أوكرانيا بالعربية | أوكرانيا: الشراكة الأوروبية والعقبة الروسية... بقلم سارة ميلر وكريستيان سيانس
كييف/أوكرانيا بالعربية/يبدو أن روسيا اليوم باتت تملك اليد الطولى في صراعها مع الاتحاد الأوروبي لصياغة مستقبل أوكرانيا، فقد أعلنت الحكومة الأوكرانية قبل أيام تعليق استعداداتها للتوقيع على اتفاقية تفسح المجال للانضمام للاتحاد الأوروبي، وذلك بعد ساعات فقط على رفض البرلمان الأوكراني لمقترح قانون يسمح بانتقال زعيمة المعارضة، يوليا تيموشينكو، التي تقضي عقوبة سجن، إلى ألمانيا لتلقي العلاج، حيث كان الاتحاد الأوروبي قد اشترط الإفراج عن المعارضة التي حُكم عليها قبل عامين بسبع سنوات سجناً، باعتباره حكماً مسيساً، لقبول توقيع أوكرانيا اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي تمهد الطريق لانضمامها إليه. ولكن روسيا ترفض اقتراب أوكرانيا من أوروبا، وبدلاً من ذلك يحث الكرملين، بل يهدد أحياناً، ذلك البلد الخارج من ربقة الاتحاد السوفييتي السابق، بالابتعاد عن الغرب والانضمام إلى اتحاد جمركي تقوده روسيا. وكان الموعد النهائي الذي وضعه الأوروبيون لإطلاق سراح تيموشينكو هو الأسبوع المقبل، حيث كان مقرراً عقد قمة في ليتوانيا في نهاية الأسبوع لتوقيع الاتفاقية مع أوكرانيا بعد التدقيق في مدى التزامها بالشروط الأوروبية. ولكن قرار الحكومة بتعليق استعداداتها للقمة، والتي قالت إنه جاء لدراسة تأثير ذلك على آفاق التجارة مع روسيا وضمان علاقات متكافئة مع الاتحاد الأوروبي، يضع مجمل الاتفاقية التي يفترض أن تعبد الطريق أمام أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في مهب الريح.
ومع أن أوروبا وروسيا وضعتا معاً الكرة في ملعب أوكرانيا لاختيار فريقها، يلوم المراقبون الاتحاد الأوروبي لاشتراطه الإفراج عن تيموشينكو للتوقيع على الاتفاقية، وهو ما اعتبره البعض انخراطاً أوروبياً في سياسة حافة الهاوية التي تصلح أكثر لصراعات الماضي بين الدول والقوى الكبرى، ولم يعد لها وجود اليوم. وهذا الأمر عبر عنه «إيوالد بوهل» الذي يقود مركز «بيرتولد بيتز» بالمجلس الألماني للعلاقات الخارجية، قائلاً «في عالمنا المعاصر الذي تطغى عليه ديناميات العولمة ما زلنا نتحدث في أوروبا بأسلوب الحرب الباردة التي سادت في القرن العشرين»! وكان الرئيس الأوكراني، فيكتور يانوكوفيتش، قد رفض العفو عن تيموشينكو، كما طالب بذلك الاتحاد الأوروبي، ولكنه من جهة أخرى وافق على سن قانون يسمح لها بتلقي العلاج في ألمانيا على أن تتعهد بالعودة لاستكمال فترة العقوبة في أوكرانيا. غير أن البرلمان الذي يغص بحلفاء الرئيس رفض تمرير ست نسخ من القانون! ولو أن كييف وقعت على الاتفاقية فإنها كانت ستستفيد من فرص التنمية الاقتصادية التي يتيحها الانضمام إلى أكبر تكتل اقتصادي وديمقراطي في العالم، فعلى رغم الأزمة الاقتصادية المستمرة في أوروبا تشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية الأوكرانيين يناصرون الانضمام للاتحاد الأوروبي، حيث أظهر المسح الذي أجرته شركة «جي إف كي» أن 45 في المئة من الأوكرانيين يؤيدون فكرة الاندماج في أوروبا، مقارنة بنسبة 15 في المئة فقط التي تفضل الاندماج مع روسيا.
