أوكرانيا بالعربية | فلسفة ثورة 25 يناير... بقلم د.عادل عامر
كييف/أوكرانيا بالعربية/إذا نظرنا الي الثورة بمنظور القدرة فإن ما حدث من ثورة هو ناموس كوني وتدخل رباني يبين لنا فيها الله سبحانه وتعالي بأنه ليس غافلا عما يعمل الظالمون وأنه مهما أمهل فإنه لا يهمل وأنه مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويزل من يشاء ويرفع ويخفض لا يسأل عما يفعل وهم يسألون أما إذا نظرنا لها بمنظور الحكمة والأسباب فلا تملك إلا التزام ما شرع الله سبحانه وتعالي وقوله عز وجل ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى.*إذا كانت الثورة تعنى إسقاط نظـام ؛ وإقامة نظام أخر ؛ فإنها كما يتضح للمتأمل ذات شقين ؛ الشق الأول إسقاط نظــام وهو يحـــتاج الي العقلية الثورية وأدوات تختلف تماماً عن الشق الثاني المتمثل في إقامة نظام أخر تماماً كهدم عقار كبير دفعة واحدة ؛ وما يمكن إن يترتب عليه من أثار ؛ أما إقامة عقار جديد ؛ بناء على أساس متينة ؛ وقواعد صحيحة فانه وبحق يحتاج الي آليات أخرى ؛ وقواعد مختلفة ؛ وتكاتف الجميع من أجل أن يكون هذا البناء له مقومات الاستمرار بسلام ؛ وصالح لان يعم جميع أبناء هذا الوطن ؛ ومن هنا كان على الجميع إن يعي جيداً ؛ ويعلم يقيناً ؛ ضــــرورة الانتقال من مرحلة " العقلية الثورية " ؛ الي مرحلة " الثورة العقلية " ؛ وهذا هو دور الثائر الحق ؛ الذي يعرف متى يبدأ الهدم ؛ وظروف هذا الهدم ؛ والياته ؛ ثم يتوقف مع البناء واليات تشييد الأمجاد ..
فالثائر الحق – كما قيل - بعد إن يرد المظالم؛ ويقضى على عوامل الفساد؛ لابد إن يبدأ في عوامل البناء.. وليس معنى الثورة على الفساد إن يتم البطش بكل من كان ينتمي الي العهد البائد ؛ بل إن الآليات تقتضى إن يشعر كل أبناء الوطن حتى الذي كان يخالف في رأى أو مواقف إن الوطن وطن الجميع وبيت يعم ويظلل جميع أبنائه ..
ومن هنا فبين شقي وعنصري الثورة ؛ هدم الفساد ؛ وبناء الأمجاد ؛ تحقق الثورات أعظم ما في هذا الكون ؛ بناء المجتمعات على أسس الحرية والديمقراطية ؛ فبين قسوة الهدم ؛ ورحمة البناء ؛ تتولد قواعد المساواة والحرية والديمقراطية التي تدفع ثمنها الشعوب دماؤها وأرواحها وكل نفيس وغالى .
من هنا حينما دخل النبي محمد صلى الله عليه سلم مكة فاتحاً سنة ثمانية هجرية ؛ وقال بعض الجنود المسلمين اليوم يوم الملحمة ؛ اى يوم استباحة الدماء وتصفية الحسابات ؛ اخذ الراية منه ؛ وارسي قواعد العدل والمساواة والإخاء إذ قالها النبي صلى الله عليه وسلم مدوية ؛ بل اليـوم يوم المرحمـــة ؛ اى يوم التواد ولم الشمل ؛ وجمع الناس تحت راية العدل والحق والحرية والمساوة للجميع . وهل يعد ما تكشف لنا من حجم للفساد والظلم للشعب والجبروت للنظام السابق يمكن أن يكون هناك انحراف عن العدالة؟!>> الثورة اندفاع بحكم تعريفها فالانحراف عن العدالة وارد وبالتالي لابد من الحزر والتزام العدل والتزام القيم وإلا انحرفت الثورة من مسارها وتخطت أهدافها بهذا المنظور يجب ألا تتوقف الثورة عند الهدم بإزالة النظام الفاسد السابق وإنما يجب أن تكون للثورة أهداف تتعلق بالبناء..
ولأي بناء قيم وأهداف فهي ليست واضحة حتى الآن.. فالهدم غالب علي البناء والفوضى غالبة علي النظام وعلو الصوت غالب علي الحكمة.. فليفق الناس والله غالب علي أمره.>> قد يكون هذا ولكن يجب ألا نغفل عن الحقيقة وهي أن الثورة المضادة لا تكون إلا من داخل الثورة ذاتها عندما تسمح بالفوضى والتملق والنفاق الذي نراه والتشفي وارتفاع الصوت والانتهازية ومظاهر البلطجة والأنانية وغير ذلك فكل هذه عناصر للثورة المضادة التي يجب النظر إليها أولا ومحاربة هذه المظاهر قبل كل شيء لأنه عندما تكسد الحواجز بفعل الثورة تظهر مظاهر الضعف والانحلال والفساد فجأة والتي تراكمت علي مدي كل هذه السنون الطويلة ويجب أن نفهم أنفسنا أولا لأننا جميعا كنا النظام في يوم من الأيام!!لماذا ظل رئيس الجمهورية محميا بسياسة الغفران والعفو بعد قيام الثورة؟
ألا إنه كان من أبطال أكتوبر فحقت له الحصانة الإلهية؟ وهل كان الوزراء المصريون في عهده أكثر من أتباع له ينفذون أوامره؟ وكيف لجهات التحقيق التثبت من ذلك إن لم تقم بمساءلته ومحاكمته؟ إن جهاز الشرطة، رغم كونه جهازا مدنيا وفق الدستور، معد وظيفيا وعمليا علي نمط الأجهزة العسكرية، فقواته تعمل بذات المنطق العسكري في تلقي الأوامر وتنفيذها. وبمثل ما يمكن للقائد استخدام هذا المنطق في قيادة القوات وتحقيق مصلحة الوطن، يمكنه استخدامه في قيادتهم لارتكاب أبشع الجرائم الإنسانية. ورغم أن هذا لا يعفي القوات من المسئولية الجنائية إلا أن القائد الأعلى للشرطة، وهو ذاته رئيس الجمهورية يظل المسئول الأول عن جرائم الجهاز التي أمر بارتكابها ويليه وزير الداخلية الذي يعد رئيسا مباشرا للجهاز الشرطي.
