أوكرانيا بالعربية | أوقـفــــوا هـــذه المــهــزلــــة... بقلم حسن زايد

لا أحد يجادل في أن الحرية حق أصيل من حقوق الإنسان ، وأن حق التعبير عن الرأي هوأحد أهم الحقوق المنبثقة عن هذا الحق ، إلي حد ذهاب أحدهم إلي القول بأنه قد يختلف معك في الرأي إلا أنه مستعد للتضحية بحياته كي تتمكن من التعبير عن رأيك . كل هذا لا جدال فيه ، إلا أنه لابد أن ندرك كذلك ، وبذات القدر ، أنه طالما أن الإنسان لا يعيش بمفرده في الكون ، وأن هناك من يشاركه فيه ، وأن هذا الغير/ المشارك تمثل الحرية بالنسبة له كذلك حق أصيل بما ينبثق عنه ، أو يتفرع منه .
كييف/أوكرانيا بالعربية/لا أحد يجادل في أن الحرية حق أصيل من حقوق الإنسان ، وأن حق التعبير عن الرأي هوأحد أهم الحقوق المنبثقة عن هذا الحق ، إلي حد ذهاب أحدهم إلي القول بأنه قد يختلف معك في الرأي إلا أنه مستعد للتضحية بحياته كي تتمكن من التعبير عن رأيك . كل هذا لا جدال فيه ، إلا أنه لابد أن ندرك كذلك ، وبذات القدر ، أنه طالما أن الإنسان لا يعيش بمفرده في الكون ، وأن هناك من يشاركه فيه ، وأن هذا الغير/ المشارك  تمثل الحرية بالنسبة له كذلك حق أصيل بما ينبثق عنه ، أو يتفرع منه .
وهنا تظهر الإشكالية ، فليس من المنطقي ترك الحرية مطلقة ، لأنها بذلك تمثل اعتداءًا علي حرية الآخرين ، ولو مارس كل فرد حريته المطلقة  ، لأضحي التجمع البشري غابة ، السيادة فيه للأقوي ، وسيادة الأقوي تعني انعدام حرية الأضعف ، وتصبح قضية الحرية بلا معني . وكي تصبح الحرية ذات معني كحق فلابد من تنظيمها ، وهذا التنظيم يعد قيداً ـ بشكل أو بآخر ـ علي الحرية المطلقة ، كي تتحول إلي حرية نسبية . ونسبية الحرية تعني أنها تخلتف من وقت لآخر ، ومن مكان إلي آخر ، بالنسبة للفرد الواحد . فحرية الإنسان في التخفف من ملابسه تختلف في البيت ، عنها في الشارع ، عنها في المصايف علي شواطيء البحار ، عنها في مكان العمل  . كما أنها تختلف في الليل عنها في النهار ، وفي الصيف عنها في الشتاء . وصاحب الحق الأصيل في تنظيم ممارسة الحق في الحرية ليس فرداً من الأفراد ، ولا جماعة من الجماعات ، ولا حزب من الأحزاب ، ولا جهة من الجهات درءًا لشبهة الإنحياز ، وإنما أنيط هذا الحق بالدولة ، لأن الدولة حين تنظم الحقوق والواجبات فإنها تفعل ذلك من خلال القانون ، ومن المعروف أن القاعدة القانونية بتعبير أهل القانون قاعدة عامة ومجردة .
إذا فالدولة من خلال مؤسساتها العامة المنوط بها تطبيق القانون هي صاحبة الحق في القول لك ، قف محلك ، فقد تجاوزت القانون المنظم لحقك في الحرية ، وهي حين تفعل ذلك ، لا يحتج في مواجهتها بأنها تحد من حقك في ممارسة حريتك حين تتجاوز حدودك في الممارسة  . هذا في الظروف الطبيعية التي تعيش في كنفها الدول والمجتمعات ، ولا توجد دولة ، ولا يوجد مجتمع يعيش في ظروف طبيعية علي طول الخط ، وإنما الدول والمجتمعات تعيش في خطوط بيانية بين صعود وهبوط ، ولا يخلو مجتمع أو دولة من ظروف استثنائية . هذه الظروف الإستثنائية قد تقتضي من أفراد المجتمع التنازل عن بعض الحقوق حتي يبقي المجتمع ، وتبقي الدولة .
