعارض السيد احمد الجربا موجهين الى الغرب بالدرجة الاولى، ومحاولة التأثير عليه، وكسبه من خلال التركيز على قضايا اساسية مثل الارهاب ومواجهته كل حسب منظوره، فبينما ركز الاول على الجماعات الجهادية التي جاء اعضاؤها من مختلف انحاء العالم عبر الاراضي الاردنية والتركية، وتنظيم "القاعدة" على وجه الخصوص، حرص السيد الجربا على التأكيد على محاربة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام باعتبارها منظمة "ارهابية"، مقدما اوراق اعتماده كقائد لقوات "صحوات سورية".

السيد المعلم تبنى استراتيجية "ذكية" في خطابه، ترتكز على عدة عناصر اساسية، ابرزها محاولة تخوين المعارضة السورية السياسية والمسلحة وربطها بالخارج، وشن هجوم شرس على الدول الداعمة لها مثل السعودية وتركيا وقطر ووصف قادة هذه الدول (السعودية وقطر) بالتخلف واعطاء دروس في الديمقراطية والتطور والتقدم وهم لا يعرفونها، واستعملوا ملياراتهم لشراء الاسلحة، وتجنيد المرتزقة، واغراق الفضاء الاعلامي بكذبهم، وقال ان هناك 83 جنسية تقاتل من اجل زعزعة استقرار سورية، وكذلك تقديم النظام السوري على انه النظام العلماني الذي يقيم دولة مدنية تحقق التعايش والحماية للاقليات، والمسيحية منها خاصة، في مواجهة الجماعات "التكفيرية" التي تخطف الراهبات وتدمر الكنائس، وتحرق المتاحف وتنبش القبور.

السيد احمد الجربا رئيس الائتلاف الوطني السوري اتبع استراتيجية مغايرة في خطابه، وان كان قد التقى مع السيد المعلم في الحديث عن الارهاب، ولكن ارهاب النظام، وسرد قصص عن جرائمه، مبتدأ بالفتاة سارة اول "شهيدة" في الثورة السورية، وركز على نقطتين اساسيتين في هذا الاطار: الاولى، الحرب التي يشنها الجيش الحر ضد الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش)، والثانية، دعوة النظام التوقيع فورا على وثيقة "جيف1" ليتم نقل صلاحيات الرئيس الاسد لهيئة الحكم الانتقالية، مؤكدا بانه لا يجب ان يكون هناك اي وجود له، اي الرئيس الاسد، في هذه الهيئة، ملتقيا بذلك مع جون كيري وزير الخارجية الامريكي والامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي.

الامير الفيصل خدم النظام السوري دون ان يقصد عندما طالب بخروج جميع القوات الاجنبية من سورية مشيرا الى قوات حزب الله والحرس الثوري الايراني، وهي المطالب نفسها التي كان وما زال يطالب بها النظام قبل دخول قوات حزب الله الى سورية، ويقول انها تمول وتسلح ويسهل مرورها من قبل المثلث السعودي القطري التركي.

كل حسب دوره، وجرى تقسيم المقاتلين على الارض السورية الى سوريين و"غرباء" او انصار ومهاجرين، وجرى توظيف وجود اعداد كبيرة من "الغرباء" في تنظيم الدولة الاسلامية كمبرر لتصفيتها من قبل الجماعات الاسلامية الاخرى المدعومة خليجيا وتركيا.

الهوة شاسعة بين المواقف المعارضة والمؤيدة للنظام في سورية، ولا نعتقد ان جلسة "فش خلق" و"تنفيس" تمتد ليوم واحد في جنيف قادرة على تجسيدها ولذلك سيعود المشاركون الى عواصمهم دون ان يتغير الا القليل، بل والقليل جدا على ارض الواقع.

فعندما يقول السيد الجربا وداعموه ان لا مكان للرئيس الاسد في الحكومة الانتقالية، ويصر السيد المعلم بأن رئيسه ونظامه هما خط احمر، فان الحل السياسي يبدو بعيدا جدا.

اذا نظرنا الى مؤتمر "جنيف 2" من زاوية الربح والخسارة، فاننا نقول، ودون اي تردد بأن النظام السوري هو الرابح الاكبر، بل والوحيد تقريبا، فقد حصل على اعتراف شرعي اممي، او تأكيد هذا الاعتراف مجددا، بمشاركته في المؤتمر واعطائه مكانة بارزة والحصول على منبر اعلامي دولي لطرح وجهة نظره امام العالم باسره واثناء نسبة مشاهدة واهتمام في الذروة بالصوت والصورة، وهذا ما لم يحلم به مطلقا، بعد ثلاث سنوات من الحصار الخانق، الاعلامي والسياسي، والظهور بمظهر "حضاري" غربي اما العالم حيث ضم وفده سيدتين، بينما خلت وفود معارضيه من اي امرأة، سعودية كانت ام قطرية ام حتى تركية، ولا نعتقد ان منظمي هذا المؤتمر بالشكل الذي بدا عليه قد كانوا على وعي بهذه النقطة.

مؤتمر جنيف كان حرب علاقات عامة سياسية، ومباراة في البلاغة ونظم الكلام استغلها النظام السوري جيدا، وحقق فيها فوزا كبيرا، ولكن هذا لا يعني ان الحال قد يكون كذلك في الميادين الاخرى، ولكنه فوز مهم في معركة مهمة في اطار حرب ستطول حتما، لا يمكن، بل لا يجب تجاهله عندما يكون هناك من يريد التقويم بطريقة موضوعية مهنية، وليس حسب التمنيات والعواطف والموقف السياسي المنحاز.


عبد الباري عطوان
رئيس تحرير القدس العربي سابقا
رئيس تحرير ومؤسس صحيفة "راي اليوم" الالكترونية
محلل سياسي وكاتب عربي


المصدر: أوكرانيا بالعربية

مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
ليتوانيا تقدم مساعدات عسكرية جديدة إلى أوكرانيا
سياسة
بيربوك: أوكرانيا تحتاج إلى أسلحة بعيدة المدى للدفاع عن خاركيف
رياضة
زيلينسكي: أوكرانيا فعلت كل ما يلزم للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.