لقد اكتفت حكومة شفيق التي استمرت في تسيير الأعمال بأمر المجلس العسكري الأعلى بتقديم الاعتذار للجماهير عن تقاعسها في حماية المتظاهرين من القتل الذي تعرضت له علي أيدي الجناة من أرباب السوابق والبلطجة ولم تتخذ أي إجراءات جنائية ضد المسئولين في الحكومة عن عدم حماية الثوار المتظاهرين. من شأن تحديد أهداف وأولويات محددة رفع كفائة الأداء المصري وعودتنا كدولة رائدة فكريا وصاحبة المبادرة في التحرك الإقليمي, دون أن ننحاز أو نقترب من أو نغفل طرفا دوليا علي حساب المصلحة المصرية, و لقد نجحنا في ذلك بعد ثورة يوليو إلي أن أنهكتنا حرب اليمن, و في السبعينات إلي أن رئي أن 99% من كروت حل النزاع العربي الإسرائيلي في أيدي أمريكا, رغم أن القرار الشجاع بدخول حرب أكتوبر لم يكن يرضي أمريكا أو الإتحاد السوفيتي, كما شهدناه في الثمانينات عندما عادت مصر مرة أخري لتكون نقطة ارتكاز العالم العربي, قبل أن توجه قوة مصر الخارجية كلها و تعاملاتها الخارجية لما يسمي هدف الاستقرار الداخلي, بمعني الإسقرار والشخصنة في الحكم, و تواصله دون تدويل أو تجديد أو تطوير.
وأشعر شخصيا الآن أن المناخ الدولي والمنظور الخارجي للأحداث التاريخية المصرية مهيأ لاستعادة التحرك المصري الإيجابي, حيث استقبل خلال حضوري اجتماعات و مؤتمرات دولية بعد الثورة باهتمام و إيجابية شديدة, يعكس أن المجتمع الدولي مازال مبهورا بما حققه المجتمع المصري بمختلف فئاته, رغم التنامي المتزايد أخيرا و الاستقطاب في الحوارات المصرية وعدم وضوح الرؤية السياسية المستقبلية, مع هذا ينظر إلينا مرة أخري بعد الثورة كدولة حاضرة, طليعة و فاعلة في الأحداث, بعد أن عانيت طوال تمثيلي مصر في واشنطن من الهجوم و الانتقادات المستمرة, و الاستثناء الوحيد كان عند الحديث عن تاريخ مصر العظيم, أو باعتبارها سندا لموقف الولايات المتحدة أو للسلام مع إسرائيل, دون الحدث التاريخـي كـائن حـي ؛ إذ هو ربيب واقـع ؛ ولصيق حقائق ؛ له ميلاد ؛ يسبقه مخاض ؛ ويولد ليتأثر بما حوله من عوامـل مؤثرة زمنية ؛ وملامح مكانية ؛ وظـروف وملابسـات لاينفك عنها ؛ وهى تحيطه يتأثر بها ؛ ويؤثر فيها .. ثم يتطور بدوره فيكون من هذه الأحداث ما يموت في مهده ؛ ومنها ما يستمر حيناً من الدهر ليموت فتياً ؛ ومنها ما يشب شباباً قوياً ليظل سنين طويلة ؛ وأحقاباً مديدة ؛ يؤثر في توجيه دفة أمة أو وطن أو أجيال أو جماعة أو كيان ما ؛ أياً كان شكله وتكوينه ؛ ومن هذه الأحداث ما يستمر حتى يبلغ حد الكهولة ؛ ثم تأخذه علامات الشيخوخة ؛ ليكون موجوداً أسما ؛ بينما يفقد قيمته الفعلية ؛ وتأثيراته الواقعية ؛ ليغدو كالشيخ الهرم الذي بلغ أرذل العمر ؛ فيصير من هذه الأحداث التي يتذكرها الناس فيترحمواْ على زمانها وأيامها المنصرمة .. ومحــرك عجــلة هـذا الكائن الحي ؛ بشر ؛ يجمــع بين جــوانبه بعض مـن خـيرية الملائكـة ؛ وبعض من شـر الشــياطين ؛ وهـذا هـو الإنســان ؛ الـذي تتـذبذب حــرارة أدائـه بينهمــا ؛ يخطئ حــيناً ؛ ويصـــيب أحــياناً .. والإنسـان ابن بيئتــه يؤثر فيها إيجـابا ؛ وهذا هو حـال العظماء والمصلحـون ؛ ويتأثر ببعض ســلبياتهــا ؛ وهـذا هـو حال عمـوم البشر ؛ والصالحـون يبنون أنفسـهم ؛ أما المصلحـون فيبنون الأمم والأجيال والجماعات ..
د. عادل عامر
دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية
عضو المعهد العربي الأوروبي للدراسات الإستراتجية
والسياسية بجامعة الدول العربية
المصدر: أوكرانيا بالعربية