مثل الحد من حرية التنقل حال وجود أوبئة ، أو كوارث طبيعية ، أو فرض حالة الطواريء في وقت الحرب . وهذا الإستثناء الذي يعطي الحق للدولة في تنازل أفراد المجتمع عن بعض الحقوق والحريات ـ طوعاً أو كرهاً ـ لا ينفي قاعدة أن الدولة يقتصر دورها علي تنظيم الحقوق والواجبات ، بل يثبتها ، ويؤكدها . وإذا كان الإستثناء يثبت القاعدة ولا ينفيها ، فإنه في ذات الوقت لا يحتج به ولا يقاس عليه . فإذا نظرنا من خلال هذه المقدمة إلي ما جري في الجامعات المصرية خلال العام المنصرم ، وما جري في ثاني أيام العام الحالي ، وما هو متوقع أن يجري خلال العام الحالي ، وربما الأعوام القادمة ، من بعض الطلاب ، هل يمكن اعتباره من الأمور الطبيعية التي تجري في كل جامعات الدنيا أم أنه حدث استثنائي ؟ .
أو بطريقة أخري : هل يحق للطلاب التظاهر داخل الحرم الجامعي ؟ وهل يمكن أن يصاحب ذلك بعض مظاهر العنف مثل استخدام المولوتوف والألعاب النارية والأحجار والإلتجاء إلي التخريب ؟ . وللإجابة علي هذه الأسئلة فلابد من العودة إلي سؤال مهم مؤداه : ما هو الحق الأصيل  وما هو الحق التابع داخل الحرم الجامعي ؟ . من المعلوم أن الحق الأصيل داخل الحرم الجامعي هو الحق في التعليم ، وما عداه من حقوق هي حقوق تابعة بما في ذلك الحق في التظاهر داخل الحرم الجامعي . ولا يصح أن يطغي حق تابع علي حق أصيل منطقياً ، فترتيب الأولويات بحسب التسلسل المنطقي يقتضي تقديم الحق الأصيل علي الحق التابع .
فإذا افترضنا جدلاً أنه أحيانا يتقدم الحق التابع فيصبح أصيلاً ، ويتأخر الأصيل فيصبح تابعاً ، وهذا وارد وإن اختلفت حوله وجهات النظر ، ففي هذه الحالة ينطبق علي هذا الحق قاعدة حق الدولة في التنظيم ، ولا يصح أن يكون حقاً منفلتاً من القيود المنظمة ، لأن باقي الحقوق المتعلقة بالأخرين لا زالت قائمة . ومن ثم يصبح الحق في التظاهر السلمي منظماً بموجب القانون من جهة الدولة . فإذا تحول التظاهر السلمي إلي أعمال عنف وشغب وتخريب دخل في دائرة الجرائم ، وانتقل دور الدولة من إطار تنظيم الحق إلي إطار مكافحة الجريمة . فإذا قيل بأن الطلاب داخل الجامعة ينطلقون من منطلق الحق في ممارسة النشاط السياسي ، وأن هذه المظاهرات ومظاهر العنف المصاحبة لها ما هي إلا ردود أفعال علي ما تقترفه قوات الشرطة في مواحهتهم ، فإننا نقول أن هذا الكلام لا يخلوا من التلبيس ، لأن الحق في ممارسة النشاط السياسي داخل الحرم الجامعي ، حيث الدرس والعلم والفهم والفكر ، لابد أن يكون مقيداً بالممارسة في ذات الإطار ، إذ لكل مقام مقال .