إلا أن أوكرانيا لن تكون وحدها مستفيدة من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بل من المتوقع أن تستفيد أوروبا أيضاً، فعلى رغم مشاكلها العديدة، وعلى رأسها تفشي آفة الفساد ستكسب أوروبا من الناحية الجيوسياسية في حال اقترابها أكثر من أوكرانيا، ففي ظل الابتعاد الأمريكي عن أوروبا، وسعي موسكو لتشكيل اتحاد جمركي وتحويله إلى تكتل شبيه بالاتحاد الأوروبي، تبرز أوكرانيا كدرع يحصن أوروبا من التمدد الروسي، وهو الرأي الذي يتبناه «رودريك باركس»، مدير البرنامج الأوروبي في المؤسسة البولندية للدراسات الدولية «بوورسو»، إلا أن مشكلة أوروبا على ما يبدو هي تضييعها للفرصة بعدما جعلت من آفاق الانضمام للاتحاد الأوروبي أمراً لا يمكن استساغته بسهولة، فأوروبا، كما يقول باركس «تدفع أوكرانيا إلى حضن روسيا»، ولاسيما أن هذه الأخيرة لا تتردد في التلويح بالعصا بتأكيدها أنه «في حال كانت أوكرانيا حريصة على ضمانات أمنية من البلد الذي يمثل التهديد الأمني الأكبر فلابد من تحالفها مع روسيا». بل أكثر من ذلك يرى «إيوالد بوهل» أن إصرار الاتحاد الأوروبي على إطلاق سراح تيموشينكو كان خطأ جسيماً، فالمطلب الأوروبي يضع الرئيس الأوكراني في موقف صعب لأنه بالإفراج عن الزعيمة المعارضة يكون قد خلق لنفسه متاعب خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، كما أن قصتها، يضيف الخبير، باتت جزءاً من الماضي ولا ينبغي ربطها بمستقبل البلاد. وفي مقابل العرض الأوروبي قدمت روسيا أيضاً عرضها الخاص لأوكرانيا بعد انخراط الرئيس بوتين في ضغوط مستمرة على كييف. وهو عرض يسمح لأوكرانيا أيضاً بالاستفادة من خصومات مهمة على أسعار الطاقة الروسية، واستمرار الحدود المفتوحة نسبياً بين البلدين، فضلاً عن إحياء الشراكات الصناعية القديمة التي كانت قائمة في عهد الاتحاد السوفييتي.
بيد أن الطريق الروسي في حال اختياره من قبل أوكرانيا يعيدها مرة أخرى إلى الدولة التي عانت معها في السابق لتصبح مكوناً أساسياً من الكتلة الاقتصادية التي تسعى موسكو لقيادتها، بل والانتقال بها في أفق 2015 إلى ما يشبه التحالف السياسي باسم «الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي». وبما أن أوكرانيا كانت سلة غذاء الاتحاد السوفييتي السابق وقلبه الصناعي النابض، فإن روسيا تريدها أن تكون جزءاً من هذا الاتحاد؛ ولكن موسكو لا تعتمد فقط على أسلوب الترغيب لإقناع أوكرانيا بالانضمام إلى اتحادها، بل تلجأ أيضاً إلى الترهيب والتهديد، حيث حذر الرئيس بوتين من أن العلاقات التجارية الضخمة مع روسيا ستتعرض لانتكاسة كبرى في حال قررت أوكرانيا الاندماج مع الاتحاد الأوروبي. كما فرضت موسكو في الشهور الأخيرة حظراً على صادرات أوكرانيا من الشوكولاتة، وهددت بإرغام كييف على دفع سعر وارداتها من الطاقة مسبقاً. ويوضح فاديم كاراسيوف، مدير معهد الدراسات الدولية المستقل في كييف، موقف موسكو بقوله: «تنظر روسيا إلى التحالف الاقتصادي بين أوروبا وأوكرانيا على أنه تحدٍّ خطير، وتهديد كبير لخططها الرامية لاستعادة المجد الروسي الضائع خلال الولاية الثالثة لبوتين».
المصدر: الصحافة الدولية