أما الممارسة بمعني التنظيم والحركة علي الأرض فمحلها الأحزاب السياسية والشارع وليس الحرم الجامعي . ومن هنا فلا معني للتظاهر العنيف داخل الحرم الجامعي ، فإذا حدث وتدخلت الشرطة ، فإنها تتدخل لمواجهة ظاهرة إجرامية كما اتفقنا ، ولا محل للإحتجاج في مواجهتها . وما يحدث في الجامعات المصرية يتأتي من فئة قليلة من الطلاب المؤدلجين الذي ينتمون لجماعة أعلنت الدولة أنها جماعة إرهابية ، وليس من عموم الطلاب . وهم حين يفعلون ذلك إنما ينطلقون من أجندات معدة سلفاً من قبل قادة هذه الجماعة  . أي أن الأمر ليس مجرد ممارسة سياسية من طلاب ، وإنما هؤلاء الطلاب ما هم إلا أدوات وأصابع للتنفيذ ، والمطلوب  وفقاً للأجندة هو إفساد العام الدراسي ، وإشاعة جو من عدم الإستقرار ، وإظهار الدولة بمظهر الدولة الأضعف في مواجهة الجماعة . فإن لم يكن الأمر كذلك ، فما هي مطالبهم علي وجه التحديد والقطع ؟ . إذن القصة واضحة .
وسبب الإرتباك الذي تعيشه الدولة في مواجهة هذه التظاهرات هو حكم محكمة القضاء الإداري بعدم دخول الحرس الجامعي إلي حرم الجامعة ، ومع أن المقصود من الحكم هو عدم تدخل الأمن في أعمال الجامعة ، وليس منعه من حراستها ، إلا أن هذا ما فُهم من منطوق الحكم . وترتب علي ذلك سلسلة من الأخطاء ، فبدلاً من تصويب الحكم بإصدار تشريع ينظم علي نحو دقيق عمل الحرس الجامعي بما لا يتعارض والحكم القضائي ، فوجئنا بإسناد أعمال الأمن لشركة أمن خاصة تقوم علي حراسة البوابات ، إلي جانب الأمن الإداري من الداخل ، مع إعطاء الحق لرئيس الجامعة في استدعاء قوات الشرطة حال حدوث ما يستدعي ذلك . وأنا أظن أن الأمر لا يخلو من إزدواجية في الإختصاصات بما يترتب عليه وجود تضارب يؤدي إلي تمييع المسئولية ومن ثم انخفاض مستوي الأدء . وليس لدي ما أقوله سوي : " أوقفوا هذه المهزلة " لأن استمرارها يهز صورة الإستقرار في مصر ، ويظهر الدولة بمظهر الطرف الأضعف ، في وقت لا يصح أن تظهر فيه بهذا المظهر لا محلياً ولا إقليمياً ولا دولياً .
حسن زايد
كاتب مصري ومدير عام 
المصدر: أوكرانيا بالعربية



مشاركة هذا المنشور:
الأخبار الرئيسية
سياسة
رئيس أوكرانيا يلتقي وزير خارجية بريطانيا في كييف
سياسة
كاميرون: أوكرانيا لها الحق في ضرب أهداف داخل روسيا بالأسلحة البريطانية
اقتصاد وأعمال
تشيجيكوف: نعمل على إقامة علاقات اقتصادية أوثق بين أوكرانيا والسعودية
أخبار أخرى في هذا الباب
آراء ومقالات
عن النصر والخوف والمعارضة...بقلم رئيس حركة "الأخوية القتالية الأوكرانية" بافلو جيربيفسكي
آراء ومقالات
الفساد العظيم الذي ضيّع أوكرانيا!..حسين الراوي
آراء ومقالات
الإجرام الروسي والطفولة الأوكرانية..حسين الراوي
تابعونا عبر فيسبوك
تابعونا عبر تويتر
© Ukraine in Arabic, 2018. All Rights Reserved.